لا تزال حالة التوتر تخيم على منطقة باب المندب والبحر الأحمر، في ظل استمرار استهداف جماعة الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو تلك المتوجهة إلى إسرائيل، فيما أعلنت الولايات المتحدة أول من أمس الإثنين، عن تشكيل تحالف بحري مؤلف من 10 دول لحماية الملاحة البحرية في هذه المنطقة.
العديد من الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة نفذتها القوات التابعة للحوثيين لاستهداف المصالح الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفي البحر الأحمر ومضيق باب المندب، منها ما أعلنت عنه القيادة المركزية الأميركية يوم السبت الماضي، من أن المدمرة "يو أس أس كارني" العاملة في البحر الأحمر، أسقطت 14 طائرة مسيّرة هجومية أطلقت من مناطق سيطرة الحوثيين، من دون أي أضرار أو إصابات.
كما أعلنت جماعة الحوثيين أول من أمس الاثنين، عن تنفيذها "عملية عسكرية نوعية ضد سفينتين لهما ارتباط بالكيان الصهيوني"، الأولى هي سفينة "سوان أتلانتيك" محملة بالنفط والأخرى سفينة "إن إس سي كلارا" تحمل حاويات، وقد "تمّ استهدافهما بطائرتين بحريتين"، بحسب المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع.
وتحدثت شركة "أمبري" البريطانية للأمن البحري، أمس الثلاثاء، عن هجوم "لم ينجح" في إطار "محاولة محتملة للصعود على متن سفينة على بعد 17 ميلاً إلى الغرب من مدينة عدن الساحلية في اليمن".
حدّدت جماعة الحوثيين الكثير من الرسائل أبرزها فكّ الحصار عن غزة ومنع أي سفن من الوصول إلى إسرائيل
وتقول جماعة الحوثيين إن حكومة صنعاء لم تستخدم موقع باب المندب وموقعها البحري في أثناء العدوان عليها بشكل كبير، لكنها أمام القضية الفلسطينية استخدمت هذه الورقة، وحدّدت الكثير من الرسائل، التي كان أبرزها فكّ الحصار عن غزة ومنع أي سفن من الوصول إلى إسرائيل.
في المقابل، لم توقف الولايات المتحدة إطلاق رسائل تحذير للحوثيين، وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، يوم الجمعة الماضي، من تل أبيب، إن الحوثيين يشكلون "تهديداً ملموساً لحرية الملاحة"، لافتاً إلى أن "واشنطن تعمل مع المجتمع الدولي ومع شركاء من المنطقة، ومن جميع أنحاء العالم للتعامل مع هذا التهديد"، مضيفاً أن "الحوثيين يضغطون على الزناد، لكن إيران تسلمهم السلاح".
القوة البحرية للحوثيين
هذه التطورات المتسارعة تقود إلى التساؤل عن حجم القوة البحرية التي تملكها جماعة الحوثيين، مع الإشارة إلى أن حكومة صنعاء تمتلك قوة بحرية علنية، وأخرى خفية لم يُكشَف إلا عن جزء منها حتى الآن، وتحتفظ الجماعة بكمٍّ كبير من هذه القوة غير المعلنة، بحسب ما تحدثت به بعض قيادات الجماعة لـ"العربي الجديد".
مصدر مسؤول في مكتب المتحدث باسم القوات المسلحة اليمنية التابعة لجماعة الحوثيين، العميد يحيى سريع، قال لـ"العربي الجديد"، إنه في العقود الأخيرة من حكم اليمن، منعت القوى الإقليمية والدولية أي بناء للقوات البحرية اليمنية، مكتفين بخفر سواحل محدود ليس له أي موقع متقدم، على الرغم من أهمية اليمن البحرية الاستراتيجية. وأضاف: "لأن جماعة أنصار الله (الاسم الرسمي لجماعة الحوثيين) تدرك جيداً مدى أهمية الموقع البحري لليمن، فقد سعت لتشكيل قوة بحرية ضاربة وقوية تطورت في أثناء العدوان على اليمن بشكل لافت".
وبحسب المصدر، فإنه "لا يمكن التوقع بحجم القوة البحرية لليمن اليوم، ولكن البارز أن البحرية اليمنية أصبحت تمتلك أسلحة كبيرة استخدمت بعضها خلال معركة طوفان الأقصى، وبقي الكثير من الأسرار التي لا ترغب القوات البحرية في أن تكشفها إلا في الزمان والمكان المناسبين".
وأكد المصدر أن البحرية اليمنية التابعة لصنعاء كشفت عن 11 لغماً بحرياً عُرفت بـ"كرّار1، كرّار2، كرّار3، عاصف2، عاصف3، عاصف4، شواظ، ثاقب، أويس، مجاهد، والنازعات".
وفي ما يتعلق بالصواريخ البحرية، أشار المصدر إلى أن القوات المسلحة اليمنية (التابعة للحوثيين) كشفت عن صاروخ "البحر الأحمر"، وهو صاروخ أرض ـ بحر مطور من صاروخ "سعير" يعمل بنظامين، حراري وراداري، ويمتاز بسرعته العالية، فضلاً عن صاروخي "محيط" و"عاصف"، وهما صاروخان بحريان يعملان بالوقود الصلب والسائل.
وأشار المصدر إلى أن البحرية اليمنية التابعة لصنعاء كشفت الستار عن صاروخي مندب1 ومندب2، وهما صاروخان بحريان من طراز كروز، يتميزان بالإصابات الدقيقة، وكشفت عن صاروخي روبيج بـ21 وروبيج بـ22، وهما صاروخان روسيان طورهما الجيش اليمني وأعادهما إلى الخدمة، ويصل مداهما إلى أكثر من 300 كيلومتر.
صناعات عسكرية محلية
وأكد المصدر أنه بالنسبة إلى الصناعات المحلية، فقد كشفت البحرية عن صاروخ فالق1، وهو صاروخ بالستي بحري يبلغ طوله 6 أمتار يعمل بالوقود الصلب، ويصل مداه إلى أكثر من 200 كيلومتر، وهو قادر على التقاط الأهداف بصرياً وحرارياً، كذلك فإنه صناعة يمنية 100 في المائة "وهذا يدل على الأهمية الاستراتيجية للبحرية بالنسبة إلى صنعاء" وفق المصدر.
مصدر حوثي: لا يمكن التوقع بحجم القوة البحرية لليمن اليوم
ولفت المصدر إلى أن اليمن لم يكتفِ بالصواريخ البحرية والألغام فحسب، بل أنتج زوارق هجومية وقتالية، ومنها طوفان1، طوفان2، وطوفان3، بالإضافة إلى زورق ملاح وعاصف1، وعاصف2، وعاصف3، وهي تصيب الأهداف البحرية المتحركة، وتحدث أضراراً بالغة بأي قطع أو سفن بحرية.
وكانت قوات صنعاء قد نظمت في سبتمبر/أيلول الماضي عرضاً عسكرياً كبيراً في ميدان السبعين، أحد أكبر ميادين العاصمة، بمناسبة العيد الثامن لما تسميه "ثورة 21 أيلول"، إذ كشفت القوات المسلحة اليمنية التابعة للحوثيين عن نماذج مختلفة من ترسانتها العسكرية للقوات البرية والبحرية والجوية.
وفي العرض العسكري، كُشف عن آخر إنتاجات الصناعة العسكرية اليمنية، خصوصاً في مجال الصواريخ البالستية والمجنّحة والبحرية، ومنظومات الدفاع الجوي والطائرات المُسيّرة، واستعرضت نماذج مختلفة من الزوارق والصواريخ والألغام.
واستُعرضت نماذج مختلفة من زوارق "عاصف" بأجياله الثلاثة، و"ملاح"، و"طوفان"، وصواريخ بحرية من طرازات مختلفة، مثل "روبيج" و"فالق" و"مندب" و"صياد"، وألغام بحرية من أنواع "ثاقب" و"كرّار" و"مجاهد" و"أويس" و"مسجور".
حكومة صنعاء تمتلك قوة بحرية علنية، وأخرى خفية لم يتم الكشف إلا عن جزء منها حتى الآن
وخلال العرض أيضاً، كُشف عن صاروخ "سجّيل" البحري، وهو صاروخ مجنّح يصل مداه إلى 180 كيلومتراً، ويتميّز بدقة الإصابة برأس حربي يزن 100 كيلوغرام، كذلك كُشف عن زورق "نذير"، وهو زورق قتالي ذو مهام قتالية متعددة، منها اعتراض الأهداف البحرية المتحركة، واقتحام السفن والإغارة على الجُزر.
في المقابل، فإن الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، دائماً ما تتهم إيران بدعم الحوثيين بالسلاح والخبرات العسكرية أيضاً، وبإشراف خبراء إيرانيين وآخرين من أعضاء "حزب الله" اللبناني الموالي لإيران، غير أن الحوثيين يقولون إن أغلب هذه الأسلحة صناعة يمنية تقوم بها دائرة التصنيع العسكري في الجيش.
وقال الخبير والمحلل العسكري العقيد عبد العليم أبو طالب، لـ"العربي الجديد"، إن الحوثيين يتلقون دعماً عسكرياً واستخبارياً من إيران، ساعدهم على امتلاك ترسانة عسكرية ضخمة، بالإضافة إلى الأسلحة الضخمة التي تعود للجيش والتي سيطر عليها الحوثيون عقب انقلابهم على الدولة وسيطرتهم على المعسكرات. وأشار إلى أن الخبرات الايرانية ظلّت تشرف مباشرةً على تسليح الحوثيين، حيث تُهرَّب الأسلحة إليهم من إيران عبر عدة منافذ، أبرزها خط التهريب الذي يمر عبر سلطنة عمان، فضلاً عن ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون ويعتبر من أهم منافذ إمدادهم بالسلاح.
ولفت أبو طالب إلى أن الحوثيين نفذوا هجمات عدة لاستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وكذلك استهداف المصالح الإسرائيلية جنوبيّ الأراضي الفلسطينية المحتلة باستخدام الصواريخ والطائرات المسيّرة بإشراف ودعم استخباراتي إيراني، إذ تُطلَق هذه الصواريخ من محافظات حجة وصنعاء وذمار، وكذا من منطقة الحوبان شماليّ مدينة تعز.