التجنيد في سورية... استقطاب العنصر البشري لتغذية الحرب

22 سبتمبر 2024
تدريبات الفصائل المعارضة في منبج، 16 يناير 2024 (رامي السيد/Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **التجنيد في سوريا**: الحرب السورية المستمرة لأكثر من 13 عاماً أدت إلى تجنيد إجباري وتطوعي، حيث لجأ النظام السوري إلى تجنيد الشبان في الجهات الأمنية والعسكرية والمليشيات المدعومة من إيران وروسيا، مما أدى إلى عسكرة المجتمع واستقطاب أصحاب السوابق الجنائية.

- **التجنيد في شمال شرقي سوريا**: "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) تعتمد على التطوع الإرادي، تجنيد القصّر، والتجنيد الإلزامي، مما ساهم في بناء قوة عسكرية منظمة رغم التحديات المعيشية.

- **التجنيد في مناطق المعارضة**: تركيا شكلت "الجيش الوطني" برواتب تتراوح بين 800 و1500 ليرة تركية، بينما تستقطب "هيئة تحرير الشام" المتطوعين برواتب تصل إلى 100 دولار، مع افتتاح كليات عسكرية لتخريج الضباط.

أفرزت الحرب السورية، المستمرة بعد 13 عاماً من الثورة ولو بأشكال مختلفة، واقعاً عسكرياً جديداً، عنوانه التجنيد في سورية إثر زج النظام الجيش في أرجاء البلاد لوأد الثورة. وشكّل الكثير من المنتفضين والمنشقين عن الجيش من ضباط وأفراد فصائل ومجموعات لحماية المتظاهرين والمدن والبلدات من هجمات قوات النظام عليها، كما تنامت في شمال شرقي البلاد المجموعات الكردية للأهداف ذاتها تقريباً. ومع طول أمد الثورة وعدم قدرة المجتمع الدولي على فرض الحل في سورية، نظمت تلك المجموعات نفسها وباتت أشبه بالجيوش وإن كانت الفصائلية سمة واضحة فيها، حتى أن جيش النظام، المترهل والمتآكل بسبب طول أمد الحرب، بات أشبه بالمليشيات المأمورة من جهات مختلفة، وذلك بحسب ولاء الوحدة وقائدها لجهة معينة. وأجج التجنيد في سورية واقع استمرار الحرب الذي فرض على الأطراف العسكرية تغذية نفسها بالعنصر البشري من أجل الاستمرار والصمود، فكان لكل طرف أسلوبه وأدواته في استقطاب العنصر البشري لبناء نفسه أو الترميم في ما بعد.


موفق الحسن: تحويل العسكرة إلى مهنة لدى شريحة لا تتسم بالوعي، يهدف للتسلّط على عامة الشعب

مسار التجنيد في سورية

واستقطب النظام السوري بهدوء ومنذ عام 2015 الشبان في سياق التجنيد، لكن ليس لمصلحة ملاك المؤسسة العسكرية، بل بعقود مدنية لخدمة الجهات الأمنية والعسكرية أو المليشيات التابعة المساندة له، وتلك المليشيات مدعومة وممولة إما من إيران أو روسيا، لكن النظام أعلن في الفترة الأخيرة عن التطوع في الجيش بعقود مؤقتة (بين خمس وعشر سنوات)، وذلك في خطة لنقل الجيش من الاعتماد على التجنيد الإجباري إلى الاعتماد على التطوع. لكن الملاحظ أن الكثير من الشبان الذين اختاروا العسكرة مصدراً لرزقهم في مناطق سيطرة النظام، باتوا يرغبون بالانخراط في المليشيات على نحو أكبر من مؤسسات الجيش الرسمي، وذلك لارتفاع الرواتب أولاً لدى المليشيات ولعدم التزامها بدوام رسمي من الجانب الآخر.

وعلى الرغم من عروض التطوع الكثيرة من قبل جيش النظام، فقد فضّل الكثير من الشبان توقيع العقود المدنية لسهولة الانفكاك منها. وقال أحد العناصر الأمنيين، الذي خدم في أحد الأفرع الأمنية في محافظة السويداء، جنوبي البلاد، إن قادة الأفرع والقطع العسكرية من أصحاب القرار غالباً ما تعمدوا استقطاب نوعية معينة من الشبان تتقبّل الإذعان لأي أوامر، وغالباً ما يكونون من أصحاب السوابق الجنائية، كما حصل في محافظة السويداء. وأضاف العنصر الذي فضّل عدم الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يلخص سلوكاً واضحاً يهدف لعسكرة المجتمع وسهولة افتعال الأحداث الأمنية والأزمات في البيئات المحلية. ودائماً ما كان الهاجس المادي من أبرز وأهم مسوغات التحاق الشبان بالمليشيات، فالإغراءات بالمال والنفوذ والتسلط مباحة وتسهّل عليهم الحصول على المال بأي وسيلة تحت مظلة البطاقات الأمنية والعسكرية.

في السياق، قال الناشط المدني موفق الحسن، لـ"العربي الجديد"، إن "تحويل العسكرة إلى مهنة لدى شريحة لا تتسم بالوعي يهدف للتسلّط على عامة الشعب والحصول على الأموال، ويؤدي إلى مشاكل تنموية واجتماعية وخدمية وصحية وتعليمية وحتى أسرية، خصوصاً أنه ليس هنالك شروط تقيد المستوى الثقافي والعلمي للمتجندين". ورأى الحسن أن اتخاذ النظام هذه الخطوة الخطيرة مؤشر كبير إلى نيات غير سليمة، تحت ذرائع عديدة يحاول إيهام الناس بها، كبسط الأمن والأمان، متجاهلاً أن من يقومون بالأعمال المخلة بالأمن هم غالباً من المجندين معه بعقود مدنية.

ولفت الحسن إلى أن "التجارب السابقة والموجودة على أرض الواقع خير برهان، فقد جنّد النظام في محافظة السويداء العديد من الشبان سابقاً، ومنهم من لا يزال على رأس مهامه حتى الآن، وكانوا السبب الرئيسي لخلخلة أمن المحافظة، والمنفذ الأساسي لعمليات الخطف والاعتقال التعسفي والقتل والاتجار بالمخدرات وترويجها وصناعتها". واستبعد أن تكون عمليات الاستقطاب، سواء في قوات النظام أو المليشيات، هدفها مواجهة خطر خارجي كما يروج البعض من مواليه، مشيراً إلى أن "الجيوش الاحترافية لا تبنى على المليشيات الخارجة على القانون، فمن يكون على استعداد لقتل ابن جلدته، يخون مشغله في أي لحظة يجد فيها العدو أقوى منه".

في شمال شرقي البلاد، تحوّلت المجموعات الكردية إلى "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، التي أعلن عن تأسيسها في العام 2015، إذ أعلنت "الإدارة الذاتية" الكردية، التي تحكم المنطقة على المستوى المدني، عن تشكيل هيئة الدفاع متمثلة بقيادة الأركان و"وحدات الدفاع الذاتي" في العام ذاته. منذ ذلك الوقت لجأت الإدارة و"قسد" إلى عمليات تجنيد إجبارية، اختلفت شروطها بحسب الحاجة، كل في وقته، أما التطوع فهو موجود، فقد فتح أمام شبان المنطقة، سواء من الأكراد أو العرب منذ العام 2017 وذلك لصالح "وحدات الدفاع الذاتي" التي تتبع لـ"قسد" بشكل أو بآخر.


عبد القادر مردوم: راتب التجنيد لا يكفي أسبوعاً وهناك تحديات معيشية عدة

وحول التجنيد في سورية وتشعباته، قال الناشط الإعلامي جان علي، لـ"العربي الجديد": "إذا عرفنا أن حزب الاتحاد الديمقراطي هو مؤسس الإدارة الذاتية في شمال وشرق سورية ومؤسس قواتها العسكرية (قسد)، وأن هذا الحزب هو فرع لحزب العمال الكردستاني، نستطيع أن نحدد هوية وأساليب التجنيد العسكري، وهي ثلاثة أشكال: أولها التطوع الإرادي في الحزب وكل ما يتفرع عنه من مؤسسات عسكرية ومدنية وأمنية وإعلامية. والشكل الثاني، تجنيد القصّر عن طريق الخطف الذي مارسه حزب العمال الكردستاني في سورية منذ الثمانينيات وما زال، في حين نشطت أخيراً الشبيبة الثورية السورية التابعة للحزب، ضمن هذا المجال وخصوصاً باستهداف من هم دون سن 18 وإلحاقهم بالحزب ومؤسساته سواء في سورية أو دول الإقليم. أما الشكل الثالث للتجنيد والذي اعتمد بعد تأسيس الإدارة الذاتية تحت مسمى واجب الدفاع الذاتي، وهو شكل من الخدمة الإلزامية التي تشبه التجنيد في كثير من دول العالم، وهو الأسلوب المعتمد رسمياً وخصوصاً في قسد". في شمال غربي البلاد، أي مناطق سيطرة المعارضة السورية، باتت فصائل المعارضة أكثر تنظيماً، لكن عمليات التجنيد في سورية لا تتم فيها بالحجم ذاته في المنطقتين الأخريين، إذ لا يزال الكثير من المتطوعين الذين التحقوا بمجموعات المعارضة المسلحة منذ تشكيلها ضمن المعارضة مع شكلها الحالي.

التجنيد لدى المعارضة

في ريف حلب، والمناطق التي سيطرت عليها المعارضة مع الجيش التركي بين مدينتي تل أبيض بريف الرقة ورأس العين في ريف الحسكة، والخاضعة للنفوذ التركي، شكلت تركيا "الجيش الوطني" من الفصائل الموالية لها، وبات التجنيد في سورية مرتبطاً بمن يريد من الأفراد. وتصل رواتب "الجيش الوطني"، الذي يتبع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، إلى نحو 1500 ليرة تركية (44.5 دولاراً)، غير أن الكثير من العناصر يتقاضون أقل من هذا الأجر، كل حسب مكانه واختصاصه.

عبد القادر مردوم، وهو شاب مهجر من حلب ومرابط مع فصيل "فيلق الشام" التابع لـ"الجيش الوطني"، يعمل جاهداً لتأمين لقمة عيشه، ويتقاضى راتباً مقداره 800 ليرة (24.5 دولاراً)، في رباط يستمر حوالي تسعة أيام، أي حوالي أربع مناوبات شهرياً. واعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تطوّعه "جهاد والتزام" بقضيته، بغض النظر عن الحاجة المادية، على الرغم من أنه يواجه عدة صعوبات في العثور على عمل إضافي بسبب عمله العسكري، وتزايدت صعوبة المعيشة بسبب تكاليف الحياة العالية. وقال: "مهما بذلت من جهد، فالراتب لا يكفي أسبوعاً، وهناك تحديات معيشية عدة، لكننا ملتزمون بقضيتنا". في إدلب، حيث تسيطر "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً)، مع فصائل أخرى، تقوم الهيئة باستقطاب الراغبين بالتطوع من خلال مكاتب تجنيد، وتقدّم رواتب تصل إلى ما بين 80 و100 دولار للعنصر المتطوع. وفي الفترة الأخيرة، افتتح "الجيش الوطني"، وحتى "هيئة تحرير الشام" وحكومة الإنقاذ التابعة لها، كليات عسكرية هدفها تخريج الضباط وصف الضباط، وذلك بهدف فرض مزيد من التنظيم على الحالة العسكرية في مناطق المعارضة، والقضاء على الفصائلية، التي سبّبت الكثير من المشاكل للجانب المعارض للنظام، سواء على المستوى العسكري أو السياسي.