تأخذ دعوة المغرب لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لزيارة المملكة طابعاً مستفزاً بالنسبة للجزائر التي تنظر بعين الريبة إلى توالي زيارات المسؤولين الإسرائيليين إلى الرباط، بغض النظر عن كونها دعوة مستفزة للمجتمع الفلسطيني الذي يعيش حالة مقاومة متجددة، وللشعب المغربي نفسه، وللمجتمعات العربية والإسلامية التي تشهد ذروة الرفض للطغيان الصهيوني على الشعب والحق الفلسطيني، وفي ظرف يشهد فيه مشروع التطبيع تعثرات سياسية على أكثر من مستوى.
صحيح أن تطبيع الرباط مع الكيان الصهيوني لم يكن السبب المباشر في قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط، لأنه في الحقيقة لم تكن العلاقات الجزائرية المغربية جيدة مطلقاً قبل التطبيع. لكن التطبيع كان أبرز الأسباب التي دفعت الجزائر إلى تعزيز القطيعة مع المغرب، خصوصاً بعد السماح لوزير إسرائيلي بالتهجم على الجزائر من الرباط. وستضيف الاتفاقات الأمنية بين المملكة وتل أبيب أسباباً أخرى لاحقة في السياق نفسه.
في أزمة العلاقات الجزائرية المغربية، دائماً ما كانت تبقى نافذة ممكنة للتواصل بالحد الأدنى، عندما كانت المسألة الخلافية على عمقها السياسي، محصورة بين البلدين في أسبابها ومظاهرها. لكن مع دخول الكيان الصهيوني كطرف ثالث بصيغة الاستقواء، ستجد الجزائر نفسها في مقابل تحالف غير طبيعي ودخيل على المنطقة، لن يسهم أبداً لا في حل مشكلة الصحراء ولا في تسوية للعلاقات الجزائرية المغربية.
يقدّم المغرب ما يعتبره قضيته الوطنية (الصحراء) على القضية المركزية للأمة، عندما يضع اعتراف تل أبيب بسيادته على منطقة الصحراء المتنازع عليها، في مقابل تنازلات تتيح للجانب الإسرائيلي التمركز في المنطقة. وهذا التمركز يمثل الطابع السياسي والأمني له مجرد واجهة، لأن أخطر ما في التطبيع القائم في الحالة المغربية، هو تسلل إسرائيل إلى بنية المنظومة البيئية والزراعية وسلاسل الغذاء وسرقة سلة البذور الأصلية، وقد حذّر خبراء مغاربة من ذلك بشدة. كما تتسلل إسرائيل إلى مجالات التنقيب عن المياه والمعادن والهندسة، وإلى نظام البيانات الشخصية والمعطيات الأمنية، وداخل الأسرة الجامعية والنخب التي ستبرر كل ذلك، وهو ما لم يحدث في نماذج التطبيع السابقة.
إن حدثت أو لم تحدث، مجرد دعوة نتنياهو، صاحب الحذاء الدامي، لزيارة المغرب هي زيادة لمسافة القطيعة بالأساس بين الجزائر والرباط، وتأكيد أن هذه الأخيرة ذهبت بعيداً في خياراتها، دون خط رجعة إلى استحقاقات الإقليم، وهي خيارات ستضيف مزيداً من التوتر إلى الإقليم، وترفع من حالة الشدّ السياسي، وبشكل خاص ستُعَدد أطرافه.
عندما زار ملك الأردن عبد الله الثاني الجزائر في ديسمبر/ كانون الأول 2022، لم يطرح مشروع وساطة بعينها، لكنه أبلغ الرئيس عبد المجيد تبون أنه مستعد للقيام بأي جهد لتقريب وجهات النظر بين الجزائر والمغرب. لكن تبون ردّ بأن الجانب الجزائري محدد كطرف، لكنه غير واضح من يوجد في الجهة المقابلة.