يُقلّل الكثير من المراقبين والساسة العراقيين من توقعاتهم حيال حجم المشاركة الشعبية في الانتخابات المحلية المقبلة، والمقرر إجراؤها في 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
ويردّ هؤلاء ذلك إلى ما يقولون إنه الاستياء الشعبي العام من الوضع السياسي في البلاد، وانسحاب عدد من القوى السياسية المدنية المهمة في البلاد من المشاركة في الانتخابات، احتجاجاً على آلية الاقتراع والمال السياسي المستخدم من قبل الأحزاب الكبيرة. كما يعزون توقعاتهم بمشاركة ضعيفة في الانتخابات المحلية، إلى وجود أحزاب مدعومة من فصائل مسلحة، وهو ما يتعارض مع قانون الأحزاب في البلاد، إلى جانب استمرار مقاطعة التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، للعملية السياسية ككل في العراق.
انتخابات العراق المحلية: القوى الحاكمة تنافس نفسها
وتتوقع أوساط سياسية أن تكون الانتخابات المحلية المقبلة، الأقل مشاركة، خصوصاً مع تنامي الشعور باللاجدوى منها، وأنها لن تسفر عن أي تغيير على مستوى الخدمات المقدمة، أو إبعاد الأحزاب الكبيرة عن التصرف بالموارد الحكومية. بالتالي فإن ذلك يجعل السباق الانتخابي بين القوى السياسية الحاكمة لوحدها، من دون شرعية وجود القوى الشعبية والاحتجاجية والإصلاحية، وفقاً لمراقبين.
بغداد هي الأقل تحديثاً للبطاقات الانتخابية بين المحافظات
وكشف "المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان" في العراق، وهو مركز معني باستطلاعات الرأي والمسوحات الميدانية، عن نسب مشاركة غير مرتفعة في المحافظات العراقية الـ15 التي ستتم فيها عملية الاقتراع، وذلك بعد إجراء استطلاع لأكثر من 2500 من الناخبين في هذه المحافظات. يذكر أن الانتخابات ستجري في 15 محافظة من أصل 18 في العراق، حيث هناك ثلاث محافظات ضمن إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي غير مشمولة بالانتخابات.
وأشار المركز في بيان إلى أن "هناك عدم رضا من قبل المواطنين على الأحزاب السياسية بشكل عام، فلا بُدّ أن تبحث هذه الأحزاب عن توسيع حظوظها وتحقيق كسب جماهيري لضمان بقائها في السلطة عبر السعي لانتداب ممثلين عنها يتسمون بمقبولية من قبل الناخبين ويمتازون بالمهنية والتخصص والنزاهة وتغليب المصلحة العامة على الخاصة".
قبل ذلك، بيَّنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق، أن "المحافظات التي سجلت أعلى نسبة في تحديث للمواليد الجديدة التي يحق لها المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات كانت محافظة نينوى في المرتبة الأولى، وبعدها كركوك، وأن العاصمة بغداد هي الأقل تحديثاً بشكل عام مقارنة بباقي المحافظات الأخرى". وأكدت أن أكثر من 23 مليون مواطن يحق لهم الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجالس المحافظات العراقية، من بينهم أكثر من 10 ملايين شخص فقط، قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية حتى الآن.
ومن المفترض أن يُشارك في الانتخابات 296 حزباً سياسياً انتظمت في 50 تحالفاً، إلى جانب أكثر من 60 مرشحاً سيشاركون بقوائم منفردة، للتنافس على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات العراقية. وجرى تخصيص 75 منها، ضمن كوتا للنساء، و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية، وفقاً لبيانات رسمية.
امتناع عن تحديث البطاقات الانتخابية
إلا أن مصادر سياسية على تواصل مع مفوضية الانتخابات، أفادت بأن "نسبة تحديث البطاقات الانتخابية أقل من العدد المعلن عنه من قبل المفوضية، لكن الأخيرة كانت تريد تحفيز العراقيين على المشاركة في الانتخابات". وأوضحت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن "النسبة المتوقعة والأقرب إلى الحقيقة هي أن أقل من 30 في المائة ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات، قاموا بتحديث سجلاتهم الانتخابية، في حين أن عدداً كبيراً منهم لن يشارك في الانتخابات".
وأضافت المصادر، أن "البيانات التي تصدر عن مراكز الدراسات والمنظمات المحلية، تتوقع أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات أكثر من 50 في المائة، وقد يكون هذا التوقع صحيحاً، لكنه ليس من النسبة الأصلية لمن يحق لهم المشاركة، بل أنه يتعلق بمن أقدم على تحديث سجله الانتخابي، بالتالي فإن نسبة المشاركة قد تكون 20 في المائة فقط من مجموع العراقيين الذين يحق لهم التصويت". وأشارت إلى أن "المشكلة التي تعاني منها الأحزاب المعروفة بتنظيماتها الملتزمة، أن أفرادها لم يحدّثوا بطاقاتهم وسجلاتهم حتى الآن، وهذا ينطبق على تنظيمات تيار الحكمة برئاسة عمار الحكيم".
عصام حسين: مفهوم العدالة في الحكم غائب تماماً في العراق
وفي السياق، قال الباحث في الشأن السياسي، القريب من "التيار الصدري"، عصام حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "نسب المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة ستكون حتماً ضئيلة، لا سيما أن فرص التنافس فيها غير واردة، خصوصاً أن تحالف الإطار التنسيقي سيتنافس لوحده في هذه الانتخابات، مستغلاً موارد الدولة والمال السياسي والسيطرة على مفوضية الانتخابات". واعتبر أن "الانتخابات المقبلة، ليست مهمة بالنسبة للعراقيين، خصوصاً مع غياب التيار الصدري والأحزاب المدنية المنسحبة أخيراً".
ورأى حسين أن "هدف الانتخابات هو تحقيق العدالة في الحكم، وأن يحكم الفائز بصورة مباشرة مع وجود أطراف أخرى تشارك في الحكم أو تلجأ إلى المعارضة، وهذا المفهوم غائب تماماً في العراق". واعتبر أن "الالتفاف على العملية الديمقراطية الذي حدث في أكتوبر/تشرين الأول 2021، وانسحاب التيار الصدري وهو الفائز في الانتخابات التشريعية، جعل العراقيين يستغربون من الإرادة السياسية الحزبية الموالية للخارج، بأنها تستطيع إزاحة الفائز وتنصيب الخاسر، وهذا يجعل الانتخابات حلقة فارغة على الأقل على المدى المتوسط".
محمد العمر: المجتمع الدولي على علم بالمشاكل التي ترافق الاستعدادات الحالية للانتخابات
من جهته، أشار عضو "ائتلاف الوطنية" (بزعامة أياد علاوي)، محمد العمر، إلى أن "العراقيين يتساءلون، هل الفائز في الانتخابات سيحكم؟ قطعاً الإجابة لا، في ظل وجود السلاح المنفلت والتفاوت الكبير في تمويل الانتخابات ما بين الأحزاب الكبيرة والأحزاب المدنية".
وأوضح العمر لـ"العربي الجديد"، أن "هناك توجهات شعبية رافضة لإعطاء أي شرعية للأحزاب المشاركة في الانتخابات المقبلة، بحجة الديمقراطية، وأن المجتمع الدولي على علم بالمشاكل التي ترافق الاستعدادات الحالية للانتخابات، وهذا يعني أن النظام الحالي مكشوف دولياً وأنه لا يمثل الإرادة العراقية الحقيقية، بل يمثل قوى السلاح المسيطرة على كل مقدرات الدولة".
وستجرى انتخابات مجالس المحافظات العراقية، وفقاً لطريقة "سانت ليغو" التي تعتمد على تقسيم أصوات التحالفات على القاسم الانتخابي 1.7، ما يجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد (المستقلين والمدنيين)، وكذلك الكيانات الناشئة والصغيرة.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي، وستكون هذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/نيسان 2013.