اعتبر البنتاغون، يوم الإثنين، أنّ عملية التسريب التي يرجّح أنّها حصلت لوثائق أميركية سريّة تشكّل خطراً "جسيماً جدّاً" على الأمن القومي للولايات المتّحدة.
وقال مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة، كريس ميغر، في تصريح للصحافيين إنّ الوثائق التي يتمّ تداولها على الإنترنت تشكّل "خطراً جسيماً جدّاً على الأمن القومي ولديها القدرة على نشر معلومات مضلّلة".
وكُشف النقاب، يوم الجمعة، عن الوثائق التي تظهر الخطط المتبادلة بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) والجيش الأوكراني حول العمليات الحربية الجارية في الميدان، وخطط الهجوم المضاد الواسع ضد القوات الروسية، الذي قد يبدأ خلال الأسابيع القليلة المقبلة؛ وهو ما دفع البنتاغون لفتح تحقيق داخلي.
وظهرت الوثائق على منصتي "تليغرام" و"تويتر"، قبل أن تنتشر بسرعة البرق بين المعلّقين خلال الأيام الماضية، ما دفع البنتاغون لمطالبة مواقع التواصل بتعقّب كل المنشورات التي تتعاطى مع التسريب وحذفها.
وفتحت وزارة العدل الأميركية، السبت، تحقيقاً لمحاولة تحديد مصدر تسريب وثائق سرية مرتبطة خصوصاً بالغزو الروسي لأوكرانيا.
مسؤولون يبحثون سبل مشاركة المعلومات
قال ثلاثة مسؤولين أميركيين إن وكالات الأمن القومي الأميركية تبحث حالياً في سبل مشاركة المعلومات الأكثر حساسية داخل الحكومة الأميركية والتعامل مع التداعيات الدبلوماسية الناجمة عن تسريب عشرات الوثائق السرية.
وقال أحد المسؤولين إن محققين يعملون حالياً على تحديد الشخص أو المجموعة التي قد تكون لديها القدرة أو الدافع لنشر هذه الوثائق السرية. وقد تكون الوثائق الأخيرة المسربة هي الأكثر تأثيرا منذ نشر آلاف الوثائق على موقع ويكيليكس في عام 2013.
واطلعت "رويترز" على أكثر من 50 وثيقة تحمل ختمي "سري" و"سري للغاية" والتي ظهرت للمرة الأولى على مواقع التواصل الاجتماعي في مارس وكشفت عن نقاط الضعف في الجيش الأوكراني إلى جانب معلومات عن بعض الحلفاء، منهم إسرائيل وكوريا الجنوبية وتركيا.
ولم تتحقق رويترز من صحة الوثائق من مصادر مستقلة.
وقال مسؤولون أميركيون إن بعض الوثائق التي تقيّم حجم الخسائر التي تكبدتها أوكرانيا في ساحة المعركة يبدو أن تعديلات أُجريت عليها بما يشير إلى تكبد روسيا خسائر أقل.
وقال مسؤول أميركي رفض الكشف عن هويته إن وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) انتهزت الفرصة لمراجعة نطاق مشاركة المعلومات السرية داخلياً والتأكد من عدم وصولها سوى للأشخاص المخول لهم ذلك.
وقال مسؤول آخر إن بعض الوثائق كانت على الأرجح متاحة لآلاف الأشخاص من حاملي التصاريح الأمنية الصادرة من الولايات المتحدة وحلفائها على الرغم من كونها شديدة الحساسية.
وقال المسؤول الأول إن عدد الأشخاص الذين تمكنوا من الوصول إلى الوثائق يؤكد أن المعلومات الحساسة ربما تمت مشاركتها على نطاق واسع مع أفراد غير مخول لهم الوصول إلى هذا المستوى من الوثائق السرية. وأضاف "تطلب الأمر من البنتاغون تقليل الوصول إلى بعض أكثر المعلومات حساسية عندما لا يكون هناك سبب معقول للوصول إليها".
وقال المسؤولان إنه على الرغم من أن التسريبات كانت مقلقة للغاية، إلا أن العديد منها لم يقدم سوى معلومات قليلة عن الوضع في فبراير/ شباط ومارس/ آذار ويبدو أنها لم تكشف أي شيء عن العمليات المستقبلية.
وتشير الترجيحات إلى أن بعض المعلومات الأكثر حساسية تتعلق بالقدرات العسكرية لأوكرانيا وأوجه القصور فيها.
البحث عن دافع
قال المسؤول الأول إنه منذ ظهور التسريب لأول مرة في مارس، ظل المحققون يبحثون عن مصدر تسريب هذه المعلومات.
وقال دانييل هوفمان، وهو ضابط سري سابق في وكالة المخابرات المركزية، إنه بالنظر إلى الأنشطة السابقة لوكالات المخابرات الروسية فمن المحتمل جدا أن يكون عملاء روس يقفون وراء نشر الوثائق المتعلقة بأوكرانيا بغرض التضليل.
وقال إن هذه العمليات تدخل في إطار الممارسات "الكلاسيكية" لأجهزة التجسس الروسية والتي تقوم على تسريب وثائق أصلية وإدخال معلومات كاذبة عليها.
وقال إن الهدف على ما يبدو هو دق إسفين بين أوكرانيا والولايات المتحدة، أكبر مورد للأسلحة إلى كييف.
ويقول بعض خبراء الأمن القومي ومسؤولون أميركيون إنهم يشتبهون في أن يكون الشخص الذي سرب هذه المعلومات أميركيا نظراً للعدد الكبير من الموضوعات التي تغطيها الوثائق، لكنهم لا يستبعدون أيضا أن يكون عناصر مؤيدون لروسيا وراء هذه التسريبات.
ولم يرد الكرملين ولا السفارة الروسية على طلب للتعليق حول ما إذا كانا متورطين في الأمر.
وقالت أوكرانيا إن رئيسها وكبار مسؤوليها الأمنيين اجتمعوا يوم الجمعة لمناقشة سبل منع التسريبات.
التأثير على الحلفاء
أدى تسريب هذه الوثائق إلى ردود فعل من جانب بعض الحكومات.
وقالت إحدى الوثائق إن جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) دعم الاحتجاجات المناهضة لخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإحكام السيطرة على المحكمة العليا.
وفي بيان له أمس الأحد، قال مكتب نتنياهو إن الوثيقة "كاذبة ولا أساس لها على الإطلاق".
وعرضت وثيقة أخرى تفاصيل متعلقة بمناقشات خاصة دارت بين كبار المسؤولين الكوريين الجنوبيين حول الضغط الأميركي على الحليف الآسيوي للمساعدة في إمداد أوكرانيا بالأسلحة وسياسة سول القائمة على ألا تفعل ذلك.
وتجسس الولايات المتحدة ودول أخرى على حلفائها ليس بالأمر الغريب، لكن الكشف العلني عن هذا التجسس غير مريح للحلفاء.
وقال المسؤول الثاني في وزارة الدفاع الأميركية، في مقابلة مع "رويترز": "سيستغرق الأمر بعض الوقت لإعادة بناء الثقة مع حلفائنا".
وقلل مايكل مولروي، وهو مسؤول كبير سابق في البنتاغون، من أهمية التأثير الدائم لمثل هذا الموقف. وقال "قد يتسبب ذلك في مشاكل في العلاقات على المدى القصير، لكنني أعتقد أن المصالح المشتركة بين البلدين ستظل قوية على المدى الطويل".
(فرانس برس، رويترز)