التصعيد ضد "جهينة": تشديد حصار الإسلاميين مالياً في مصر

09 فبراير 2021
قدمت التحريات الجديدة من المصرف المركزي (خالد دسوقي/فرانس برس)
+ الخط -

يمضي النظام المصري في طريق تشديد التعامل مع الشخصيات السياسية والاقتصادية غير الموالية له، وبصفة خاصة مع المصنفين منهم كإسلاميين أو موالين لتيار الإسلام السياسي. وعلى مستوى آخر، يصّر النظام على زيادة التنكيل بقواعد جماعة "الإخوان المسلمين" والمجموعات المنشقة عنها، بصورة متزامنة وأدوات ممنهجة. فلا يمكن فصل اعتقال رجل الأعمال سيف الدين صفوان ثابت، نجل صفوان ثابت، مؤسس شركة الألبان المحلية العملاقة "جهينة" ورئيس مجلس إدارتها، والعضو المنتدب لها منذ القبض على والده قبل شهرين، عن فتح القضية المتهم فيها والده وعدد من رجال الأعمال المعروفين بـ"هواهم الإسلامي" أو بعلاقاتهم، في وقت سابق، برموز جماعة الإخوان. كما لا يمكن فصل ذلك عن صدور أول حكم نهائي بمصادرة أموال نحو 80 من القيادات العليا والوسيطة في الجماعة وأسرهم، ولا عن إجراءات أخرى كشفت عنها مصادر قضائية وقانونية لـ"العربي الجديد".

ضم زوجات وأبناء المئات من الأشخاص المتحفظ على أموالهم منذ 2014 بتهمة الانتماء لجماعة "الإخوان" وتمويلها، إلى قوائم التحفظ

ويأتي على رأس هذه الإجراءات، ضم زوجات وأبناء المئات من الأشخاص المتحفظ على أموالهم منذ عام 2014 بتهمة الانتماء لجماعة "الإخوان" وتمويلها، إلى قوائم التحفظ، تمهيداً لإدراجهم على قائمة الإرهابيين. ويعني ذلك منع هؤلاء من التصرف في أموالهم، ومن السفر وتجديد جوازات السفر لمن هم خارج البلاد ووضعهم على قوائم ترقب الوصول، تمهيداً لمصادرة أموالهم، هم وذووهم.
ووصفت المصادر الإجراءات الجديدة بأنها "متسارعة للغاية على مدار الشهرين الأخيرين"، مصحوبة بمنع ذوي مئات المتهمين المتحفظ على أموالهم، والمعتقلين أو المحكوم عليهم على ذمة قضايا أخرى، من تقاضي مرتباتهم ومعاشاتهم حسب الأحوال. ويعكس ذلك رغبة النظام في استمرار التنكيل بقواعد "الإخوان" وامتداداتهم الاجتماعية لأطول فترة ممكنة، حتى بعد مرور سبع سنوات على بدء إجراءات التحفظ وتجفيف منابع التمويل، بحجة أن المتحفظ عليهم استطاعوا "تدوير" الأموال وإعادة استثمارها تحت مسميات وملكيات أخرى، من خلال نقل ملكيتها لذويهم أو لآخرين، خصوصاً السائلة والمنقولة منها.

قضايا وناس
التحديثات الحية

وكشفت المصادر أن ضمّ نجل صفوان ثابت إلى قضية والده وباقي رجال الأعمال يمكن فهمه في نفس هذا السياق، ولكن على مستوى أضخم بطبيعة الحال، موضحة أن أجهزة النظام تتهم صفوان ثابت في القضية الجديدة بإخفاء أمواله الخاصة المتحفظ عليها منذ ست سنوات، والتي كانت الدولة قد استثنت منها شركة "جهينة"، مراعاة لأصحاب الأسهم من الأجانب والمصريين، والمستثمرين الكبار في الشركة من أوروبا والخليج. وعلى رأس هؤلاء، يأتي السعودي محمد الدغيم رئيس مجلس الإدارة الحالي، خصوصاً أن سهم الشركة كان ولا يزال من أنجح أسهم البورصة المصرية.
وأضافت المصادر أن التحريات الأمنية التي بنيت عليها القضية الجديدة، قدمت هذه المرّة من المصرف المركزي وجهاز مكافحة غسل الأموال والإرهاب. وزعمت هذه التحريات أن صفوان ثابت استطاع إخفاء نسبة كبيرة من أمواله المتحفظ عليها في أسهم شركة "جهينة" واستثماراتها المختلفة، وأن نجله سيف الدين قد ساعده على ذلك، باعتباره عضواً منتدباً للشركة.
وأرجعت المصادر اهتمام الأجهزة المتأخر بهذا الأمر، إلى عدم استطاعتها حصد الأموال التي كانت تتصور الحصول عليها من الأملاك الخاصة بصفوان ثابت وحده، في ظلّ تداخل كبير بين أمواله وأموال الشركة، ونقل قسم كبير منها لملكية أبنائه. وجعل ذلك من العملي من وجهة نظر أجهزة السيسي، تضييق الخناق على صفوان ونجله، والدخول إلى معترك غير معروف العواقب، قد تكون نهايته القضاء على الشركة بتخارج الشركاء وتحفّظ الدولة عليها كما هو حاصل في عدد كبير من الكيانات الاقتصادية. لكن لا يوجد مما حصل ما هو بضخامة "جهينة"، أو التنازل عنها بالكامل لشركائهم، أو بيعها بالكامل لشركة أخرى تابعة للنظام، أو دفع ثابت مبلغاً ضخماً من المال على سبيل المصالحة، مع تعهدات بإدخال شركاء تابعين للنظام، أي في كلّ الأحوال القضاء على ريادة ثابت وعائلته في سوق الألبان والصناعات الغذائية في البلاد.

لم تستطع السلطات حصد الأموال التي كانت تتصور الحصول عليها من الأملاك الخاصة بصفوان ثابت وحده

وأشارت المصادر ذاتها إلى أن ضم عدد من الشخصيات السياسية والاقتصادية الأخرى إلى هذه القضية، لا يعدو كونه إيهاما للرأي العام ومجتمع الأعمال بوجود تنظيم يعمل لصالح الجماعة حالياً. أما الهدف الحقيقي فهو إحكام وضع يد الدولة على أموال ثابت تحديداً، كذروة مسار خاص من الضربات النوعية لرؤوس الأموال غير المدمجة تحت عباءة نظام السيسي.
وعقب اعتقال صفوان ثابت مطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، شنّت مواقع صحافية مملوكة للاستخبارات العامة حملة شرسة على نجله سيف الدين، اتهمته فيها بإلحاق الضرر بمساهمي "جهينة"، سواءً على مستوى أداء سهم الشركة في البورصة المصرية أو أدائها المالي وحجم مبيعاتها في السوق. واعتبرت الحملة أن ذلك سيتأثر سلباً بأنباء توجيه اتهامات للوالد بتمويل الإرهاب، ودفعت الحملات في اتجاه عدم صلاحية عائلة ثابت، باعتبارها وثيقة صلة المصاهرة لعائلة المرشدين السابقين لجماعة "الإخوان"، حسن الهضيبي والمأمون الهضيبي، لإدارة إحدى كبرى شركات الأغذية في مصر، زاعمةً أن قوانين سوق المال تمنع استمرارها.
كما أصدر بعض النواب الموالين للأمن الوطني تصريحات صحافية تطالب بوضع الشركة تحت الحراسة أو تحت إدارة جهات معينة من الدولة وفق الإجراءات القانونية وتطبيق قرار هيئة الرقابة المالية رقم 85 لسنة 2018. ويحظر هذا القرار عضوية مجلس إدارة شركات البورصة لأي مساهم صدرت ضده عقوبة جنائية أو عقوبة جنحة في جريمة ماسة بالشرف أو الأمانة أو إحدى الجرائم المنصوص عليها في القوانين المنظمة للأنشطة المالية غير المصرفية، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره، أو نفذ العقوبة ومضى على تنفيذها ثلاث سنوات، أو ثبت تكرار اتهام أي منهم بارتكاب مخالفات جسيمة لقانون سوق رأس المال خلال آخر 3 سنوات، ما لم يقض ببراءته.
يذكر أنه في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، قررت لجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين منع رجل الأعمال محمد منصور عبد الرحمن أبو عوف، وشقيقه مصطفى، من التصرف في أموالهما وأملاكهما، والتحفظ كذلك على شركتهما "ماي واي إيجيبت لمستحضرات التجميل". وتعد هذه الشركة إحدى أكبر الشركات العاملة في السوق المصرية في هذا المجال، ومن أوائل الشركات التي عملت بنظام التسويق الاجتماعي المباشر، من خلال بيع منتجاتها بواسطة المواطنين المشتركين في برامج عضوية خاصة بالشركة مقابل هامش ربح متغير حسب نجاحهم في تسويق المنتجات، من دون عرضها لدى تجار الجملة والتجزئة. كما كانت من أوائل الشركات التي عملت على تسويق منتجاتها إلكترونياً في مصر، ولم توكل بعد إدارة الشركة لأي من الشركات الحكومية، علماً بامتلاكها ثلاثة مصانع في مصر تنتج مستحضرات التجميل والعناية الشخصية للنساء والرجال والمواد الغذائية والمنظفات ومنتجات الرعاية بالأطفال، ولها فروع أخرى في السعودية والمغرب والأردن. وبحسب موقع الشركة الرسمي، فإن ثلاثة آلاف موظف وموظفة يعملون فيها، ويشترك في برنامجها التسويقي أكثر من 150 ألف عضو.
وسبق للجنة التحفظ أن أصدرت قرارات مشابهة بحق شركات كبرى أخرى، كسلسلة "سعودي" الشهيرة لتجارة التجزئة في القاهرة الكبرى، المملوكة لرجل الأعمال عبد الرحمن سعودي، ومحال تجارة التكنولوجيا الشهيرة "راديو شاك، كمبيوتر شوب، موبايل شوب" المملوكة لشركة واحدة هي "دلتا آر إس" المملوكة لعدد من رجال الأعمال، أبرزهم الخبير الاقتصادي علي فهمي طلبة. كما شملت القرارات المشابهة سلسلة مكتبات "ألف" المملوكة لأسرة الخبير الاقتصادي عمر الشنيطي الذي اعتقل لاحقاً في قضية خلية الأمل، وصحيفتي "البورصة وديلي نيوز" المملوكتين للصحافي الاقتصادي مصطفى صقر المعتقل حالياً بتهمة نشر أخبار كاذبة، فضلاً عن عدد كبير من المستشفيات والمدارس.

المساهمون