تمكن التحالف الجمهوري الحاكم في تركيا من حسم الانتخابات البرلمانية التي جرت الأحد الماضي بفوز "خجول"، حافظ عبره على الأغلبية البرلمانية بواقع 322 مقعداً رغم انخفاض عدد النواب، فيما كان أكبر الخاسرين هو حزب العدالة والتنمية الذي سجل أكبر انخفاض له بعد أنّ وصل إلى ذروته عام 2015 بالاقتراب من 50%، محققاً في انتخابات الأحد نسبة 35.58% من الأصوات فقط.
وتشكل البرلمان الجديد من 15 حزباً، مع محافظة الأحزاب السابقة الكبرى على كتلها البرلمانية، إذ ينص الدستور على أنّ أي حزب لديه 20 نائباً في البرلمان يستطيع تشكيل كتلة برلمانية، ويتلقى دعماً من الحكومة.
وبنتائج الانتخابات التي جرت الأحد، استطاعت نفس الأحزاب الخمسة السابقة من تشكيل كتل، وهي أحزاب العدالة والتنمية والشعب الجمهوري والجيد، والحركة القومية، وحزب اليسار الأخضر الذي يمثل حزب الشعوب الديمقراطي.
وعلى الرغم من تصدر حزب العدالة والتنمية السباق الانتخابي في عموم البلاد، إلا أن الانخفاض كان واضحاً في عدد مقاعده، حيث خسر 28 نائباً برلمانياً في عموم تركيا، فيما عوض حليفه حزب الرفاه الجديد جزءاً من الخسارة بحصوله على 5 مقاعد برلمانية، بينما تعرض تحالف الشعب، الذي كان يعقد الآمال على أغلبية برلمانية تساهم في تغييره الدستور الحالي ونظام الحكم، لخيبة كبيرة، وحقق 213 مقعداً فقط، وحصل تحالف "الجهد والحرية" المكون من حزب اليسار الأخضر الكردي وحزب العمل على 65 مقعداً في البرلمان.
التحالف الجمهوري
مكونات التحالف الجمهوري الحاكم، ومقارنة بالانتخابات السابقة، تراجع عدد حصصها في البرلمان، وأكبر المستنزفين كان حزب العدالة والتنمية، إذ كان قد حصل في عام 2018 على 42.56% من الأصوات بواقع 295 نائباً، وانخفضت الأصوات في انتخابات الأحد إلى 35.58%، وحقق 267 مقعداً في البرلمان، وهناك اعتراضات على مقعد في ولاية أسبارطة، في حال حسمته اللجنة العليا للانتخابات، فإن حصته سترتفع إلى 268 نائباً.
ولم يحقق حزب الحركة القومية زيادة كبيرة في نسبة أصواته، ولكنه زاد عدد نوابه بواقع نائب واحد، حيث حصل في العام 2018 على 11.1% من الأصوات بواقع 49 مقعداً، فيما حقق بانتخابات الأحد 10.07% من الأصوات بواقع 50 نائباً.
أما حزب الرفاه الجديد الذي خاض الانتخابات للمرة الأولى، فكان من أبرز الفائزين بالانتخابات، وجعل التحالف الجمهوري يستعيد بعض خسائره محققاً 5 مقاعد برلمانية، بعد حصوله على 2.82% من الأصوات، حيث فاز 3 نواب لديه في إسطنبول، ونائب واحد في كل من قونية وولاية قوجا إيلي، وقد يكون الحزب الإسلامي المقبل في البلاد في حال استمر حزب العدالة والتنمية بالتراجع.
الحزب الرابع في التحالف كان حزب الوحدة الكبرى، ولم يحقق أي مقعد في البرلمان، وحصل على أقل من 1% من الأصوات، فيما تمكن حزب هدى بار الكردي الإسلامي من دخول البرلمان في التحالف بقوائم حزب العدالة والتنمية، وحقق 3 مقاعد برلمانية، وأيضاً حصل حزب اليسار الديمقراطي على 3 مقاعد من قوائم العدالة والتنمية.
لماذا خسر العدالة والتنمية مقاعد؟
وخسر العدالة والتنمية 28 مقعداً، بواقع مقعد واحد في ولايات عديدة، منها ولاية هكاري ذات الغالبية الكردية. ويعتقد مراقبون أن سبب ذلك هو التحالف مع حزب هدى بار، الذي يعتقد أنه امتداد لتاريخ سيئ في المناطق الكردية قبل عقود باسم "حزب الله"، وكذلك في المناطق الغربية ذات الأغلبية العلمانية وفي المدن الكبرى، ويعود ذلك لعدم الرضا على الأداء الاقتصادي الحكومي في السنوات السابقة.
وبحسب صحيفة "حرييت"، يعتقد حزب العدالة والتنمية أن اختيار مرشحين بشكل خاطئ، وعدم نشاط بعض التشكيلات الحزبية بشكل جيد، ساهما في هذا التراجع، ويجري العمل على تلافي ذلك، فيما لم يتمكن حزب العدالة والتنمية منذ تأسيسه من الفوز في ولاية تونجلي.
وخسر حزب العدالة والتنمية بعض المقاعد في الشمال، أي منطقة البحر الأسود، وخاصة في ولاية ريزة التي ينتمي الرئيس أردوغان إليها، حيث تمكن حزب الشعب الجمهوري من الفوز بمقعد من هذه الولاية بعد فشله منذ سنوات في الحصول على مقاعد فيها. وبشكل عام، هناك انخفاض ملحوظ في أصوات العدالة والتنمية، لكن كثرة الدوائر لم تظهر أنّ منطقة محددة خسرها الحزب، بل قُيّمت على أنها خسارة في عموم تركيا.
تحالف الشعب
على صعيد المعارضة، رفع حزب الشعب الجمهوري أصواته في انتخابات الأحد إلى 25.33% وحصل على 169 مقعداً، بعد أن كانت الأصوات في العام 2018 تبلغ 22.65% بواقع 146 نائباً في البرلمان. ورغم هذا الرقم الكبير، إلا أنّ عدد نواب حزب الشعب الجمهوري انخفض، حيث خاضت 5 أحزاب الانتخابات بقوائم الحزب، وكانت هناك قوائم مشتركة، ولدى بقية الأحزاب 39 نائباً من بينهم، ما يجعل عدد نواب الشعب الجمهوري ينخفض إلى 130 نائباً.
وحصل حزب دواء على 14 نائباً من قوائم الشعب الجمهوري، وحصل حزب السعادة على 10 مقاعد، وكذلك حزب المستقبل على 10 مقاعد، فيما حصل الحزب الديمقراطي على 3 مقاعد، ومقعد واحد لحزب التغيير، ومقعد واحد لحزب الجيد بفضل القوائم المشتركة في بعض الولايات.
أما الحزب الجيد فقد حافظ على أصواته، حيث كان قد حصل في العام 2018 على 9.96% من الأصوات بواقع 43 نائباً، فيما حصل في هذه الانتخابات على 9.69% من الأصوات بواقع 44 مقعداً.
تحالف الجهد والحرية
وعلى صعيد تحالف الجهد والحرية الذي يقوده حزب الشعوب الديمقراطي الذي خاض الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر، فقد شهد الحزب انخفاضاً في أصواته، حيث كان حزب الشعوب قد حقق في العام 2018 نسبة 11.70% من الأصوات بواقع 67 نائباً، فيما حصل حزب اليسار الأخضر الأحد على 8.81% من الأصوات بواقع 61 نائباً برلمانياً.
أما حزب العمل الذي خاض الانتخابات في هذا التحالف وحده من دون الدخول في قوائم اليسار الأخضر، فتمكن من الفوز بأربعة مقاعد برلمانية بعد أنّ حصل على 1.73% من الأصوات، ليبلغ إجمالي عدد مقاعد التحالف الكردي 65 مقعداً، فيما حصل حزب العمل على مقاعد من حزب اليسار الأخضر.
البرلمان الجديد
في تركيبة البرلمان الجديد والأسماء التي دخلت، تسجّل ملاحظة دخول ابن رئيس بلدية أنقرة السابق مليح كوغجك (ويدعى عثمان غوكجك) البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، فيما فشل رئيس بلدية أغري المستقيل عن حزب العدالة والتنمية، سافجي سايان، من دخول البرلمان، حيث كان مرشحاً عن ولاية إزمير.
كما فشل حزب النصر القومي العنصري في دخول البرلمان، وفقد النائب أوميت أوزداغ (زعيم الحزب) مقعده، رغم أنّ تحالفه، تحالف "أتا" للانتخابات الرئاسية (سنان أوغان)، تمكن من الفوز بـ5.2% من أصوات الانتخابات الرئاسية، كما فشل حزب الوحدة الكبرى من دخول البرلمان، ورئيسه مصطفى دستجي حليف أردوغان في التحالف الجمهوري، بعد أن رفض الدخول في قوائم حزب العدالة والتنمية للانتخابات.
وعلى صعيد المشاهير، فشل الممثل محمد أصلان توغ في دخول البرلمان عبر حزب العمل، فيما تمكن الممثل باهدر يني شهرلي أوغلو، الذي اشتهر بدور تحسين باشا في مسلسل عبد الحميد الثاني، من دخول البرلمان عن حزب العدالة والتنمية عن ولاية مانيسا. وتمكنت عارضة الأزياء السابقة سدا صاري باش من دخول البرلمان عن حزب العدالة والتنمية عن ولاية آيدن، ونجح الملحن والمؤلف الموسيقي يوجل آرزن في الانتخابات عن حزب العدالة والتنمية في إسطنبول، كما تمكن المدرب الكروي أونال كارمان من دخول البرلمان عن الحزب الجيد في ولاية قونية.
وفي ما يخص التمثيل النسائي في البرلمان، فقد تمكنت 121 سيدة من حجز مقاعد لها في البرلمان، في وقت تمكن فيه 479 نائباً من دخوله. وأكثر حزب استطاع أن يمثل النساء في البرلمان هو حزب العدالة والتنمية بفوز 50 نائبة، فيما ساهم حزب اليسار الأخضر بدخول 30 نائبة، و30 من حزب الشعب الجمهوري، و6 من قبل الحزب الجيد، و4 من حزب الحركة القومية، ونائبة عن حزب العمل.
وللبرلمان صلاحيات عديدة قد تعرقل عمل الرئيس القادم، منها الذهاب للانتخابات المبكرة، ورفض المراسيم الرئاسية، وتدافع المعارضة عن النظام البرلماني المعزز، وتدعو لاعتماده لتكون مقاليد الأمور بيد البرلمان، ومنها الموافقة على تشكيل الحكومة، ورفع الثقة عنها ومحاسبتها، وأنّ تكون السلطة التنفيذية بيد رئيس الوزراء.
ويقول المرشح البرلماني عن حزب "الرفاه الجديد" عبد الله جاهد دينج، في حديث مع "العربي الجديد"، إنهم راضون عن نتائج الانتخابات، مضيفاً: "كما قال الرئيس أردوغان، نحن نرتهن للديمقراطية ورأي الشعب. حزب الرفاه يؤمن بنتيجة الانتخابات، لأن تركيا دولة ديمقراطية. والشعب التركي قرر أن يبقي هذه النتيجة للجولة الثانية، ونتمنى أن يحقق أردوغان النتيجة المطلوبة".
وحول نتيجة الحزب في الانتخابات التشريعية، قال المرشح البرلماني: "فزنا بالانتخابات البرلمانية والرفاه حصل على 5 نقاط في البرلمان. وهي نتيجة مهمة".
لكن الباحث أوزجان أويصال يقول إنّه "رغم حصول أردوغان على نسبة أكثر من منافسه بمليونين ونصف مليون صوت، إلا أن نسبة حزبه في الانتخابات البرلمانية هبطت إلى 35 بالمائة من 42 بالمائة، وإن كان قد حصل على الأغلبية".
كيف كان أداء هيئة الانتخابات التركية؟
تأخرت هيئة الانتخابات التركية في إعلان نتيجة التصويت عن الموعد الذي أعلنته سابقاً، حيث كان رئيس الهيئة أحمد ينار قد قال إنّ الإفصاح عن النتائج سيكون مساء يوم الأحد، لكن الإعلان جاء بعد مرور أكثر من 24 ساعة.
ويقول مراقبون إنّ الهيئة تأخرت في فرز صناديق الاقتراع، كما أنها "لم تتعامل بشفافية مع أخبار النتائج".
وأوضح مراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا أن "الهيئة أظهرت أنها لا تتمتع بالشفافية في إدارتها الانتخابات"، وأن التغطية الإعلامية الحكومية المنحازة للانتخابات "تعد مبعث قلق". لكن الباحث أوزجان أويصال يقول إن "الهيئة كانت شفافة، لكنها تباطأت في العمل"، مضيفاً: "عمداً أو بتدخل، لا نعلم، لكن عملها كان شفافاً".
وتعقيباً على نتائج الانتخابات، قال الكاتب والباحث في مركز "سيتا" للدراسات في تركيا عمر أوزكزلجك، لـ"العربي الجديد"، إنّ "أهم نتائج الانتخابات هو فشل شركات استطلاع الرأي وفشل الرأي العام العالمي في تقديرها أن أردوغان سيخسر، فقد حقق نتيجة عالية وكاد يحسم الانتخابات، أما كلجدار أوغلو فبقي تحت التوقعات رغم كثرة دعم الأحزاب السياسية وقلة المرشحين، فلم يصل إلى 45%، وبالتالي فهذا يعتبر فشلاً له، كما أنّ وصول أوغان إلى هذه النسبة أدى لانتقال الانتخابات إلى مرحلة ثانية، ولولا ذلك، لانتهت الانتخابات من الجولة الأولى".
وأضاف: "على صعيد الانتخابات البرلمانية، حافظ التحالف الجمهوري على الأغلبية، وما يلفت النظر هو حصول حزب الشعب الجمهوري على نسبة عالية من الأصوات والنواب، لكن 39 نائباً ليسوا من الحزب، بل من أحزاب أخرى خاضت الانتخابات عبره، وما جلبوه من نسبة مقارنة بما حصلوا عليه هو أقل من 1% من الأصوات، وهو ما يعني أن هناك مشكلة كبيرة يعيشها الحزب، ومن المحتمل أن تقود الجولة الثانية لانتهاء حياة كلجدار أوغلو السياسية".
وتابع: "البرلمان الجديد فيه تنوع كبير، وضمنه حزب الرفاه، وسيكون الحزب الإسلامي الجديد في البلاد أيضاً، وهو ممثل الرؤية الوطنية، وبنفس الشكل، فقد دخل حزب هدى بار إلى البرلمان، وبالتالي هناك حزبان كرديان، ومع انخفاض العتبة البرلمانية من 10% إلى 7%، انخفضت أصوات حزب اليسار الأخضر الذي كان يشكل ثالث أكبر الأحزاب في البلاد، حيث انخفض إلى المرتبة الخامسة، وحزب العمل أيضاً تمكن من دخول البرلمان، وهو نجاح كبير له، ولكن بشكل عام، كان أداؤه مع حزب اليسار الأخضر أقل من المتوقع".
وختم بالقول: "أكبر حزب كان أداؤه مميزاً وحقق نجاحاً من دون شك هو حزب الحركة القومية، الذي كانت تظهر استطلاعات الرأي أنه سيحصل على أقل من 7%، لكنه حصل على أكثر من 10%، وهو نجاح غير متوقع، فيما الحزب الجيد حافظ على أصواته وسجل تراجعا طفيفا، وفي المحصلة، فإن الشعب إلى جانب التحالف الجمهوري في البرلمان، فيما وقعت المعارضة في خطأ اختيار كلجدار أوغلو في الانتخابات ضد أردوغان".
من ناحيته، قال المحلل السياسي محمد جيرين، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الانتخابات البرلمانية خالفت التوقعات وشكلت خيبة أمل كبيرة للمعارضة، التي كانت تنوي تغيير النظام الرئاسي في البلاد والعودة إلى النظام البرلماني، فأولى خطوات تحالف الشعب وأهدافه باءت بالفشل حتى لو فشل التحالف في الانتخابات الرئاسية".
وأضاف أنّ "على الأحزاب الكبرى مراجعة نفسها، وعلى رأسها حزب العدالة والتنمية، لأن أصواته انخفضت بشكل كبير وملحوظ، وهذا يدل على نقمة الشعب على الحزب، وهناك تفريق بين شخص الرئيس أردوغان وأداء الحزب السياسي وعناصره وقياداته، وكذلك الحزب الجيد وحزب الشعب الجمهوري، وأعتقد أنه عقب الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، سنجد انشقاقات وتغييرات وميلاد أحزاب جديدة بناء على هذه النتائج".