تبدأ أطراف التسوية السياسية في السودان، اليوم الثلاثاء، خطوة جديدة لحل الخلافات، عبر عقد ورشة خاصة باتفاق السلام، وسط مقاطعة من حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، قد تكون الأكثر تأثيراً على التسوية ككل.
وكان برز أول من أمس الأحد إعلان القيادي في "الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية" سليمان صندل، بعد اجتماع بين التحالف ونائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، اقتراب "الكتلة الديمقراطية" من التوقيع على الاتفاق الإطاري، بعد رفضه طوال الأسابيع الماضية، لكن ذلك لم ينعكس إعلاناً عن نيتها حضور ورشة اليوم في ظل بروز بوادر خلافات داخلها.
تأمل الأطراف إدراج توصيات الورش والمؤتمرات ضمن اتفاق نهائي للأزمة السياسية في السودان
وقبل ساعات من انطلاق ورشة السلام، قال المتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر يوسف، لـ"العربي الجديد"، إن الآلية الثلاثية (الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد") أبلغتهم باعتذار حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان، المنضويتين في "الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية"، عن المشاركة في الورشة، التي ستشارك فيها بقية الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام. لكنه أشار، في المقابل، إلى أن مقاطعة الحركتين لن توقف ورش العمل، لكن المناقشات والتواصل سيستمر مع الحركتين.
5 ورش لمواضيع لم يحسمها الاتفاق الإطاري
وتنظم ورشة اتفاق السلام، ضمن 5 ورش ومؤتمرات خاصة في مواضيع لم تُحسم تفاصيلها ضمن الاتفاق الإطاري، وهي السلام، والإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة والعدالة الانتقالية، وملف شرق السودان، وقضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو (نظام الرئيس المخلوع عمر البشير)، والتي اختتمت ورشتها قبل أسبوعين، وأصدرت توصياتها الختامية.
وكانت العملية السياسية لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد قد دٌشنت في يوليو/تموز الماضي، بمفاوضات مباشرة، وغير مباشرة، بين المكون العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، تحت رعاية 4 دول، هي أميركا وبريطانيا والسعودية والإمارات، وبتسهيل من الآلية الثلاثية، المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية "إيغاد".
تُوجت الجهود، في 5 ديسمبر/كانون الأول الماضي، بتوقيع أكثر من 40 حزباً وحركة مسلحة ونقابة، وأجسام مهنية والجيش وقوات الدعم السريع، على اتفاق إطاري "مبدئي"، ينص على المدنية الكاملة لمؤسسات الحكم وإعادة العسكر لثكناتهم، مع احتفاظهم بحق المشاركة في القرار بمجلس الأمن والدفاع، المقترح برئاسة رئيس الوزراء المدني، والاحتفاظ كذلك باستقلالية القرار الفني داخل المؤسسة العسكرية.
كما يضع الاتفاق مبادئ عامة حول العدالة والعدالة الانتقالية وملف شرق السودان وتقويم عملية السلام، وتفكيك نظام الثلاثين من يونيو، والإصلاح الأمني والعسكري المفضي لجيش وطني موحد. وتأمل الأطراف أن تُدرج توصيات الورش والمؤتمرات ضمن اتفاق نهائي للأزمة السياسية في السودان، والتي تفاقمت أكثر عقب انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
مناقشة مسار اتفاق جوبا للسلام
وتناقش ورشة السلام اليوم، مسار اتفاق جوبا للسلام بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة، الموقع في العام 2020، ومدى جوانب القصور فيه، والبنود التي لم تُنفذ فيه، وإمكانية إلغاء بعض بنوده، لاسيما تلك المرتبطة بشرق السودان، والتي أدخلت تعقيدات كبيرة على المشهد في الإقليم، الذي تتسابق عدة دول للهيمنة عليه لموقعه الاستراتيجي بسواحل البحر الأحمر.
كما تسعى الورشة إلى وضع خطة لاستكمال السلام مع بقية الحركات المسلحة غير الموقعة على الاتفاق الإطار، وأبرزها الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد النور. ولكلتا الحركتين تحفظات كبيرة على خطوات الانتقال الديمقراطي، التي بدأت مباشرة بعد سقوط نظام البشير في 11 إبريل/نيسان 2019.
ويشارك في ورشة السلام، التي كلفت الآلية الثلاثية بتقديم الدعوات لها، كل القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري والقوى الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، والنازحون واللاجئون، وتنظيمات النساء والشباب، ولجان المقاومة والرعاة والرحل والمزارعون والإدارات الأهلية، وذلك وفق تمثيل يضمن مشاركة ما لا يقل عن 40 في المائة من النساء، وتمثيل كافة ولايات السودان بالتركيز على المناطق المتأثرة بالحروب.
لكن اثنتين من الحركات المسلحة، وهما العدل والمساواة، وتحرير السودان فصيل ميني أركو ميناوي قررتا، من خلال تحالفهما الأوسع المعروف بـ"الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية"، وهو تحالف يضم مجموعات منشقة عن "الحرية والتغيير" ومعها أحزاب مدنية، وأخيراً انضم إليه الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل فصيل جعفر الميرغني، عدم المشاركة في الورشة، لرفضها المبدئي لجملة عملية التسوية السياسية التي تصفها بالإقصائية، وهددت بإسقاطها في أي لحظة.
هدف الورشة تقويم اتفاق سلام جوبا
وأكد محمد عبد الحكم، رئيس اللجنة الإعلامية بالتجمع الاتحادي، أحد مكونات تحالف الحرية والتغيير، أن هدف الورشة الأساسي هو مراجعة وتقويم اتفاق سلام جوبا في العام 2020، وليس تقويض الاتفاق كما يتصور البعض.
محمد عبد الحكم: هدف الورشة الأساسي مراجعة وتقويم اتفاق سلام جوبا وليس تقويضه
وأشار إلى أن العدد الأعظم من المشاركين في الورشة من أصحاب المصلحة الحقيقية في عملية السلام، من النازحين واللاجئين والمهجرين قسرياً، ومعهم خبراء وأكاديميون لديهم رؤية متعلقة بتطوير الاتفاق، بينما تشارك أيضاً معظم الحركات المسلحة، الموقعة على اتفاق السلام، التي لديها أيضاً رؤية وتصورات حول فرص تطويره ومعالجة اختلالاته، في حين تشارك الأطراف الموقعة على الاتفاق الإطاري بنسبة أقل.
وحول مقاطعة بعض الحركات المسلحة للورشة، أوضح عبد الحكم، لـ"العربي الجديد"، أن مشاركة أي من الحركات تمثل إضافة حقيقية، لكن بالمقابل فإن غيابها لا يعني إلغاء الفكرة نهائياً ولا يوقفها، وستمضي الورشة كما هو مخطط لها، ومعها كل العملية السياسية إلى نهاياتها، لأن هناك مشكلات اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية لا تحتمل الانتظار، والكل توّاق لإنهاء الانقلاب وتسلم الحكومة المدنية لمقاليد السلطة لتبدأ في معالجة تلك الإشكاليات والذهاب بعيداً بالتحول المدني الديمقراطي.
لكن محيي الدين جمعة، الناطق الرسمي باسم "الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية"، جدد، في حديث مع "العربي الجديد"، موقفهم الرافض للاتفاق الإطاري ومخرجات ورشه السابقة واللاحقة، لأن الأزمة السياسية السودانية بحاجة، حسب تقديره، لحوار سياسي سوداني سوداني لا يعزل أحداً.
ونبه إلى أن العملية السياسية المطروحة الآن لن تفعل شيئاً سوى تعقيد الأزمة، لأنها لا تمثل الشعب السوداني، بل المشاركين فيها فقط، وهم مجموعات قليلة، ليس في استطاعتها النظر في قضايا كبيرة تهم كل السودانيين، مثل السلام والإصلاح العسكري والأمني والعدالة الانتقالية، وتحول ديمقراطي يقود لانتخابات حرة ونزيهة.
واستنكر جمعة مناقشة ورشة اليوم الثلاثاء لتجربة اتفاق جوبا للسلام ومراجعتها، لأن الاتفاق لم يصل بعد لمرحلة المراجعة والتقويم، ولم تُنفذ غالبية بنوده، لاسيما تلك المرتبطة بتشكيل آليات التنفيذ والترتيبات الأمنية، نتيجة مجموعة أسباب، منها نقص التمويل.
إعادة تجربة الفشل والانفراد بالسلطة
وأكد جمعة أن غياب أطراف رئيسية في عملية السلام يُعد أول مؤشر على فشل الورشة، مؤكداً أن توصياتها وأي ورش أخرى تُضمن في اتفاق نهائي بتلك الصورة الانفرادية ستعيد البلاد لما قبل تاريخ 25 أكتوبر 2021، حيث الفشل الكامل لذات المجموعة السياسية التي تريد إعادة تجربة الفشل والانفراد بالسلطة، وهذا ما يؤدي إلى عدم استقرار جديد، وربما انهيار كامل للدولة.
وذكر جمعة أن كتلته "الديمقراطية" لديها تصور متكامل لحلول متوافق عليها، ومشروع إعلان سياسي بديل وكذلك مشروع دستور انتقالي. واعتبر أن المخرج الأوحد، هو جلوس كل الأطراف للحوار على طاولة واحدة لدمج جميع الرؤى في رؤية واحدة.
وبين أنه في حال إصرار تحالف قوى "إعلان الحرية والتغيير" على مواقفه فإن الكتلة "الديمقراطية" سوف تواصل دعوتها للتوافق الوطني مهما طال الزمن، مشيراً إلى أن التواصل مع "الحرية والتغيير" لم ينقطع، وشكلت لجنة مشتركة، وتوصلت إلى 90 في المائة من النقاط المشتركة حتى نكص تحالف "الحرية التغيير" بهذا الأمر. وأعرب عن أمله في أن تُحدث المبادرة المصرية المعلنة من جانب القاهرة لاستضافة كل الأطراف، اختراقاً جديداً في المشهد السياسي المعقد.
وساطة "ناجحة" لحميدتي
وكانت قوى "الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية" أعلنت، أول من أمس، أن وساطة يقودها حميدتي، بينها وبين الموقعين على الاتفاق الإطاري، تمكنت من تجاوز 90 في المائة من الخلافات، ولم يتبق سوى تفاصيل خاصة بطريقة اختيار رئيس القضاء وتكوين جهاز أمن داخلي وشرطة خاصة بإزالة التمكين.
ومن اللافت أن حميدتي نجح في ما فشل فيه رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، قبل أيام، الذي أعلن عن انسحابه من وساطة يقودها بين الموقعين على الاتفاق الإطاري و"الكتلة الديمقراطية". ويفسر البعض نجاح حميدتي في إطار الخلاف المكتوم مع البرهان، وتنافسهما المستمر في عدد من الملفات.
من المؤمل أن تثمر ورشة الإصلاح الأمني والعسكري عن جدول زمني لدمج كل القوات في الجيش السوداني
وفيما أكد القيادي في "الحرية والتغيير ــ الكتلة الديمقراطية" سليمان صندل، في تصريحات عقب اجتماع مع حميدتي الأحد الماضي، حرصهم على الوصول مع كل الأطراف السودانية إلى حل سوداني سوداني شامل، يجنب البلاد الدخول في معترك الفوضى والاحتراب والتشظي والتدخلات الخارجية، والمهددات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، بين أن ذلك دفعهم للمضي قدماً من أجل التوصل إلى اتفاق يفضي إلى التوقيع على الاتفاق الإطاري.
لكن سرعان ما خرجت إلى العلن التباينات داخل "الكتلة الديمقراطية"، مع صدور بيان باسمها نشره القيادي فيها مبارك أردول قالت فيه إن "التصريحات التي أعقبت لقاء بعض القيادات بنائب رئيس مجلس السيادة صدرت دون رجوع الأطراف، التي حضرت اللقاء، إلى الكتلة، وعدت خطأ إجرائياً يجب تجنبه.
وأشارت إلى أن "المحادثات غير الرسمية التي جرت قبل أسابيع بين أفراد من الكتلة ومن جماعة الحرية والتغيير لم يعتمدها أي من الطرفين رسمياً، و"بالتالي الحديث عن نسب لاتفاق في قضايا لا يعني الكثير، وقد يربك القارئ، من غير حقيقة أو ضرورة".
وأضاف البيان، أن "الكتلة ماضية في استجابتها لدعوة مصر لتسهيل حوار سوداني ــ سوداني خالص، وتتطلع إلى أن يساعد لقاء القاهرة على تقريب وجهات النظر بين كافة الأطراف السودانية التي قبلت الدعوة".
من جهته، رسم الصحافي النذير إبراهيم صورة سوداء لما وصلت إليه الأوضاع في مناطق الحرب بالسودان، رغم مرور أكثر من عامين على التوقيع على اتفاق السلام، مستدلاً بمنطقة النيل الأزرق، جنوب شرق السودان، وهي واحدة من المناطق التي عناها الاتفاق وخصص لها مساراً مع جنوب كردفان.
وبيّن إبراهيم أن المنطقة شهدت بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري أسوأ المجازر القبلية التي راح ضحيتها مئات الأشخاص، وانعدم الأمن في 3 مناطق، ولم تنفذ البنود الخاصة بالحكم الذاتي، واستأثرت "الحركة الشعبية" بنحو 90 في المائة من المناصب، رغم أن الاتفاق يعطيها فقط 30 بالمائة، بالإضافة إلى غياب التنمية والاستقرار، مصحوباً بعدم تفاعل القيادات المركزية والمحلية مع ذلك القصور الكبير.
وأضاف إبراهيم، لـ"العربي الجديد"، أن الوضع في دارفور، غرب السودان، لا يقل خطورة عن الوضع في إقليم النيل الأزرق، فلم تظهر أي نتائج على الأرض لاتفاق السلام، فيما تتفجر أحداث دموية بصورة شبه يومية، وحتى تدخلات دقلو لم تثمر، مع استمرار العنف في الإقليم، مبيناً أن كل ذلك يُلزم ورشة السلام بالخروج بتوصيات تصلح كل الاعوجاج في اتفاق 2020 وتنفيذه بالكامل.
ورشة مغلقة للإصلاح الأمني والعسكري
وستعقد بعد ورشة السلام، ورشة أخرى خاصة بالإصلاح الأمني والعسكري، والتي ستكون مغلقة أمام وسائل الإعلام، والتي يؤمل أن تثمر عن جدول زمني لدمج كل القوات، بما فيها الدعم السريع، في الجيش السوداني طبقاً لخطة إصلاح شاملة تقود لجيش وطني واحد كما جاء في الاتفاق الإطاري.
وهناك ورشة أخرى خاصة بملف شرق السودان، حيث تشير الكثير من الدلائل إلى وجود رغبة عامة لدى الموقعين عليه، بالإضافة إلى أطراف أخرى، لإلغاء مسار شرق السودان، والبحث عن اتفاق جديد خاص بالإقليم.
وتتعلق المرحلة الأخيرة بعقد مؤتمر للعدالة والعدالة الانتقالية، وهي الأصعب بكل المقاييس لارتباطها بقضايا ذات حساسية عالية، مثل جريمة فض اعتصام محيط القيادة العامة للجيش السوداني في 2019، وضحايا ما بعد انقلاب 25 أكتوبر، وغيرها من مجازر حديثة وقديمة في عدد من المناطق السودانية.