التصعيد الروسي في ريف إدلب يهدد اتفاق موسكو

التصعيد الروسي في ريف إدلب يهدد اتفاق موسكو

26 يونيو 2023
مواطنان يتفقدان الدمار في السوق بعد القصف الروسي أمس (عز الدين قاسم/الأناضول)
+ الخط -

انتقل التصعيد الروسي في شمال غرب سورية إلى مستويات أكثر خطورة، مع سقوط قتلى ومصابين من المدنيين الذين يخشون تقدماً جديداً لقوات النظام السوري على الأرض، من شأنه خلط الأوراق في بقعة جغرافية ضيقة تضم آلاف المدنيين، جلّهم نازحون.

وقتل 9 أشخاص وأصيب 30 آخرون، صباح أمس الأحد، بقصف من طائرات روسية استهدف سوقاً شعبياً للخضار على أطراف مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، وفق الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) التابع للمعارضة السورية، والذي أشار إلى أن الحصيلة "أولية"، وأن حالة بعض المصابين "خطرة".

وقال "الدفاع المدني السوري" التابع للمعارضة، في بيان عقب المجزرة، إن "عشرات العوائل سيمر عليها العيد حزيناً وعشرات الأطفال سيفقدون حضن آبائهم وفرحة العيد، بسبب إجرام النظام وروسيا بحق المدنيين". وأوضح عضو الدفاع المدني في إدلب أحمد يازجي، لوكالة فرانس برس، أن "هذا الاستهداف هو استهداف مباشر للسوق الشعبي الذي يعد مصدر دخل أساسياً للمزارعين".

الهجوم الأكثر دموية في 2023

من جهته، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بمقتل ستة مدنيين وثلاثة مقاتلين بالقصف الجوي الروسي على منطقة الجسر، فضلاً عن مقتل 4 أشخاص في غارة أخرى على أطراف مدينة إدلب. وأفاد المرصد بأن هجوم الأحد هو الأكثر دموية هذا العام.

قتلى وجرحى باستهداف روسي سوقاً شعبياً في جسر الشغور

وفي السياق، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ الهجمات الجوية التي استهدفت مناطق مدنية بريف إدلب صباح أمس الأحد، وراح ضحيتها عدد كبير من المدنيين يمكن أن ترقى إلى جريمة حرب. وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى أنّ هجمات أمس تأتي ضمن تصعيد عسكري كبير تشهده المنطقة منذ نحو أسبوع، إذ وثّق منذ 18 يونيو، أكثر من 12 هجوماً جوياً ومدفعياً على مناطق بإدلب وأريافها، إلى جانب ريف حلب الغربي، ما أسفر عن مقتل 6 مدنيين على الأقل، بينهم نساء وأطفال، وإصابة العشرات، من دون احتساب ضحايا هجمات أمس.

ووسع الجانب الروسي نطاق قصفه الجوي خلال الأيام الماضية، وقصف السبت بصواريخ شديدة الانفجار أبنية سكنية في المزارع المحيطة بمدينة إدلب، ما أسفر عن مقتل مدنيين اثنين في حصيلة أولية، وإصابة آخرين بجروح، وفق مصادر محلية. وشنّ الطيران الحربي الروسي، أمس، غارة جوية استهدفت أطراف قرية بينين، بمنطقة جبل الزاوية، في ريف إدلب الجنوبي، كما نفّذ غارتين جويتين على منطقة جبل الأربعين، ما خلّف أضراراً في الممتلكات.

ولم يتوقف التصعيد الروسي ضد الشمال الغربي من سورية طيلة نحو أسبوع، وأدى إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين. ويتزامن هذا التصعيد مع تحشيد لقوات النظام على جبهات القتال ونقاط التماس مع فصائل المعارضة السورية، ما يشير إلى أن الشمال السوري مقبل على تصعيد ربما لن يتوقف عند القصف الجوي.

تصعيد بعد جولة أستانة

وجاء التصعيد الروسي بعد انتهاء الجولة العشرين من مسار أستانة، التي عقدت في 20 و21 من شهر يونيو/ حزيران الحالي، ما يؤكد أن هذه الجولة شابها الكثير من الخلافات بين الجانبين الروسي والتركي حول مجمل الأوضاع في سورية. ورغم أن الثلاثي الضامن لتفاهمات هذا المسار (تركيا، روسيا، إيران) أعلن بعد انتهاء الجولة الماضية تثبيت التهدئة في شمال غربي سورية، فإن القصف الروسي المتلاحق يؤكد أن هذه التهدئة مهددة بالانهيار، ما يفتح الباب أمام تصعيد برّي من قبل قوات النظام التي لا تتحرك إلا تحت غطاء ناري روسي.

وأكدت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن هناك قلقاً يسود بين ملايين السوريين القاطنين في شمال غربي سورية من تصعيد يفضي إلى تحرك لقوات النظام للسيطرة على أماكن جديدة في ريف إدلب، ما يعني خلق موجات نزوح.

وكانت مصادر إعلامية تابعة للنظام أكدت خلال الأيام القليلة الماضية أن النظام بدأ بحشد قوات له في الشمال السوري، بعد هدوء نسبي على جبهات القتال منذ مارس/آذار 2020 بعد توقيع اتفاق موسكو بين الروس والأتراك، والذي لا يزال يحكم الأوضاع العسكرية والميدانية في شمال غربي سورية.

لكن النقيب مصطفى ناجي، وهو المتحدث باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" والتي تضم فصائل المعارضة في إدلب، أكد لـ"العربي الجديد"، أن الجبهة لم تلمس حشوداً لقوات النظام على الجبهات في ريف إدلب. ولم يحدث أي تقدم برّي في المنطقة من أطراف الصراع منذ عام 2020 الذي شهد ربعه الأول تصعيداً كبيراً سيطرت خلاله قوات النظام على ريف حلب الجنوبي، وريف حماة الشمالي، وجانب كبير من ريفي إدلب الشرقي والجنوبي ما أدى إلى نزوح أكثر من مليون مدني إلى ريف إدلب الشمالي وإلى ريف حلب الشمالي.

هشام جوناي: التصعيد الروسي رسالة للمجتمع الدولي

وخسرت فصائل المعارضة أواخر عام 2019 وأوائل عام 2020 أبرز معاقلها في أرياف حلب وحماة وإدلب، وأبرزها مدن خان شيخون وسراقب ومعرة النعمان. كما شهد الربع الأول من عام 2020، مواجهة بين قوات النظام والجيش التركي، بعد مقتل العشرات من الجنود الأتراك، وهو ما استدعى تدخلاً روسياً تُوّج بتوقيع اتفاق موسكو الذي لم يتعرض لتهديد جدي على مدى أكثر من ثلاث سنوات.

وفي السياق، أعرب النقيب المنشق عن قوات النظام والباحث في مركز "جسور" للدراسات، رشيد حوراني، في حديث مع "العربي الجديد"، عن اعتقاده بأن التصعيد الروسي في شمال غربي سورية "رسالة روسية للجانب التركي مفادها بأن موسكو غير مستعدة للتنازل لها في سورية". وتابع: "وفق صحيفة يني شفق التركية، وضعت تركيا أربعة شروط خلال مباحثات أستانة الأخيرة للتطبيع مع النظام السوري، وهي: إجراء تعديل دستوري، إجراء انتخابات نزيهة بالبلاد تنتج عنها حكومة شرعية، تأمين العودة الآمنة للاجئين، التعاون في مكافحة إرهاب مليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) وبي كي كي (حزب العمال الكردستاني)، وهي شروط تراها روسية تعجيزية".

غير أن حوراني استبعد قيام قوات النظام بعملية برّية في شمال أو شمال غربي سورية، مضيفاً أن "تدني الجاهزية القتالية لهذه القوات، وميل ميزان القوى لصالح فصائل المعارضة السورية، واستعداد تركيا لدعم هذه الفصائل بالمسّيرات والمدفعية، كلّها أمور تحول دون أي عمل بري من قبل النظام".

إلى ذلك، رأى المحلل السياسي التركي هشام جوناي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن التصعيد الروسي في إدلب أمس الأحد، لا يتضمن أي رسائل للجانب التركي، معرباً عن اعتقاده بأنه "رسالة للمجتمع الدولي مفادها بأن الجيش الروسي لم يتأثر بمحاولة تمرد مجموعة مرتزقة فاغنر".

ويضع النظام السوري على رأس أولوياته استعادة السيطرة على الطريق الدولي "أم 4" الذي يربط الساحل السوري غربي البلاد مع مدينة حلب، كبرى مدن الشمال السوري. ولكن هذه الاستعادة تعني القيام بعملية عسكرية واسعة النطاق ضد فصائل المعارضة السورية التي لا تزال تحتفظ بمدن وبلدات عدة جنوب الطريق، لعل أبرزها مدينة أريحا المكتظة بالسكان.

ويبدو أن الجانبين التركي والروسي يحاولان حتى اللحظة تجنّب مواجهة بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية للسيطرة على الطريق المذكور والذي يبدأ من مدينة اللاذقية، كبرى مدن الساحل السوري، ثم يخترق ريف اللاذقية الشمالي الشرقي وصولاً إلى مدينة جسر الشغور في ريف إدلب الغربي، ثم يمر بقرية فريكة قاطعاً ريف إدلب الجنوبي، حيث يمر عبر مدينة أريحا.

وتسيطر فصائل المعارضة السورية على القطاع الأكبر من هذا الطريق الحيوي. وحاولت موسكو وأنقرة استعادة الحركة على الطريق في عام 2020 وسيّرتا دوريات مشتركة، إلا أن الرفض الشعبي لأي وجود روسي في مناطق سيطرة المعارضة السورية حال دون إتمام المحاولات الروسية والتركية. وتحتفظ تركيا بوجود عسكري كبير في ريف إدلب، حيث ينتشر آلاف الجنود في قواعد ونقاط ارتكاز ومراقبة.