أفرزت نتائج الانتخابات المحلية العراقية، التي جرت الأحد الماضي وأُعلن عن نتائجها رسمياً ليلة أمس الأول الثلاثاء، معادلة جديدة في معظم محافظات العراق، تقضي بضرورة تشكيل تحالفات بين الكتل والأحزاب الفائزة، للوصول إلى عتبة الأغلبية للتصويت على اختيار المحافظ ونائبيه داخل مجلس المحافظة، الذي يقضي الدستور بانعقاده رسمياً بعد المصادقة على النتائج من خلال مجلس القضاء الأعلى بـ30 يوماً فقط.
وبدا واضحاً تأثير غياب "التيار الصدري" وقوى مدنية وازنة عن المشهد الانتخابي، خصوصاً في بغداد وديالى وكربلاء والبصرة وميسان. وصبّ هذا الغياب جنوب ووسط البلاد في صالح "ائتلاف دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي، وتحالف "نبني" الذي يضم عدداً من أجنحة الفصائل المسلحة بزعامة هادي العامري، بينما حصد تحالف "تقدم" بزعامة رئيس البرلمان المقال قضائياً محمد الحلبوسي الصدارة في العاصمة بغداد.
بدا واضحاً تأثير غياب "التيار الصدري" وقوى مدنية وازنة عن المشهد الانتخابي
وتجاهلت مفوضية الانتخابات العراقية الانتقادات الواسعة التي طاولتها نتيجة طريقة احتسابها نسبة المشاركة، التي قالت إنها 41 في المائة بعد قيامها باعتماد النسبة وفقاً لعدد من تسلّم من العراقيين بطاقة الانتخابات، وليس من يحق لهم الانتخابات، وهو ما اعتبر سابقة، إذ إن من امتنع عن تسلّم بطاقته الانتخابية قرر المقاطعة أساساً.
ومن أصل 23 مليون عراقي يحق لهم التصويت اقترع، وفقاً لبيانات مفوضية الانتخابات، نحو 6 ملايين عراقي فقط، لكنها اعتمدت على النسبة المعلنة (41%) وفقاً للأشخاص الذين حدّثوا بياناتهم الانتخابية وتسلموا "البطاقة البيومترية" الخاصة بيوم الاقتراع. وأعلنت المفوضية نتائج نحو 95 في المائة من الأصوات، لكن لا يتوقع أن تؤدي النسبة المتبقية لأي تغييرات جوهرية في النتائج المُعلنة ليلة الثلاثاء الماضي.
القوى والأحزاب الرئيسية استحوذت على أغلب المقاعد
ووفقاً للنتائج فإن القوى والأحزاب الرئيسية في البلاد، استحوذت على أغلب مقاعد مجالس المحافظات، لكن مع فارق بعدد المقاعد التي حققها كل حزب وائتلاف سياسي منها بين محافظة وأخرى.
وتتولى مجالس المحافظات المُنتخبة مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ولها صلاحيات الإقالة والتعيين، وإقرار خطة المشاريع بحسب الموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية في بغداد، وفقاً للدستور العراقي، وهذه أول انتخابات محلية تُجرى في العراق منذ إبريل/ نيسان 2013، والثالثة من نوعها بعد الغزو الأميركي عام 2003.
"تقدم" يحقق المرتبة الأولى في بغداد
وحقق حزب "تقدم"، بزعامة محمد الحلبوسي، المرتبة الأولى في بغداد، يليه بفارق بسيط تحالف "نبني" بزعامة هادي العامري، ثم "دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، تلته أحزاب وقوائم عدة، أبرزها "السيادة" بزعامة خميس الخنجر. وفي كركوك التي شهدت أعلى نسب مشاركة على مستوى العراق، وحازت على استقطاب قومي بين مكوناتها العربية والكردية والتركمانية، فقد حصلت الكتل العربية، التي دخلت في ثلاث قوائم، على 6 مقاعد من مجلس كركوك المنتخب من أصل 16 مقعداً بينما حصل الأكراد على 7 مقاعد والتركمان على مقعدين والمكون المسيحي على مقعد واحد.
وفي نينوى حاز تحالف "نينوى لأهلها"، الذي يضم مكونات مختلفة من أهالي المحافظة يتقدمهم المحافظ السابق نجم الجبوري، على المرتبة الأولى، تلاه أحزاب "السيادة" و"الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الحسم" وقوى أخرى بفارق مقعد أو مقعدين. وفي ديالى حصدت القوى العربية السنّية ممثلة بحزب "تقدم" و"السيادة" و"عزم" و"استحقاق ديالى"، 10 مقاعد من أصل 15، بينما ذهبت 4 مقاعد إلى تحالف "ديالتنا"، المدعوم من "الحشد الشعبي"، ومقعد لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني".
وانحصرت المنافسة في صلاح الدين بين "الجماهير الوطنية"، الذي تصدر أولاً بفارق كبير عن الآخرين وهم "الإطار الوطني" بمقعدين، و"العزم"، و"تقدم"، و"السيادة" بمقعدين أيضاً.
وعلى مستوى المحافظات الأخرى، حصل تحالف "واسط أجمل"، في محافظة واسط، على المرتبة الأولى. وفي محافظة القادسية، حصل تحالف "نبني" على المرتبة الأولى، فيما جاء ائتلاف "دولة القانون" بالمرتبة الثانية. كما حصد تحالف "نبني" المرتبة الأولى في محافظة النجف.
وفي محافظة الأنبار حصل "تقدم" على المرتبة الأولى. أما في كربلاء، فقد حصل تحالف "إبداع كربلاء" على المرتبة الأولى، وتحالف "نبني" على المرتبة الأولى في محافظة بابل.
وفي أقصى الجنوب العراقي بمحافظة البصرة، حصل تحالف "تصميم"، الذي يتزعمه المحافظ الحالي أسعد العيداني، على المرتبة الأولى. أما في محافظة ذي قار، فقد حقق تحالف "نبني" المرتبة الأولى، كما حقق التحالف ذاته المرتبة الأولى في محافظة ميسان، وحقق تحالف نوري المالكي "دولة القانون" المرتبة الأولى في محافظة المثنى.
أبرز الخاسرين في الانتخابات المحلية
وجاء في قائمة أبرز الخاسرين، تحالف "الأساس" الذي يتزعمه رئيس مجلس النواب بالإنابة محسن المندلاوي، وتحالف "قيم" الذي يضم الشيوعيين ومجموعة كيانات من المدنيين والشباب الجدد الذين قرروا المشاركة في الانتخابات، مخالفين بذلك غالبية القوى المدنية الأخرى.
أحمد النعيمي: نتائج الانتخابات أوجدت معادلة غير مريحة للجميع
وعقب إعلان النتائج، رحبت واشنطن بالانتخابات. واعتبرت السفيرة الأميركية في بغداد، ألينا رومانوسكي، أن "الانتخابات الحرة والنزيهة ضرورية للمجتمع الديمقراطي لتحديد مستقبله"، مضيفة: "تسلط انتخابات مجالس المحافظات لهذا الأسبوع الضوء على التزام العراقيين بالديمقراطية، ونتطلع إلى العمل مع القادة المحليين المنتخبين حديثاً؛ لتعزيز الشراكة الأميركية - العراقية الشاملة في جميع أنحاء البلاد". كما اعتبر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، في بيان، إجراء الانتخابات بوصفها "الأمانة"، التي نجحت حكومته في تنفيذها.
وتنافس في الانتخابات المحلية 296 حزباً سياسياً، انتظمت في 50 تحالفاً، على 275 مقعداً هي مجموع مقاعد مجالس المحافظات بشكل عام. وقد جرى تخصيص 75 منها ضمن "كوتا" للنساء و10 مقاعد للأقليات العرقية والدينية في العراق.
ومن المقرر أن تُعلن النتائج بشكل رسمي وتُرسل للمصادقة عليها خلال الأسبوع المقبل، على أن يلتئم شمل مجالس المحافظات العراقية لاختيار محافظ جديد ونائبين اثنين له بعد اختيار رئيس لمجلس المحافظة خلال ثلاثين يوماً فقط من تاريخ المصادقة، بحسب ما نص عليه الدستور النافذ في البلاد.
الجميع سيكون بحاجة الجميع لتشكيل الحكومات المحلية
ووفقاً لخريطة المشهد السياسي الحالي في المحافظات العراقية، من جهة تقارب نتائج الفائزين وعدم حسم أي كتلة أو تحالف للأغلبية المريحة، فإن الجميع سيكون بحاجة الجميع لتشكيل الحكومات المحلية بالمحافظات.
وتبدو الصورة في المحافظات الجنوبية أقل تعقيداً، حيث من المرجح أن تتفاهم سريعاً الأحزاب هناك، خصوصاً مع وجودها جميعاً في بغداد ضمن تحالف "الإطار التنسيقي"، وغياب "التيار الصدري" الذي كان مصدراً للمناكفة لها طوال السنوات الماضية.
لكن في محافظات شمال وغرب العراق، تبدو الصورة معقدة أكثر مع التقارب بين المتنافسين، وتركز الخلافات على مشاكل شخصية ومنافع حزبية بين الأطراف العربية السنّية، ما يجعل المسألة أصعب في إفراز تحالفات لتشكيل الحكومات.
وإذا ما تم النظر بوجه خاص إلى كركوك ونينوى وبغداد وديالى بوصفها محافظات مختلطة طائفياً وقومياً، فإن التحالف بين الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والأحزاب العربية السنّية هو الأقرب حتى الآن، خصوصاً في كركوك ونينوى، وهو ما أكده المحافظ السابق نجم الجبوري أمس الأربعاء بالقول للصحافيين إن هناك "تفاهمات" مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، لتشكيل الحكومة الجديدة بالمحافظة.
نتائج الانتخابات أوجدت معادلة غير مريحة للجميع
وحول ما أفرزته النتائج قال الخبير بالشأن السياسي العراقي، أحمد النعيمي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن النتائج الانتخابية على الرغم من عدم وجود جديد بها من ناحية الجهات المشاركة أو الفائزة إلا أنها أوجدت معادلة غير مريحة للجميع، بمعنى أن المشاكل وتفكك التفاهمات مهما كانت طبيعتها ستكون حاضرة.
وأضاف النعيمي أنه "باستثناء البصرة ستكون مهمة تشكيل حكومات المحافظات الجنوبية والوسطى سهلة، لكن المحافظات الشمالية والغربية وبغداد ستحتاج إلى مفاوضات، وقد تدخل فيها صفقات كبيرة للظفر بمنصب المحافظ". واعتبر أن "تخصيص ما يصل إلى 38 مليار دولار ضمن موازنة تنمية المحافظات للعامين المقبلين، يجعل التنافس أكبر، خصوصاً أن القوى المختلفة تريد أن تُقدّم نفسها بشكل أفضل للجمهور من خلال هذه الحكومات استعداداً للانتخابات البرلمانية".