يشكّل تصعيد النظام السوري في محافظة درعا السورية وعزوف روسيا عن التدخل لحسم النزاع لصالح النظام اختباراً لموسكو، التي تحاول تقديم نفسها وسيطاً على الأرض، في ظل مجموعة من العوامل التي تدفعها للتأني وعدم دعم الهجوم العسكري للنظام والمليشيات، على عكس مناطق أخرى في السنوات الماضية، ومن بين هذه العوامل قرب درعا من حدود الأراضي المحتلة من إسرائيل، وردع النفوذ الإيراني في الجنوب السوري، وغيرهما.
وما يزيد من تردد روسيا في التدخل المباشر في درعا، حساسية هذه المنطقة من جهة انطلاق الثورة السورية منها تحديداً في عام 2011، والتركيبة القبائلية والعشائرية للمحافظة، وفق ما يوضحه كبير الباحثين في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية فلاديمير أحمدوف.
وقال أحمدوف في حديث لـ"العربي الجديد": "لم تحل كارثة إنسانية على درعا بعد، ولكن الأمور تسير في هذا الاتجاه في هذه المحافظة التي يقطنها نحو مليون نسمة، وهي محافظة مهمة من جهة قربها من الحدود الإسرائيلية، ما يؤثر على العلاقات بين موسكو وتل أبيب، كما أن هذه المحافظة ذات التركيبة القبائلية والعشائرية تطالب بدرجة أكبر من الاستقلالية".
وحول أسباب عجز النظام السوري عن بسط السيطرة على درعا وعزوف روسيا عن دعمه عسكرياً، أضاف: "في الوقت الحالي، تسيطر الحكومة السورية على كافة أراضي البلاد تقريباً باستثناء المناطق الخاضعة لسيطرة الأتراك والأكراد في الشمال والشمال الشرقي، ولكن السيطرة على الحياة اليومية أصعب من السيطرة على الأراضي، إذ إن نظام ما قبل الحرب للتحكم في المحافظات قد ولى بلا رجعة، ويجرى تكوين نظام إدارة جديد"، مؤكداً أنه "لا يمكن لروسيا التدخل عسكرياً مباشرة، فسكان درعا لا يرفعون أعلام "داعش" السوداء، وهي تكتفي باستمرار دوريات الشرطة العسكرية ودور الوساطة التي قد يليها تقديم ضمانات للاتفاقات اللاحقة".
من جهتها، ذكرت صحيفة "كوميرسانت" الروسية أن "روسيا تسعى لمنع إراقة الدماء في الجنوب السوري، على خلفية محاولات دمشق السيطرة بشكل كامل على درعا التي يطلق عليها مهد الثورة السورية"، مشيرة إلى أن "موسكو بذلت جهوداً كبيرة قبل ثلاث سنوات لمنع تطهير المحافظة برهانها على عملية المصالحة لا على عملية عسكرية كما كان الحال عليه في ضواحي دمشق".
وفي تقرير بعنوان "لحظة درعا تحل لروسيا"، لفتت الصحافية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط في "كوميرسانت" ماريانا بيلينكايا إلى أن "درعا تحولت خلال ثلاث سنوات إلى كتلة مشكلات لم يتم حلها"، بما فيها "الدمار الذي ألحقته الحرب وغرور السلطة المركزية تجاه السكان المحليين" مجتمعين مع استمرار أعمال العنف، ما دفع بالنشطاء المحليين إلى تجاهل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي نظمها النظام.
من جهته، قال القيادي في المعارضة السورية العقيد فاتح حسون لـ"كوميرسانت": "يريد نظام بشار الأسد وإيران احتكار الرقابة الأمنية في الجنوب، ويفرضان شروطهما علينا. بالنسبة إلى سكان درعا، هذه معركة من أجل الوجود. لا نعتبر أن روسيا خدعتنا عندما عجزت عن الوفاء بالتزاماتها أمام سكان درعا. هذا ليس خداعاً، وإنما مجرد تراجع أمام النظام وإيران. ليكن ذلك إنذاراً لمن يعتبر روسيا ضامناً للعملية السياسية".
بدوره، تساءل الخبير بالمجلس الروسي للشؤون الدولية (منظمة غير ربحية معنية بدعم اتخاذ القرار في مهام السياسة الخارجية) كيريل سيميونوف، في صحيفة "نيوز.رو" الإلكترونية، عن أسباب سعي روسيا لمنع التصعيد العسكري في محافظة درعا، مذكراً بأن موسكو وافقت في ختام العملية العسكرية في جنوب غرب سورية في صيف عام 2018 على منح "وضع خاص" لمجموعات المعارضة في درعا، وبشكل أساسي لـ"الجبهة الجنوبية" لـ"الجيش السوري الحر"، اقتضى عدم نزع سلاحها بشكل كامل.
وفي مقال بعنوان "الحفاظ على الوضع الراهن: لماذا تحمي روسيا المتمردين السوريين من الأسد؟"، لفت سيميونوف إلى أن المشاورات بمشاركة الدبلوماسيين الروس والأميركيين والأردنيين والإسرائيليين في عمان، وبحضور ممثلي قوات المعارضة، تمخضت آنذاك عما قال إنه "خلق نوع من المنطقة العازلة على امتداد الحدود مع إسرائيل والأردن، حيث ستكون الكلمة الأخيرة ليس لدمشق أو حلفائها من إيران و(حزب الله)، وإنما للعسكريين الروس المشرفين على نشاط المعارضة المتصالحة".
وخلص الخبير الروسي إلى أن هناك تبايناً بين مصالح روسيا وحلفائها في هذه المنطقة، في ظل تخوف موسكو من شن إسرائيل عملية عسكرية لإزالة تهديدات "حزب الله" اللبناني والحرس الثوري الإيراني، واضطرارها لأخذ مصالح تل أبيب بعين الاعتبار.
يذكر أن روسيا لم تتوقف يوماً عن مراعاة المصالح الإسرائيلية في الملف السوري، مبدية درجة عالية من غض البصر عن مئات الضربات العسكرية الإسرائيلية على حلفائها، وتفهّماً للمساعي الإسرائيلية لردع النفوذ الإيراني في الجنوب السوري.