البقاع اللبناني هدف يومي للغارات الإسرائيلية: مجازر وتدمير ونزوح

10 أكتوبر 2024
من قصف الاحتلال الإسرائيلي مناطق البقاع اللبناني (العربي الجديد)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يشهد البقاع اللبناني تصعيدًا عسكريًا غير مسبوق منذ حرب يوليو 2006، مع غارات إسرائيلية كثيفة أدت إلى استشهاد وإصابة المئات ونزوح الآلاف، وتدمير البنية التحتية.
- أكد محافظ بعلبك الهرمل، بشير خضر، أن العدوان أسفر عن 268 شهيدًا و719 جريحًا، مع نزوح كبير للسكان، وتعمل السلطات على توفير المساعدات رغم التحديات.
- تزعم إسرائيل أن الغارات تستهدف مواقع حزب الله، لكن الضربات طالت مناطق مدنية، مما يزيد من معاناة السكان ويهدف لإرباك اجتماعي ضد حزب الله.

غارات جوية يومية غير مسبوقة كثافةً ودمويةً

دُمّرت بنى تحتيّة وتبدّلت معالم العديد من الأحياء والمناطق

ياغي: خطة إسرائيلية استراتيجية لفصل المناطق عن بعضها البعض

يشهد البقاع اللبناني منذ بدء "عدوان سبتمبر" الإسرائيلي الموسّع، غارات جوية يومية غير مسبوقة كثافةً ودمويةً، بحيث استشهد وجُرح المئات في أيامٍ قليلة، ونزح الآلاف، وسوّيت مبانٍ بالأرض، ودُمّرت بنى تحتيّة وتبدّلت معالم العديد من الأحياء والمناطق التي تحوّلت إلى ركامٍ.

ومنذ 18 يوما، تعيش البلدات في البقاع؛ شماله وشرقه وأوسطه وغربه، على وقع قصف إسرائيلي هو الأوسع والأكبر منذ حرب يوليو/تموز 2006، والأعنف منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تاريخ فتح جبهة الإسناد اللبنانية، إذ إنّ الغارات على محافظة البقاع التي تقع بمحاذاة الحدود مع سورية، كانت تقتصر على بعض النقاط خصوصاً في بعلبك الهرمل، وأخرى ذات طابع سياسي ضمن "محور المقاومة"، وكانت ترتكز العمليات الإسرائيلية على الاغتيالات واستهداف مواقع لحزب الله كما يزعم الاحتلال، قبل توسّع رقعة العدوان.

وكثَّف الاحتلال الإسرائيلي في الأيام الماضية غاراته على البقاع الشمالي، سواء على صعيد بعلبك الهرمل أو المعابر الحدودية، فكانت مناطق عدّة في مرمى الصواريخ، خصوصاً حوش السيد علي، شمسطار، النبي شيت، طاريا، النبي عثمان، سرعين، دورس، كما استهدف مناطق عدة في البقاع الغربي - راشيا، أكثرها عنفاً طاول سحمر، وأغار على مناطق بقاعية في قضاء زحلة، منها شتورا، وأعنفها اليوم الخميس في الكرك، ما أثر كثيراً على حركة السكان، والنشاط الاقتصادي، وزاد المخاوف، خصوصاً أن هذه المنطقة كانت تُعدّ "آمنة" قبل فترة قصيرة.

قال محافظ بعلبك الهرمل، بشير خضر، إن حصيلة العدوان على بعلبك الهرمل حتى اليوم هي 268 شهيداً، و719 جريحاً، بينما وصل عدد الغارات إلى 692.

وبلغت نسب مراكز الإيواء، حسب المحافظات، البقاع 11%، وبعلبك الهرمل 6%، وفق أرقام وحدة إدارة مخاطر الكوارث.

وقال خضر لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال الإسرائيلي "يستهدف البقاع استهدافاً كثيفاً وواسعاً ويضرب أماكن المدنيين، وهناك حركة نزوح كبيرة سجلت في المحافظة، جزء اتجه إلى مناطق لا تزال تُعدّ آمنة ضمن المحافظة، وقسم خرج منها إلى مناطق أخرى، وهناك من انتقل إلى بيوت للسكن فيها، وآخرون اختاروا مراكز الإيواء، وهناك من توجه إلى سورية، وبدورنا نعمل مع الهيئة العليا للإغاثة على إيصال الفرش والحرامات والمواد الغذائية والمستلزمات الأساسية، لكن هذا يقتصر على مراكز الإيواء، حيث التوجيهات الرسمية بذلك، علماً أنه حتى لو كان هناك توجيهات بإيصالها إلى البيوت فإن هذا الأمر صعب في ظلّ محدودية الإمكانات والكوادر البشرية وحتى لإحصاء عدد النازحين في المنازل".

ويلفت خضر إلى أنّ "الوضع حتماً صعب جداً، حتى إن هناك فئة من الناس لا تزال في منازلها في بعلبك الهرمل وأشغالها متوقفة ومصالحها كذلك، وهي بلا مدخول، هؤلاء نازحون في منازلهم، ويعانون من الأوضاع المعيشية الصعبة نفسها، وصعوبة الوصول إلى المساعدات الغذائية وحاجيات الصمود، التي يعاني منها النازح خارج منزله". وأكد محافظ بعلبك الهرمل أن المستشفيات لا تزال تعمل كلها وهي بالخدمة وعلى جهوزية عالية والإمكانات جيدة، ونعتمد على أن تستمرّ المساعدات الطبية التي تصل إلى لبنان حتى تتغذى المستشفيات لتواصل عملها.

وقال الناشط السياسي في البقاع محمد عبد الناصر المجذوب لـ"العربي الجديد"، إن: "العدو الإسرائيلي يزعم أنه يستهدف بنى تحتية لحزب الله أو مخازن أسلحة ومنصات صواريخ تابعة له تنطلق نحو الأراضي المحتلة، لكن تبين بعد العديد من الجولات والزيارات الميدانية أنها طاولت بيوتا ومجمّعات سكنية ومباني يقطنها مدنيّون". وأشار إلى أن "عدد النازحين كبير جداً في البقاع وهو بالآلاف، وهناك الكثير من المدارس التي فتحت أبوابها لهم وتحوّلت إلى مراكز إيواء"، موضحاً أن قسما من النازحين توجه إلى مراكز للإيواء وآخر عند منازل أقربائه في مناطق آمنة، وهناك من توجه إلى سورية". وأضاف أنّ "البقاع يشهد ضعف إمكانات وقلة تمويل حكومي لمراكز الإيواء فيما هناك جهود كبرى تُبذل من قبل الأهالي والجمعيات والتنظيمات السياسية والشبابية والكشفية، لسدّ الحاجات لكن نحن على أبواب الشتاء القاسي ما يحتم تأمين سبل التدفئة ومحروقات للنازحين والمنازل".

قراءة للضربات الإسرائيلية على البقاع

بدوره، يقول الكاتب السياسي صبحي منذر ياغي لـ"العربي الجديد"، إنّ الاحتلال الإسرائيلي يزعم ضربه مراكز عسكرية لحزب الله ومخازن أسلحة، ومنصّات صواريخ، وهو يعتبر البقاع الخزان أو الإرث الاستراتيجي للمقاومة، وصولاً إلى الهرمل والقصير السورية، من هنا فإن البقاع له الأهمية نفسها عند العدو كما الجنوب. وأشار ياغي إلى أن حزب الله بعد عام 2006، أجرى عمليات إعادة تموضع في البقاع، وإخلاء للمراكز، من هنا لاحظنا أنّ أكثر من عملية نفذها العدو منذ 8 أكتوبر لم يسقط فيها شهداء، وقد تبيّن أنها خالية، فكان القصف على الأرياف المحيطة والقرى، منها النبي شيت وإيعات وغيرها، وهذه استُهدفت في حرب يوليو/تموز 2006، لكن يومها كانت بوتيرة أكبر في ظلّ وجود مراكز أكثر للحزب.

ولفت ياغي إلى أنّ "الإسرائيلي اليوم يقوم بتوسعة عملياته في البقاع، مستهدفاً مناطق لم يُغر عليها سابقاً، ومنها من خارج البيئة الحاضنة لحزب الله، ومن طوائف مختلفة لا تقتصر على الطائفة الشيعية، وذلك لإحداث نوعٍ من الارباك الاجتماعي ضد حزب الله وفق مخطط الإسرائيلي"، مشيراً إلى أن الغارات الجوية الإسرائيلية تستهدف بشراسة ودموية مناطق كثيرة في البقاع، ومباني المدنيين، ومواقع لا علاقة لها بمراكز تابعة لحزب الله.

وأشار إلى أن البقاع كان له نصيب قوي من حرب يوليو 2006، وبالتالي ما يعيشه اليوم سبق أن واجهه، فلا ننسى الإنزال الإسرائيلي العسكري الشهير في 1 أغسطس/ آب 2006، في بلدة التل الأبيض عند المدخل الشمالي لمدينة بعلبك قرب مستشفى دار الحكمة، وعمليات الخطف التي حصلت، لكن اللافت كما قلنا اليوم هو استهداف مناطق لم تُقصف سابقاً، ولا سيما منها ذات الطابع المسيحي.

وتوقف ياغي عند ضربات المعابر، خصوصاً المصنع الحدودي، معتبراً إيّاها بمثابة استهداف مؤذٍ جداً، باعتبار المكان هو بمثابة الشريان الحيوي الوحيد، خصوصاً اقتصادياً، واليوم يؤمن حركة عبور لآلاف النازحين إلى سورية، الذين أصبحوا بعد الضربة الإسرائيلية يسلكونه سيراً على الأقدام. ولفت ياغي هنا، إلى أنّ هناك خطة إسرائيلية استراتيجية لفصل المناطق عن بعضها البعض، تمهيداً ربما لعمل عسكري، وذلك من خلال استهداف المعابر والجسور والطرقات، علماً أنها في حرب يوليو 2006 قصفت طرقات وجسورا، لكن بهدف ضرب البنى التحتية للدولة اللبنانية، في وقت تقوم اليوم بهذه الخطوة لأغراضٍ عسكرية أكثر.