لم يفلح مجلس نواب الشعب التونسي، حتى اليوم، في تجاوز أزمة المحكمة الدستورية التي تزداد تعقيداً، ويبدو أنه لم يجد من حلول سوى تأجيل الجلسة الانتخابية وإرجاء مناقشة رد الرئيس قيس سعيد على تعديلات القانون المنظم للمحكمة إلى أجل غير معلوم.
ويواصل مجلس الشعب الدوران في حلقة مفرغة، بعدما اختار التأجيل، أخيراً، حلاً لتفادي المجازفة بجلسة انتخابية لاختيار بقية أعضاء المحكمة الدستورية بسبب يقين رئيس البرلمان راشد الغنوشي، بعدم توافر الأغلبية الكافية لانتخاب أي عضو آخر من الأعضاء الثلاثة المطلوب انتخابهم.
ويبدو أن البرلمان لم يعد عاجزاً فقط عن جمع الثلثين (145 نائباً) للانتخابات، بل أصبح عاجزاً عن جمع الأغلبية المعززة (131 نائباً) للتصويت على رد الرئيس سعيد الذي رفض، أخيراً، تعديلات قانون المحكمة الدستوريّة التي بمقتضاها خفض البرلمانيون من الأغلبية المطلوبة للتصويت لتجاوز العقبة الانتخابية.
وذهب البرلمان في خيار التأجيل إلى موعد غير معلوم، وقرر في الجلسة العامة الأخيرة، الخميس الماضي، تدابير استثنائية بسبب تفاقم وباء كورونا، بما يعني تعليق العمليات الانتخابية خلال فترة شهر قابل للتمديد مرتين، بحسب نص القرار، أي إنه لا مجال لانتخاب المحكمة الدستورية قبل صيف 2021، وربما حتى خروج البرلمان في عطلته السنوية في شهر يوليو/ تموز المقبل.
وتزداد أزمة المحكمة الدستورية تعقيداً بسبب تفاقم أزمة الحكم وغياب جهة دستورية للتحكيم في الخلاف المتصاعد بين رأسي السلطة التنفيذية والبرلمان وتنازع الصلاحيات والاختصاصات.
ويعيب رئيس الحكومة هشام المشيشي والبرلمان استئثار الرئيس سعيد بتأويل الدستور في غياب المحكمة الدستورية القادرة على الفصل في معاني أحكام الدستور وبنوده، وخصوصاً برفض الرئيس التعديل الوزاري الأخير وعدم دعوته الوزراء المصدَّق عليهم من البرلمان نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي لموكب اليمين الدستوري، ورفعه "فيتو" أمام تعديل قانون المحكمة الدستورية، الذي مرره مجلس الشعب وأعاده لقراءة ثانية.
ويبدو أن خلافاً دستورياً جديداً يلوح في الأفق، في غياب المحكمة الدستورية بقراءة الرئيس سعيد للدستور وإعلانه، يوم الأحد، أنه رئيس القوات المسلحة العسكرية والمدنية، بما يعني إشرافه المباشر على الأمن والداخلية وجميع القوات الحاملة للسلاح، الأمر الذي أثار حفيظة المشيشي.
واعتبر المشيشي في تصريح صحافي، أن تصريحات سعيد "شاذة.. وفردانية وتذكّرنا أيضاً بالأولوية القصوى لتركيز المحكمة الدستورية التي تمثّل الهيكل الوحيد للبت في مثل هذه المسائل"، حسب تصريحه.
وفي الصدد، قال المحلل السياسي ماجد البرهومي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "الوضع السياسي المتعفن انعكس سلباً على إرساء المحكمة الدستورية في غياب أي مبادرة صادقة من أي جهة سياسية لإحداثها".
وأضاف أن "جميع الأحزاب والأطراف السياسية طالما أكدت حرصها على إرساء المحكمة الدستورية وأهميتها في تجنيب البلاد الأزمات والخلافات التي تعيشها، ولكن لم يبادر أي طرف بشكل فعلي ولم يتنازل من أجل التعجيل بإحداثها".
وبيّن المحلل أن المحكمة الدستورية تحولت إلى وسيلة لابتزاز الخصوم وآلية من وسائل الخلاف السياسي في وقت يُعَدّ دورها الدستوري الحسم في الخلافات.
ولفت إلى أن "المؤشرات جميعها لا تؤدي إلى انفراج قريب بتواصل الخلافات وتعمقها داخل البرلمان بوجود لائحة لسحب الثقة من رئيس البرلمان، وحرب الشيطنة، بين ائتلاف الحكم والمعارضة والصراع الدائر بين أحزاب الحكم وحزام رئيس الحكومة البرلماني مع رئيس الجمهورية من جهة أخرى".