الانتقام من الرقة... جحيم من السماء والأرض

19 نوفمبر 2015
لا يزال "داعش" يسيطر على الرقة (عبدالله الشام/فرانس برس)
+ الخط -

لم يتأخر الرد الفرنسي بعد الهجمات التي أدت إلى مقتل وإصابة العشرات من الفرنسيين في باريس والتي أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) مسؤوليته عنها، وجاء الرد بقصف طائرات حربية فرنسية لمواقع التنظيم في مدينة الرقة، المعقل الأبرز لـ"داعش" في سورية، وبتحريك حاملة طائرات في المتوسط، مع بدء الحديث عن سيناريوهات أخرى، في حين يدفع المدنيون في المناطق المستهدفة الثمن، إذ يسقط عدد منهم قتلى وجرحى، وغالبا ما يبقى عناصر التنظيم في منأى عن الكثير من الضربات بسبب تحصّنهم وتحسّبهم المسبق.

ويسود في مدينة الرقة خوف أجبر العديد من الأسر على النزوح إلى الأرياف، وفق الناشط الاعلامي أبو البتول، الذي يشير في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن القلق والترقّب هو سيد الموقف الآن في مدينة "وجدت نفسها في عين عاصفة تأخذ في طريقها مدنيين لا ذنب لهم"، مؤكداً أن أغلب الأهداف التي تُقصف من مختلف الطائرات أخليت بالفعل من قِبل "داعش" أخيراً، وهو ما أكدته وكالة "أعماق" الإعلامية التابعة للتنظيم.

ويبدي أبو البتول قلقه من "تحوّل الرقة التي تضم أكثر من نصف مليون مدني إلى عين العرب جديدة لجهة الدمار الذي يطال بنيتها ومرافقها، بحيث تتحوّل إلى مدينة مهدمة وخالية من السكان"، مذكّراً بـ"قيام الطيران الأميركي والروسي بتدمير أغلب جسورها المقامة على نهر الفرات الذي يقع على كتفها الأيمن".

وسيطر تنظيم "داعش" على محافظة الرقة السورية بكامل مساحتها البالغة أكثر من 20 ألف كيلومتر مربع (تعد ثالث محافظة سورية من حيث المساحة) في بدايات العام 2014، ومنذ ذلك الحين تُطرح سيناريوهات لاستعادتها ولكن لم يُنفّذ شيء منها، ما عدا القصف الجوي من قِبل طيران النظام السوري والتحالف الدولي والروسي الذي لم يستطع كسر نواة التنظيم حتى الآن، بل استطاع "داعش" التمدّد أكثر في الجغرافيا السورية، إذ استولى على مجمل البادية السورية ومركزها مدينة تدمر واضعاً يده على نحو 80 في المائة من ثروة سورية من البترول والغاز. كما سيطر على مدن هامة في وسط سورية، منها القريتين ومهين، وعلى مواقع في حلب، منها مدرسة المشاة العسكرية الاستراتيجية، أي أن القصف الجوي لم ينجح وفق الكثير من المحللين العسكريين.

ويقول أحد الناشطين، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، إن الرقة "تُذبح أمام مرأى العالم ومسمعه، وتستباح من كل طيران الأرض، ولم يعد أمام الناس إلا الهروب من الموت إلى الموت"، مؤكداً أن التنظيم "لا يزال حتى الآن يفرض سيطرة مطلقة على الأرض، ولم تؤدِ الضربات إلى إضعاف قدراته"، مشدداً على أن المدنيين في الرقة باتوا بانتظار أي حل يُنهي مأساتهم "بشرط ألا يكون النظام السوري جزءاً منه".

اقرأ أيضاً: فرنسا تواصل قصفها لمواقع داعش وتركز على الرقة السورية

وتبرز محاولات عديدة للقضاء على تنظيم "داعش" في الرقة، من أبرزها "قوات سورية الديمقراطية"، و"جيش سورية الجديد".

ودعمت الولايات المتحدة تشكيل جيش يضم فصائل متناقضة بل متنافرة في الغايات والمصالح، أُطلق عليه اسم "قوات سورية الديمقراطية"، وهو يخوض الآن معارك ضد تنظيم "داعش" في ريف الحسكة محاولاً الوصول إلى أبرز معاقله وهو مدينة الشدادي. والأنباء التي ترد تؤكد أن هذا الجيش الوليد يحقق تقدّماً في بلدة الهول ومحيطها، مستفيداً من هزيمة التنظيم في العراق في منطقة سنجار التي لا تبعد كثيراً عن المعارك التي تدور رحاها في الحسكة.

وزودت الولايات المتحدة هذا الجيش بأسلحة نوعية ومستشارين. ويعتبره مراقبون ذراعاً عسكرية تتبع بشكل مباشر لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، التي تريد أن يكون "مخلب قط" للوصول إلى الرقة وهزيمة تنظيم "داعش" في أهم معاقله، قبل الانتقال شرقاً إلى محافظة دير الزور التي يسيطر التنظيم على مجملها، ويحاصر ما تبقى من أحياء المدينة الخارجة عن سيطرته، ويفرض حصاراً جزئياً على مطارها العسكري الذي لا يزال بحوزة قوات النظام.

تضم "قوات سورية الديمقراطية" مليشيات متحالفة مع النظام سراً وعلناً، منها "وحدات حماية الشعب الكردية"، و"قوات الصناديد" التي يقودها الشيخ القبلي حميدي دهام الهادي، المتحالف مع حزب "الاتحاد الديمقراطي"، الذي عيّنه حاكماً شكلياً لما يُعرف بـ"إقليم الجزيرة"، ويشمل محافظة الحسكة، والتي يفرض الحزب سيطرة على أغلب مساحتها.

ولم تُرحب أغلب فصائل الجيش السوري الحر بتشكيل هذا الجيش، بل اعتبره مؤسس الجيش الحر العقيد رياض الأسعد "أداة بيد قوى خارجية غير واضحة المعالم"، لافتاً إلى أن "النظام وراء تشكيل ما يُسمّى جيش سورية الديمقراطية، والدليل وجود مليشيا الصناديد التابعة لمليشياته في تركيبة هذا الجيش".

ومن المحاولات الموجودة أيضاً للقضاء على "داعش"، ما تم الإعلان عنه أخيراً عن تشكيل جيش آخر غايته محاربة التنظيم، واتخذ لنفسه اسم "جيش سورية الجديد"، قوامه 400 مقاتل وهم موجودون في البادية السورية، وفق قائده العقيد المنشق عن قوات النظام خزعل السرحان. وتلقى الجيش تدريبات على أيدي خبراء عسكريين أميركيين في الأراضي الأردنية، وفق مصادر مطلعة، ومن المرجح أن تكون مهمته استعادة السيطرة على محافظة دير الزور.

ويرجّح مراقبون أن الولايات المتحدة تعتمد على هذين الجيشين للتقدّم على الأرض تحت غطاء مكثف من الطيران، كما حدث عندما تقدّمت قوات كردية منتصف العام الحالي إلى مدينة تل أبيض، شمال الرقة، واستطاعت انتزاعها من التنظيم.

اقرأ أيضاً: الردّ الفرنسي على هجمات باريس:الرقة على طريق عين العرب

المساهمون