رغم مضي 4 سنوات على آخر معارك تنظيم "داعش" الكبرى في منطقة الباغوز شرقي سورية، والتي من المفترض أنها شكّلت الضربة القاصمة للتنظيم، إلا أنه لا يكاد يمضي يوم، من دون أن يكون للتنظيم عمليات في مناطق شرقي سورية، سواء ضد قوات النظام السوري والمليشيات الداعمة لها، أو ضد "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) أو حتى ضد المدنيين، خصوصاً رعاة الماشية وجامعي الكمأة في البادية السورية.
وفي آخر هذه الهجمات، قتل عنصر من "قسد"، أمس الأول الخميس، برصاص مسلحين مجهولين يستقلون دراجة نارية، يرجح تبعيتهم للتنظيم في مدينة البصيرة بريف دير الزور الشرقي.
هجمات "داعش" ضد "قسد"
ووفق إحصائيات المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد قام التنظيم بـ47 عملية ضمن مناطق سيطرة "قسد" منذ مطلع العام الحالي، عبر هجمات مسلحة وتفجيرات، بلغت حصيلتها 34 قتيلاً، هم 26 من "قسد" بفروعها وتشكيلاتها العسكرية والأمنية المختلفة، و6 مدنيين، إضافة إلى عنصرين من التنظيم. وشهدت محافظة دير الزور أغلب هذه العمليات، ثم محافظة الرقة، إضافة إلى ريفي حلب والحسكة.
أبو عمر البوكمالي: الوجود الأقوى للتنظيم هو في مناطق سيطرة النظام في البادية
كما تطاول العمليات قوات النظام السوري والمليشيات المدعومة من إيران، إذ قُتل عنصران، أحدهما برتبة ملازم من "لواء القدس"، وأصيب ثلاثة، جراء اشتباك مع خلايا تنظيم "داعش" في قرية آرك بريف تدمر. وجرى نقل المصابين إلى مستشفى حمص العسكري لتلقي العلاج، ليرتفع عدد قتلى "لواء القدس" إلى 9 عناصر في أقل من 72 ساعة.
وكان 5 من عناصر "لواء القدس" قتلوا أيضاً قبل أيام جراء انفجار لغم أرضي بسيارة تقلهم، يُرجح أنه من مخلفات تنظيم "داعش"، وذلك خلال مشاركتهم بعملية تمشيط في منطقة الشعرة بجبل العمور، في بادية تدمر بريف حمص الشرقي، فضلاً عن مقتل عنصرين آخرين من اللواء نفسه خلال اشتباكات مع عناصر التنظيم في جبل المراح شرقي المحطة الثالثة ضمن بادية السخنة بريف حمص الشرقي.
وتسيطر الفصائل الموالية لإيران وقوات النظام السوري على مناطق واسعة من البادية السورية وريف دير الزور بعد طرد "داعش" منها عام 2017.
ووفق إحصائيات المرصد السوري، بلغت حصيلة القتلى خلال العمليات العسكرية ضمن البادية السورية منذ مطلع العام الحالي، 119 قتيلاً، منهم 108 من قوات النظام والمليشيات الموالية لها، قُتلوا في 59 عملية لعناصر التنظيم ضمن مناطق متفرقة من البادية، تمت عبر كمائن وهجمات وتفجيرات في غرب الفرات وبادية دير الزور والرقة وحمص والسويداء وحماة وحلب، إضافة إلى مقتل 11 من عناصر التنظيم خلال الاشتباكات مع قوات النظام والقصف الجوي الروسي لمناطق في بادية حمص والسويداء وحماة والرقة ودير الزور وحلب. كما قُتل 112 مدنياً في هجمات للتنظيم في البادية السورية، وفق المرصد.
كما يعد التنظيم متهماً رئيسياً في عمليات اختطاف عشرات المدنيين والعسكريين ممن يعملون بجمع ثمرة الكمأة في مناطق متفرقة من البادية، خصوصاً منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، فيما تدور شبهات حول مسؤولية محتملة لبعض المليشيات المرتبطة بإيران المنتشرة في تلك المناطق.
ويعتبر قطاف الكمأة من الأنشطة الموسمية الزراعية المهمة في مناطق كثيرة من سورية، ومصدر رزق للعديد من العائلات، خصوصاً التي تسكن في مناطق البادية، رغم المخاطر الجمة التي يتعرضون لها، بما في ذلك انفجار الألغام.
مناطق تمركز عمليات "داعش"
وتتركز عمليات التنظيم بشكل رئيسي في بادية حمص الشرقية، وبادية محافظة دير الزور، ثم في باديتي حماة والرقة، وتستهدف خصوصاً العناصر المشاركين في الحملات الأمنية التي تقوم بها قوات النظام والمليشيات الموالية لها في عمق البادية، وسط تراجع كبير في الغارات الجوية الروسية على مناطق انتشار التنظيم في البادية منذ بدء الحرب الروسية في أوكرانيا.
أبو محمد التدمري: خلايا التنظيم ينتشرون على مساحة نحو 4 آلاف كيلومتر مربع
وقال الناشط أبو عمر البوكمالي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن هناك عدة مناطق بين سورية والعراق تشكل مرتكزات لتحرك عناصر التنظيم، أولها على الحدود السورية - العراقية ضمن مناطق سيطرة "قسد" من جهة مناطق فليطح والباغوز والحريجي والسجر، وفي هذه المنطقة، تكون علاقتهم مع عناصر التنظيم في العراق، خصوصاً بادية الأنبار التي تشكل امتداداً لبادية تدمر. أما في مناطق ذيبان والزر وسويدان، فإن علاقة عناصر التنظيم تكون مع قوات النظام، وثمة تواصل بين الطرفين، وتعاون في بعض الأحيان.
وأضاف البوكمالي أن الوجود الأقوى للتنظيم هو في مناطق سيطرة النظام في البادية السورية الواسعة جداً، والممتدة من جبل عبد العزيز إلى ريف دير الزور الشرقي، وهي مناطق جبلية وعرة، وصولاً إلى الرقة، وباتجاه السخنة وتدمر، وهذا خط إمداد رئيسي للتنظيم، رغم انتشار المليشيات الإيرانية في المنطقة، مثل "فاطميون" و"النجباء".
وبشأن نشاط التنظيم في باديتي الميادين والبوكمال، أوضح البوكمالي أن عناصر التنظيم يحضرون من مناطق البادية وليس لهم مواقع ثابتة في هاتين المنطقتين، حيث ينفذون عمليات ثم يغادرون، لكنْ لهم مغر وكهوف يحتمون بها خلال وجودهم، ولا أحد يحاول اعتراضهم، كما قال.
من جهته، ذكر الناشط أبو محمد التدمري، لـ"العربي الجديد"، أن خلايا التنظيم ينتشرون على مساحة نحو 4 آلاف كيلومتر مربع، بين منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرقي تدمر، والريف الغربي من بادية دير الزور، إضافة إلى بادية السخنة، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء في الجنوب الشرقي.
البادية قاعدة خلفية لـ"داعش"
وأوضح أن التنظيم يستخدم مناطق عدة لدعم عملياته، وفي حين تعتبر البادية السورية هي القاعدة الخلفية لتلك العمليات، فإن أنصار التنظيم يجمعون التمويل والإمدادات من مناطق الشمال الشرقي الواقعة تحت سيطرة "قسد"، باستخدام أساليب الترغيب والترهيب، وشن هجمات على قوات الأمن ووجهاء القبائل، لإضعاف ثقة المجتمع المحلي بهم. أما مناطق المعارضة في الشمال والشمال الغربي، فكثيراً ما يستخدمها "داعش" كمخابئ لقادته البارزين، حيث قتل اثنان من قادة التنظيم في تلك المناطق.
وأضاف أن منطقة البادية الواقعة تحت السيطرة الشكلية لقوات النظام والمليشيات الموالية لإيران، باتت المنطلق الرئيسي لعناصر "داعش" في شرقي سورية، حيث ينتشر عناصر التنظيم هناك بكثافة على شكل أفراد وخلايا نائمة، ويشنون عمليات كلما تسنح لهم الفرصة، لافتاً إلى أنه من غير المستبعد أن تكون هناك جهات أخرى تقوم بعمليات التصفية للمدنيين، خصوصاً جامعي الكمأة لأسباب مختلفة.
وفي مواجهة هذه الأنشطة المتزايدة للتنظيم، تعتمد الولايات المتحدة التي تنشر قوات محدودة في شرقي سورية، على استراتيجية الضربات الجوية والعمليات الخاطفة بمشاركة من "قسد"، وذلك بهدف قتل أو اعتقال شخصيات مهمة في التنظيم.
وأعلنت القيادة المركزية الأميركية (سينتكوم)، الإثنين الماضي، أن قواتها قتلت قيادياً بارزاً في التنظيم، هو خالد أحمد الجبوري، وكان مسؤولاً عن التخطيط لهجمات "داعش" في أوروبا وتطوير هيكلة التنظيم، وفق ما ذكرت، معتبرة أن مقتله "سيعطل مؤقتاً قدرة التنظيم على التخطيط لهجمات خارجية".
وقبل أيام، ذكرت "سينتكوم" أنها نفذت 37 عملية ضد "داعش" في سورية والعراق خلال شهر مارس/ آذار الماضي، أسفرت عن مقتل تسعة عناصر من التنظيم، واعتقال 18 آخرين، مشيرة إلى أن عملياتها في سورية بلغت 9، كانت جميعها مشتركة مع قوات "قسد"، وأسفرت عن مقتل عنصرين من التنظيم، واعتقال 11 آخرين. من جهته، تبنى التنظيم، عبر معرفه الرسمي في "تيليغرام"، ثماني عمليات بين 31 مارس الماضي وحتى 5 الشهر الحالي.