تترقب كتل البرلمان التونسي بحذر مبادرة الرئيس قيس سعيّد بطرح قانون ينظم المحكمة الدستورية ويستكمل تركيزها، مفضلة انتظار مبادرته على أن تكون من داخل مجلس الشعب لتفادي أي اختلاف معه.
ولا تختلف الكتل البرلمانية حول إيلاء المحكمة الدستورية الأولوية بعد مرور أربعة أشهر على انطلاق أشغال المجلس التشريعي في 13 مارس/آذار الماضي، غير أن البرلمان يتلافى أي سوء تفاهم مع السلطة التنفيذية.
وأكد عضو كتلة الوطنية المستقلة ثابت العابد، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تركيز المحكمة الدستورية يمثل أولوية لاستكمال بناء المؤسسات التي ستكون داعما أساسيا للديمقراطية والحقوق والحريات.
وحول تأخر تركيز المحكمة الدستورية إلى اليوم، أكد العابد أن "تركيبة المحكمة الدستورية معلومة، لكن هناك مسألة سد الشغورات في الوظائف القضائية من جهة، ومن جهة أخرى سن قانون ينظم المحكمة الدستورية".
وتابع العابد "هناك من يقول إن بعض فصول من قوانين يطرحها البرلمان يمكن أن تكون لادستورية، وفي غياب المحكمة الدستورية حاليا يمكن أن تنجر عن هذه الفصول أشغال يتم إلغاؤها في ما بعد من قبل المحكمة، وبالتالي كان من الضروري تركيزها في بداية العهدة".
وبشأن سبب عدم سن القانون، فسر العابد بأن "لرئيس الجمهورية أولوية تقديم مشاريع القوانين، ولـ10 نواب أيضا تقديم مبادرات"، مؤكدًا أنه "سيكون في الأيام المقبلة نقاش حول هذه المسألة تحت قبة البرلمان، حيث يجب تركيزها في أقرب وقت".
وأشار إلى أن "معالجة المشكل الاقتصادي في البلاد ليست معالجة مالية وحسابية بقدر ما هي معالجة سياسية يتم فيها نقاش وإدارة الاختلاف حول الشأن في إطار الوحدة والمصلحة الوطنية.. هذا يكون في إطار المحكمة الدستورية".
وأضاف أن "البحث عن القوانين التي تكرس التمييز الإيجابي للجهات ومعالجة الاقتصاد الريعي والتحول من اقتصاد الرخص إلى دولة الفرص". وبين العابد أن "الأقرب أن تتقدم رئاسة الجمهورية بمبادرة قانون المحكمة الدستورية وأن تتم مناقشتها في لجنة التشريع العام".
وحول مبادرة تعديل المرسوم 54 الخاص بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، أكد العابد "أن الكتلة الوطنية مهتمة بدراسة كل المراسيم الرئاسية باعتبار أن البرلمان وظيفة تشريعية دوره عرض ومناقشة هذه المراسيم واستدعاء كل المعنيين بهذا المرسوم من نقابة صحافيين وهيئات ومؤسسات يمسها هذا المرسوم".
وشدد على أن "كل مرسوم سيطرح أمام مجلس النواب هو قابل للتعديل وتحويله لقانون وربما حتى الإلغاء في إطار نقاش يدار بهدوء وبعقلانية مع كل الأطراف المتدخلة في المرسوم 54 الذي نعتبر أنه أضر بالحقوق والحريات"، مشيرا إلى أنه "إذا أردنا تشجيع الاستثمار ودفع الاقتصاد فيجب تأمين مناخ من الحقوق والحريات لذلك".
من جانبه، أكد نائب رئيس كتلة ''الخط الوطني السيادي'' عبد الرزاق عويدات، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن القوانين المتعلقة باستكمال دور الوظيفة التشريعية وبتركيز المؤسسات الدستورية وهيكلة الدولة، تعدّ ذات أولوية بالنسبة لكتلته، مشددا على أن قانون المحكمة الدستورية يكتسي أولوية وأهمية كبرى.
وبحسب عويدات، فإن المنطق القانوني والتشريعي يفرض وضع مشروع قانون المحكمة الدستورية ومشروع مجلس الجهات والأقاليم ضمن أولويات عمل مجلس نواب الشعب.
وأوضح أن "وظيفة مجلس نواب الشعب تشريعية في المقام الأول، وبالتالي فإنه يحتاج للمحكمة الدستورية للنظر في دستورية القوانين المصادق عليها، بداية من النظام الداخلي للمجلس التشريعي الذي كان من الأجدى أن تنظر فيه المحكمة الدستورية منذ بداية العهدة".
وبين أن "تركيز المحكمة الدستورية اليوم لا يتوقف على انتخابات كما كان في السابق، باعتبار أن المحكمة تتركب من 9 قضاة معينين بصفاتهم ولا ينقص سوى سن القانون الأساسي المنظم للمحكمة الدستورية، وبالتالي يفترض أن يأتينا مشروع من رئاسة الجمهورية للمصادقة عليه من قبل مجلس نواب الشعب".
بدوره، أكد نائب رئيس كتلة "الأحرار" يوسف التومي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تركيز المحكمة الدستورية واستكمال المؤسسات يعد أولوية الكتلة، مشيرا إلى أنه "ينتظر أن تبادر رئاسة الجمهورية بمشروع قانون باعتبار أن مبادرة رئيس الجمهورية تحظى بأولوية النظر"، لافتا إلى أن "المجلس سيناقش المبادرة عند بلوغها".
وبين أن "كتلة الأحرار لم تطرح مسألة تعديل المرسوم 54"، وفي المقابل، أكد "اهتمامها واشتغالها على مبادرة تعديل البند 411 من المجلة التجارية الخاص بجرائم الشيك دون رصيد باعتبار حجم المتضررين منه ولاعتباره مطلبا شعبيا ملحا".
وينص الفصل الـ125 من الدستور الجديد على أنّ المحكمة الدستورية تتركب من تسعة أعضاء، ثلثهم الأول من أقدم رؤساء الدوائر بمحكمة التعقيب، والثلث الثاني من أقدم رؤساء الدوائر التّعقيبية بالمحكمة الإدارية، والثلث الثالث والأخير من أقدم أعضاء محكمة المحاسبات.
وبحسب الدستور، فإن رئيس المحكمة الدستورية يُنتخب من بين الأعضاء، طبقاً لما يضبطه القانون، فيما يشغل مكان القاضي إذا بلغ سن الإحالة على التقاعد، بمن يليه في الأقدمية، على ألا تقلّ مدّة العضوية في كل الحالات عن سنة واحدة.
ويرى أساتذة القانون الدستوري عدم وجود أي مبرر لعدم تنصيب المحكمة أمام تعيين أعضائها بصفاتهم من قبل الأقضية الثلاثة (العدلي والمالي والإداري)، كما ينص عليه الدستور، عازين الأمر إلى غياب إرادة واضحة أو لحسابات سياسية بعيدة عن الجوانب الإجرائية.
ويعتبر الخبراء أن المحكمة الدستورية في دستور 2022 كما صاغه الرئيس سعيد رغم محدودية صلاحياتها واختصاصاتها، فإنها تبقى مهمة لمراقبة دستورية القوانين المصادق عليها في غياب أي رقابة، وللقيام بدورها في تأويل الدستور، بالإضافة إلى سد الفراغ الدستوري في حالات الشغور في منصب رئيس الجمهورية بالإنابة كما نص عليه الدستور الجديد.