استمع إلى الملخص
- **ضعف الدعاية الانتخابية والاعتماد على الشخصيات**: الأحزاب تفتقر إلى الصبغة البرامجية وتعتمد على الشخصيات واللافتات التقليدية، مما يعكس عدم نضج الفكرة الجماعية في العمل السياسي.
- **الحاجة للعمل الجماعي وتحديات التغيير**: التحديث السياسي يهدف لتعزيز العمل الجماعي، لكن الأحزاب الجديدة تفتقر إلى الجذور التاريخية، مما يتطلب تقديم برامج حقيقية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
لا تزال القوائم الحزبية العامة والقوائم المحلية، وهي تستعد لانتخابات مجلس النواب الأردني في العاشر من سبتمبر/ أيلول الحالي، رهينة الذهنية القديمة القائمة على الاهتمام والتركيز على الأفراد والأشخاص في تقديم نفسها للناخبين. وتغيب البرامج عن الحملات الانتخابية في الأردن بينما تحضر الشعارات العامة، ما سينعكس على مشاركة الأردنيين في الانتخابات المقبلة، والتي ستكون بمثابة استفتاء على منظومة التحديث السياسي في المملكة أخيراً. ويمنح ذلك التحديث الأحزاب إمكانية فرض نفسها في المعادلة السياسية، إذ يخصص للأحزاب في الانتخابات النيابية للعام الحالي 41 مقعداً، أي نسبة 30% من مقاعد مجلس النواب المكوّن من 138 مقعداً، وسترتفع هذه النسبة في المجلس اللاحق إلى 50%، وإلى 65% في المجلس الذي يليه.
ولم تظهر الأحزاب السياسية خلال الحملات الانتخابية في الأردن بالشكل المطلوب من ناحية الصبغة البرامجية، والتي هي أساس قيام الأحزاب. وتغيب القضايا المتعلقة بقضايا الأمة، خصوصاً عن القوائم المحلية وبعض القوائم الحزبية. كما يظهر أيضاً ضعف الدعاية الانتخابية المعتمدة بشكل كبير على اللافتات التقليدية وصور المرشحين الفردية التي تغزو الشوارع وأعمدة الإنارة وإشارات المرور. وبحسب الهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، فإن عدد القوائم والتحالفات الحزبية التي تقدمت بطلبات الترشح في الدائرة العامة يبلغ 25 قائمة، تضم 697 مرشحاً ومرشحة، تمثل 36 حزباً من أصل 38 حزباً مسجلاً، فيما يبلغ عدد القوائم المحلية 172، وعدد مرشحيها 937.
واقع الحملات الانتخابية في الأردن
وحول الحملات الانتخابية في الأردن وظاهرة غياب القضايا العامة عنها، يقول عضو اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية إبراهيم البدور، لـ"العربي الجديد"، إن "فكرة تطوير المنظومة السياسية بُنيت على العمل الجماعي، فالعمل خلال الفترات السابقة في مجلس النواب كان فردياً، والنائب الفرد لا يستطيع التغيير دون أن يكون هناك عمل جماعي". ولهذا، وفق البدور، "أجريت تغييرات على النظام الداخلي لمجلس النواب لخلق تكتلات، لكنها لم تف بالغرض"، موضحاً أن "هذه الكتل متحركة، فأعضاؤها لا يرتبطون بمبدأ فكري أو سياسي موحد، بل ما تجمعهم هي الصداقة، أما عند التصويت فهم غير منسجمين". ويضيف: "اليوم جرى العمل على هذه التكتلات قبل الانتخابات من خلال المنظومة الحزبية والتوافق الفكري، لتصبح مقاعد القوائم العامة للأحزاب وليس للأفراد، ما يعني أن جميع نواب الحزب في الفترة المقبلة سيكون لهم موقف موحد من أي قضية يجرى التصويت عليها".
ويرى البدور أن واقع الحملات الانتخابية في الأردن من "انتشار صور المرشحين وغياب الشعارات وصور القوائم العامة، يكشف أن الفكرة غير ناضجة، خصوصاً أن العديد من الأحزاب جديدة، وعمرها لا يتجاوز العامين، وهي في المرحلة الأولى من العمل السياسي الجماعي"، ويشير إلى أن "فكرة العمل الجماعي ستتبلور أكثر خلال عامي 2028 و2032، لذلك جاء تطوير المنظومة السياسية تدريجياً عبر إعطاء الأحزاب في المرحلة الأولى 30% من المقاعد، حتى تنضج التجربة".
إبراهيم البدور: معظم الأحزاب تعتمد على الشخصيات داخل الحزب أكثر من البرامج
وبحسب البدور، فإن "إعطاء الأحزاب هذه النسبة من المقاعد فكرة نبيلة، لكن تطبيقها على الأرض لم يرق لتحقيق الأهداف الأساسية لتطوير وتحديث المنظومة السياسية، فالأحزاب بغالبيتها تعتمد على الشخصيات التي تنتمي للحزب أكثر من البرامج"، مضيفاً أن "قلة من الأحزاب وضعت برامج حقيقية". ويقول إن "الأردنيين خلال 35 سنة اعتادوا على أسلوب سياسي واحد، فيما تغيير المنظومة السياسية يحتاج إلى الكثير من الوقت". ويعتبر البدور أن "تقليص المقاعد المحلية، ومنح جزء أكبر للمقاعد الحزبية، سيساعد على ترسيخ العمل الجماعي"، مرجحاً "تخصيص مقاعد في الدوائر المحلية لتكون باسم الأحزاب خلال الانتخابات في الأعوام المقبلة". ويعزو البدور محدودية الشعارات المتعلقة بقضايا الأمة خلال الحملات الانتخابية في الأردن "إلى أن أغلب الأحزاب الجديدة محلية، وشعاراتها داخلية ولا امتدادات خارجية لها، فيما الأحزاب القديمة هي أحزاب أردنية لها امتدادات فكرية خارجية قومية أو اشتراكية وإسلامية".
بدوره، يقول مدير مركز الحياة – راصد لمراقبة الانتخابات، عامر بني عامر، لـ"العربي الجديد"، إنه "بالعودة إلى فكرة التحديث السياسي فإنها أقرت على ثلاث مراحل، ابتداء من 30% في المجلس النيابي المقبل ثم بـ50%، وصولاً إلى نسبة 65% خلال السنوات العشر المقبلة". ويضيف أن "هذا يعني أن المشرع وصاحب القرار مدركان للحالة الفردية التي هي السمة الغالبة على العمل السياسي في الأردن، وهذا له تبعات وأسباب وارتباط بإرث تاريخي".
الحاجة للعمل الجماعي
ويشير بني عامر في إطار الحملات الانتخابية في الأردن إلى أن "الأحزاب الأردنية، حتى الأيديولوجية والتاريخية منها، شهدت دائماً انشقاقات وانسحابات بعد انتخاب الأمين العام، فالفردية تحضر في الكثير من الأحيان، وهو ما انعكس على واقع الانتخابات والدعاية الانتخابية". ويرى أنه "حالياً هناك بعض العمل الجماعي، ولكنه ليس السمة الغالبة، وهذه خطوة أولى نحو العمل السياسي الجماعي في البلاد".
عامر بني عامر: بعد الانتخابات سيكتشف المرشحون أن النجاح يكمن بالاعتماد على طرح الأفكار
ويعتبر بني عامر أن "الكتل الحزبية في البرلمان المقبل ستتناغم إلى حد ما، وستقدم نموذجاً للانتقال إلى المرحلة الثانية، لمزيد من العمل الجماعي والتخلص من الفردية بالتدريج"، موضحاً أنه "بسبب الفردية كانت الكتل البرلمانية في مجالس النواب السابقة هلامية، ما انعكس على ضعف الرقابة والتشريع". ويعزو بني عامر "غياب البرامج ضمن الحملات الانتخابية في الأردن واعتماد المرشحين على تعليق صورهم في الكثير من الأحيان دون شعارات، إلى أسباب تاريخية، واعتماد المرشحين على أسمائهم وعلاقاتهم الشخصية والاجتماعية والعشائرية والجغرافية للوصول إلى المجلس". لكن بعد الانتخابات، يقول بني عامر إن المرشحين "سيكتشفون أن الاعتماد على نشر الصور وإنفاق أموالهم على هذه الدعاية بلا فائدة، وأن من اعتمدوا على طرح الأفكار هم الأكثر حظاً بالنجاح".
ووفق بني عامر، فإنّ تراجع الشعارات القومية والوطنية المتعلقة بقضايا الأمة يعود إلى "إدراك المواطن الأردني أن مجلس النواب غير قادر على إحداث تغيير في السياسة الخارجية، وقناعته أيضاً أن خيارات الأردن محدودة، وهذا ينعكس على المرشحين"، مضيفاً أن "القُطرية أصبحت حالة عامة في الوطن العربي والأردن ليس استثناء".
محمد سويدان: غياب الأفكار العميقة يعود إلى أن أغلب الأحزاب من دون امتداد تاريخي
من جهته، يقول الكاتب الصحافي الأردني محمد سويدان، لـ"العربي الجديد"، إن "الدعاية الانتخابية الحالية قديمة عفا عليها الزمن ولم تراع التطورات التكنولوجية، وأغلب المرشحين اعتمدوا على صورهم وأناقتهم دون تقديم أفكار وبرامج". ويعتبر أن "الناخب اليوم واع ويريد برامج تقنعه وتتلاءم مع أفكاره، ولا يريد مرشحاً صاحب مال، وخالياً فكرياً"، مضيفاً أنه "للأسف هناك بعض المرشحين يعتقدون أنهم بتقديم المصالح ومحاولة شراء الأصوات سيصلون إلى البرلمان دون تقديم برامج". ويلفت سويدان إلى أن "الاعتماد خلال الحملات الانتخابية في الأردن على إظهار الصور دون تقديم الأفكار، يدل على أن هذه الأحزاب والقوائم بلا برامج حقيقية".
ويشير سويدان إلى أن العديد من برامج الأحزاب "غير الأيديولوجية" تتشابه في الأفكار وتختلف بالأسماء، وأحياناً "تشعر أنها قص ولصق، لكن طبعاً هناك استثناءات". ويرى أن "غياب الأفكار العميقة يعود إلى أن أغلب الأحزاب تشكلت حديثاً لخوض الانتخابات النيابية، لكنها من دون امتداد تاريخي". ويقول إن هذه الأحزاب تعتقد "أن صوراً لمرشحة جميلة أو صورة أنيقة لمرشح ستجلب الأصوات"، لافتاً إلى أن "أغلب اللقاءات الجماهيرية للمرشحين والأحزاب لا تخاطب العقل بل تتجه لعاطفة المواطن، وتقديم الولائم للحضور في المهرجانات الانتخابية، وهي محاولات لكسب الأصوات بطرق غير سليمة". ويقول إن "مشاركة الأردنيين في الانتخابات السابقة لم تتجاوز 30%، وهذه الدعاية (الحالية) ربما ستساعد بعزوف الكثير من الأشخاص عن المشاركة بالانتخابات، وربما ستكون نسبة المشاركة متدنية بسبب عدم تقديم برامج تدفع الناخب للذهاب إلى صناديق الاقتراع".
وبرأي سويدان، فإن "غياب الشعارات المتعلقة بقضايا الأمة تعود لحداثة الكثير من الأحزاب وعدم وجود جذور حقيقية لها بين المواطنين، فيما بعض القوائم والأحزاب ترى أن الوصول لصوت المواطن لا يحتاج إلى هذه المواقف". ويستدرك بأنه في المقابل "هناك بعض الأحزاب اتخذت مواقف واضحة من العدوان على الشعب الفلسطيني وتصطف مع قضايا الأمة، خصوصاً أن جل المواطنين الأردنيين يعتبرون ما يحدث في غزة وفلسطين قضيتهم". ويتابع: "للأسف فإن وضع الحريات في الأردن صعب، ونسبة كبيرة من الشعب الأردني تعاني اقتصادياً، وهذه القضايا وعدم التركيز عليها نقطة سلبية في صفحات الأحزاب والمرشحين". ويضيف أن "الكثير من الناخبين لن يصوتوا فقط لابن العشيرة أو المنطقة، بل للمرشح الذي يهتم بقضاياهم ويتماثل معهم فكرياً".