الانتخابات المحلية التركية: أسباب عديدة تفسّر هزيمة العدالة والتنمية

الانتخابات المحلية التركية: أسباب عديدة تفسّر أقسى هزائم "العدالة والتنمية"

02 ابريل 2024
إمام أوغلو بعد إعلان الفوز بإسطنبول الأحد (أوزان كوسيه/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الانتخابات المحلية التركية شهدت فوز حزب الشعب الجمهوري بأغلبية البلديات الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، متجاوزاً حزب العدالة والتنمية الحاكم، ما يعكس تحولاً في توجهات الناخبين وبداية مرحلة جديدة في السياسة التركية.
- الرئيس التركي أردوغان اعترف بنتائج الانتخابات كـ"نقطة تحول"، مؤكداً على احترام إرادة الأمة وضرورة إعادة تقييم الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية لاستعادة ثقة الناخبين في ظل التحديات الاقتصادية.
- التغيير في توجهات الناخبين يشير إلى رغبة في التجديد والتغيير على المستوى المحلي، مما قد يؤدي إلى تعزيز المعارضة وإعادة تشكيل السياسات الداخلية والخارجية لتركيا استجابةً لمطالب الناخبين.

عكست نتائج الانتخابات المحلية التركية التي أجريت أول من أمس الأحد، واقعاً جديداً وخريطة سياسية مختلفة في البلاد، عما عهدته منذ أكثر من 20 عاماً. فعلى الرغم من فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم، بعدد أكبر من البلديات، إلا أنه فقد كبرى البلديات التركية، فيما تصدر حزب الشعب الجمهوري الانتخابات متقدماً بما يقرب من 2 في المائة من الأصوات عن "العدالة والتنمية"، ليواجه الأخير عملياً أكبر هزيمة له منذ عام 2002.

وتمكن حزب الشعب الجمهوري، من الاحتفاظ ببلدية العاصمة أنقرة، وببلدية مدينة إسطنبول، التي وصفت الانتخابات فيها بأم المعارك، فضلاً عن الفوز بعدد كبير من المدن والولايات التي كانت تعد معقلاً لـ"العدالة والتنمية". في المقابل، رافق التراجع في أصوات حزب العدالة والتنمية، وفقدانه عدداً كبيراً من البلدات والمدن، وعلى رأسها مدن في البحر الأسود والأناضول وجنوب البلاد، ومناطق داخل ولاية إسطنبول، صعود نوعي لحزب الرفاه من جديد (برئاسة فاتح نجم الدين أربكان)، الذي بدا وكأنه جذب أصوات الناخبين المحافظين والإسلاميين كبديل لـ"العدالة والتنمية" الذي يعتبر مؤسسوه تلامذة روحيين لنجم الدين أربكان.

ومن شأن جميع هذه التحولات في الأصوات وخريطة النفوذ داخل الولايات التركية، أن تترك تداعياتها على المشهد السياسي التركي في المرحلة المقبلة، لا سيما مع بدء ظهور ارتداداتها داخل الأحزاب منذ مساء الأحد، وسط تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحدوث "نكسة" ستشكل نقطة تحول لحزبه وتقود إلى محاسبات.

واصل الشعب الجمهوري الفوز في أنقرة وإسطنبول وإزمير وأضنة وأنطاليا، وأضاف إليها ولاية بورصة

وأقرّ أردوغان مساء الأحد، بأن نتائج الانتخابات المحلية التركية شكلت "نقطة تحول" لحزبه، لكنه وعد "باحترام قرار الأمة". وقال في كلمة أمام حشد من أنصاره في مقر الحزب في أنقرة: "للأسف، لم نحصل على النتائج التي أردناها. سنحترم بالطبع قرار الأمة، وسنتجنب العناد والتصرف ضد الإرادة الوطنية والتشكيك في قوة الأمة". وكان حزب العدالة والتنمية قد قدّم طعناً بنتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول في عام 2019، والتي فاز بها للمرة الأولى منذ 25 عاماً حزب الشعب الجمهوري، لتجرى انتخابات إعادة فاز بها مجدداً الشعب الجمهوري. 

الانتخابات المحلية التركية: نتائج غير رسمية

وأعلن رئيس الهيئة العليا للانتخابات التركية، أحمد ينار، أمس الاثنين، أنه "وفقاً لنتائج أولية غير نهائية، فاز حزب الشعب الجمهوري بـ35 ولاية، وحزب العدالة والتنمية بـ24 ولاية، وحزب ديم الكردي في 10 ولايات، وحزب الحركة القومية في 8، وحزب الرفاه من جديد في ولايتين، وولاية واحدة لحزب الوحدة الكبرى والحزب الجيد". وعلى صعيد البلديات الكبرى، فاز حزب الشعب الجمهوري بـ14 بلدية كبرى، وحزب العدالة والتنمية بـ12 بلدية كبرى، وحزب ديم بثلاث بلديات، وحزب الرفاه من جديد ببلدية كبرى واحدة".

تقارير دولية
التحديثات الحية

وأضاف ينار: "فاز حزب العدالة والتنمية بـ324 بلدية منطقة، وحزب الشعب الجمهوري في 302 بلدية منطقة، وحزب الحركة القومية بـ110، وحزب ديم في 54 منطقة، وحزب الرفاه من جديد في 37 منطقة، والحزب الجيد في 23 منطقة، وحزب الوحدة الكبرى في 12 منطقة، والمستقلون في 9 مناطق، والحزب الديمقراطي في منطقتين، وحزب دواء في منطقتين، وكل من حزب السعادة، والحزب اليساري، وحزب العمل ببلدية واحدة".

وبعد فرز قرابة 99 في المائة من الأصوات، حقّق حزب الشعب الجمهوري في عموم تركيا أكثر من 37.74 في المائة من الأصوات، فيما حقق حزب العدالة والتنمية أقل من 35.49 في المائة، مع انتقال حزب الرفاه من جديد، نجم الانتخابات، إلى المرتبة الثالثة في الانتخابات، بحصوله على 6.19 في المائة، وحلّ رابعاً حزب ديم الكردي بنسبة 5.6 في المائة.

وكان أكبر الخاسرين إلى جانب "العدالة والتنمية"، كل من حزب الحركة القومية بحصوله على 4.98 في المائة من الأصوات، فيما ذابت أصوات الحزب الجيد إلى 3.7 في المائة رغم محافظته على عدد البلدات التي فاز بها، ولكن أصواته تراجعت بشكل كبير.

ومن إجمالي 1314 بلدية كبرى وعادية وولاية ومدينة وبلدة، حقق حزب العدالة المرتبة الأولى بحصوله على 505 بلديات من بينها 12 بلدية كبرى و12 ولاية و356 منطقة، و125 بلدة، وحقق حزب الشعب الجمهوري الفوز في 420 بلدية بواقع 14 بلدية كبرى و21 ولاية، و337 منطقة، و48 بلدة، وحقق حزب الحركة القومية الفوز في 184 بلدية بواقع 8 ولايات و122 منطقة و54 بلدة، وحقق حزب ديم الكردي الفوز في 82 بلدية بواقع 3 بلديات كبرى، و7 ولايات، و65 منطقة، و7 بلدات.

حزب الرفاه من جديد، حقق الفوز في 60 بلدية بواقع بلدية كبرى وولاية واحدة و39 منطقة، و19 بلدة، واكتفى الحزب الجيد بـ29 بلدية، بواقع ولاية، و24 منطقة، و4 بلدات.

وبلغت نسبة المشاركة في الانتخابات التي جرت الأحد 78.53 في المائة، بمشاركة أكثر من 48 مليون ناخب من إجمالي أكثر من 61 مليون ناخب، فيما بلغت الأصوات الباطلة نحو 2.5 مليون صوت، فيما كانت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي جرت العام الماضي 86.98 في المائة، وقاربت 56 مليون ناخب وتجاوزت الأصوات الباطلة مليون صوت بقليل.

تمكن حزب الرفاه من جديد من انتزاع جزء من أصوات المحافظين الإسلاميين

وفي نتائج الانتخابات المحلية التي جرت في العام 2019، فاز حزب العدالة والتنمية في 15 بلدية كبرى، و24 ولاية، و535 منطقة و202 بلدة محتلا المرتبة الأولى بمجموع 776 بلدية (تراجع هذا الرقم بشكل كبير اليوم إلى 505)، فيما فاز حزب الشعب الجمهوري في عام 2019 بـ11 بلدية كبرى، و10 ولايات و195 منطقة، و47 بلدة بمجموع 263 بلدية، ليرتفع ويقترب بشكل كبير من العدالة والتنمية.

وفاز حزب الحركة القومية بمجموع 232 بلدية، ليتراجع في انتخابات أول من أمس أيضاً، إلى 184 بلدية، والحزب الجيد في 25 بلدية، وحزب السعادة في 21 بلدية، وحزب الشعوب الديمقراطي 5 بلديات (عام 2019). وكانت نسبة المشاركة في انتخابات 2019 بلغت 84.7 في المائة، وكانت الأصوات الملغاة أكثر من مليون ونصف مليون صوت.

وفي الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار/مايو الماضي، حقق حزب العدالة والتنمية في تركيا عموماً 35.61 في المائة من الأصوات، وحقق حليفه الحركة القومية 10.7 في المائة من الأصوات، فيما حقق حزب الشعب الجمهوري 25.33 في المائة من الأصوات، والحزب الجيد 9.68 في المائة، وحزب ديم الكردي الذي خاض الانتخابات باسم حزب اليسار الأخضر 8.82 في المائة، فيما حقق حزب الرفاه من جديد 2.81 في المائة، ونتيجة ذلك حقق التحالف الجمهوري الحاكم نحو 50 في المائة من أصوات البرلمان، وفي انتخابات الأحد الأخيرة حقق التحالف نفسه أقل من 41 في المائة من الأصوات، فيما كانت أصوات التحالف الجمهوري في انتخابات 2019 نحو 51.64 في المائة.

وعلى صعيد المدن، حافظ حزب الشعب الجمهوري على إسطنبول وحقق تفوقاً في 26 منطقة (فيها) من أصل 39، بعدما كانت 14 منطقة فقط في عام 2019، وانتزع معاقل حزب العدالة والتنمية مثل أحياء أوسكودار وأيوب سلطان وبي أوغلو، وسيطر على المجلس البلدي أيضا.

كما واصل الفوز في أنقرة وإزمير وأضنة وأنطاليا، وأضاف إليها ولاية بورصة، التي كانت تعد من معاقل حزب العدالة والتنمية وولايات في البحر الأسود مثل غريسون وزونغولداك، وفي مناطق الزلازل مثل أدي يامان وكيليس، فيما خسر ولايات بشكل مفاجئ مثل ولاية هاتاي المنكوبة وولاية قرقلار إيلي لصالح الحركة القومية.

وفاز حزب الرفاه من جديد بولاية شانلي أورفة على حساب حزب العدالة والتنمية، وفاز الأخير بولاية هاتاي منتزعاً إياها من الشعب الجمهوري. وبشكل عام تبدلت خريطة ألوان الأحزاب في تركيا بشكل كبير وواضح لم يسبق له مثيل في العقدين الأخيرين.

تفسيرات عدة للنتائج

وبنظرة على نتائج الانتخابات المحلية التركية، تتوضح أسباب أساسية عدة لخسارة حزب العدالة والتنمية. السبب الأول يتعلق بالوضع الاقتصادي المتراجع بشكل كبير والذي أثّر على القدرة الشرائية للمواطن وارتفاع الأسعار، وكان محرك هذه الخسارة المتقاعدون في البلاد الذين لم يكونوا راضين على رواتبهم وأجورهم ولم ترتفع بما يناسب التضخم. ويبلغ عدد الناخبين المتقاعدين في تركيا أكثر من 10 ملايين ناخب.

يضاف إلى ذلك السبب الثاني، وهو تراجع عدد ناخبي العدالة والتنمية نحو مليوني صوت مع انخفاض نسبة المشاركة وارتفاع الأصوات الملغية، حيث بلغت نسبة المشاركة في عام 2019 أكثر من 18 مليون ناخب، وفي انتخابات الأحد بلغت نحو 16 مليون ناخب. ويرى مراقبون أن عدم اتخاذ الحكومة خطوات ضد إسرائيل بعد حربها على قطاع غزة أثّر أيضاً على الناخبين المحافظين الإسلاميين، إضافة إلى الأسباب الاقتصادية.

كلج أصلان: العدالة والتنمية يعاني من الترهل بعد 20 عاماً

والسبب الثالث، يتعلق بتحالفات حصلت بين حزب الشعب الجمهوري وحزب ديم الكردي الذي صوّت بشكل مكثف لمرشحي "الشعب الجمهوري" في كبرى المدن وخصوصاً في إسطنبول، وهو ما دفع مرشحة الحزب الكردي في إسطنبول ميرال دانيش بيشتاش للتصريح أول من أمس، أنه ينبغي على رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو عدم نسيان أصوات الناخبين الأكراد، فضلاً عن تصويت ناخبي الحزب الجيد لحزب الشعب الجمهوري.

ومن الأسباب أيضاً صعود نجم حزب الرفاه من جديد الذي تمكن من انتزاع أصوات المحافظين الإسلاميين ووصل إلى نسبة جيدة أثرت على حزب العدالة والتنمية وتمكن عبر مرشحي "العدالة والتنمية" السابقين من الوصول إلى الفوز كما حصل في ولاية شانلي أورفة بترشيح رئيس بلديتها السابق عن حزب العدالة والتنمية والذي لم يرشحه حزبه السابق، قاسم غولبنار. وطالب الحزب الحكومة بشكل صريح بقطع العلاقات التجارية والسياسية مع إسرائيل ورفع رواتب المتقاعدين لدعم مرشحي العدالة والتنمية.

وأدت الانتخابات الحالية إلى انتعاش المعارضة التي تعرضت لخيبة أمل كبيرة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في أيار/مايو الماضي وقد يدفعها ذلك بقوة للمطالبة بالذهاب إلى الانتخابات المبكرة في المرحلة اللاحقة، ولكن الرئيس أردوغان أكد في كلمته الأحد بعد الانتخابات باستمرار البلاد دون انتخابات في الفترة المقبلة.

وحتى لو طالبت المعارضة بالانتخابات المبكرة، فإنها لن تتمكن من ذلك ما لم تحقق أغلبية كافية موافقة في البرلمان تصل إلى 360 عضوا من أصل 600 فيما المعارضة لديها أقل من النصف حالياً. أما الطريقة الثانية فهي عبر قرار رئاسي، والرئيس أردوغان لم يمنح مثل هذه الإشارة بعد. 

أكبر خسارة منذ 2002

الكاتب والصحافي إلياس كلج أصلان، قال لـ"العربي الجديد"، إن "نتيجة الانتخابات المحلية التي جرت الأحد تعد الخسارة الأولى والوحيدة لحزب العدالة والتنمية منذ العام 2002، ففي العام 2019 صحيح أنه خسر إسطنبول وأنقرة ولكنه فاز بعموم تركيا، وفي انتخابات 2015 البرلمانية لم يحقق أغلبية كافية لتشكيل حكومة، ولكنه كان الحزب الأول وفي انتخابات الإعادة فاز بنسبة كبيرة، عكس الانتخابات التي جرت الأحد".

وعن الانتخابات التي جرت الأحد وأسباب تراجع حزب العدالة والتنمية وتفوق "الشعب الجمهوري"، قال كلج أصلان: "كانت نتائج الانتخابات مفاجأة كبيرة ورغم أن استطلاعات الرأي التي أشارت إلى أن حزب الشعب الجمهوري سيفوز بإسطنبول، إلا أن التوقعات لم تكن تشير إلى ذلك لأن المعارضة تعرضت لصدمة كبيرة وتشرذم بعد الانتخابات الرئاسية قبل عشرة أشهر". وبرأيه، فإنه "بالإضافة إلى هذه الصدمة كانت هناك عملية التغيير داخل حزب الشعب الجمهوري، والخلاف بين (رئيس بلدية إسطنبول) أكرم إمام أوغلو وزعيم الحزب أوزغور أوزال حول من هو الزعيم الحقيقي، والفوضى في اختيار المرشحين، كلها كانت مؤشرات على أن حزب الشعب الجمهوري لن يعمل بكفاءة ولن يحصل على الأصوات".

وتابع: "بطبيعة الحال، حزب العدالة والتنمية يعاني من الترهل بعد أكثر من 20 عاماً من السلطة، وخلال هذه السنوات، حتى لو كانت البلاد ناجحة للغاية وتقوم بعمل ثوري وتطور في البنية التحتية أو البنية الفوقية، فإن هناك تآكلا كنتيجة طبيعية للوجود في السلطة". وبرأيه فإن "التضخم المرتفع وغلاء الأسعار الذي شهدته السنوات الثلاث الماضية يبدو أنه أثار غضب الناخبين بشدة، وخصوصاً المتقاعدين والفئات ذات الدخل المنخفض، الذين تأثروا بشكل خاص بالغلاء، وهؤلاء سحبوا دعمهم من العدالة والتنمية".

ولفت إلى أن "مثل هذا التقليد يبدو أنه موجود بالفعل في السياسة التركية؛ ولا يعكس الناخبون نفس المستوى من الدعم للحكومة المركزية محلياً، ومع ذلك فإن مثل هذه الفجوة الآخذة في الاتساع تظهر أن الناخبين يشعرون بالاستياء والغضب، وسبب آخر لهذا الغضب هو أن كوادر حزب العدالة والتنمية باتوا مغرورين للغاية وروحهم القتالية مفقودة ويركزون على مصالحهم الشخصية".

وفي ما يخص حزب الشعب الجمهوري، رأى كلج أصلان أن "حزب الشعب الجمهوري زادت أصواته بمقدار 4 ملايين صوت، ولكن من ملاحظتي السياسية الخاصة، أعتقد أن حزب الشعب الجمهوري لا يظهر سياسة أو موقفاً أو عملاً أو ثقة في الناخبين بشكل يتناسب مع مثل هذه الزيادة في التأييد. هناك ناخبون من العدالة والتنمية مستاؤون لا يذهبون إلى صناديق الاقتراع وهناك الغاضبون ويصوتون لحزب الشعب الجمهوري، لكن أعتقد أن هذا يرجع إلى الغضب من العدالة والتنمية وليس بسبب موقف حزب الشعب الجمهوري ونجاحه في جمع الأصوات".

لا تستطيع المعارضة فرض الذهاب إلى انتخابات مبكرة لأنها لا تملك الأصوات اللازمة في البرلمان

وختم بالحديث عن المرحلة المقبلة، بقوله إن الرئيس أردوغان "أجرى تقييماً منطقياً لنتائج الانتخابات فهو لا يستطيع الترشح للرئاسة مرة أخرى، ومع ذلك يمكنه أن يصبح مرشحا إذا تم اتخاذ قرار الانتخابات المبكرة، وفي هذه الحالة، قد يدعو أردوغان إلى إجراء انتخابات مبكرة في عام 2027 على أبعد تقدير، وسنرى ما إذا كانت هذه السنوات الثلاث ستكون كافية لتعافي الاقتصاد واستعادة ثقة الناخبين". وبرأيه "تنتظرنا ثلاث إلى أربع سنوات متعددة المتغيرات، بما في ذلك الصراع داخل حزب الشعب الجمهوري، وما إذا كانت المعارضة ستتعاون مرة أخرى، وما إذا كان أردوغان سيحاول كسب دعم الناخبين الأكراد من خلال المبادرة الديمقراطية الجديدة".

من ناحيته، قال الباحث السياسي في مركز سيتا للدراسات، باقي لالي أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن نتائج الانتخابات "تظهر بشكل عام أن الناخبين يعاقبون حزب العدالة والتنمية، ومن الصعب تفسير التراجع الكبير لحزب وصل إلى السلطة قبل 10 أشهر فقط، لأنه في انتخابات 2023، وعلى الرغم من خسارة حزب العدالة والتنمية للأصوات، إلا أنه احتل المركز الأول في صناديق الاقتراع، وتمكن من إعادة انتخاب الرئيس أردوغان، وتمكن تحالف الشعب من تأمين الأغلبية البرلمانية، واستطاع أن يحقق كل ذلك رغم الوباء والزلازل والتضخم والمشاكل الاقتصادية الأخرى".

وأوضح أنه "رغم الأزمات القائمة، يمكن تقييم ذلك بأن معاقبة الناخبين لحزب العدالة والتنمية بقسوة تذكّر الحزب أنه على الرغم من أنهم ينظرون إلى أردوغان باعتباره زعيم تركيا في السياسة الكلّية، إلا أنهم غير راضين عن المشاكل الحالية". وأضاف: "يمكن القول أيضاً أن الفجوة التي كانت تتسع لفترة طويلة بين معدل الأصوات الشخصية للرئيس أردوغان وأصوات حزب العدالة والتنمية، قد اتسعت الآن بشكل جذري".

أما السبب الرئيسي لتراجع حزب العدالة والتنمية، فهو برأي لالي أوغلو، الاقتصاد، "لأن مشكلة التضخم المستمرة منذ سنوات عدة، هي القضية الأولى التي ينتظر الناخبون الآن حلّها، بالإضافة إلى ذلك، عندما تقاعد أكثر من 1.5 مليون شخص في سن مبكرة خلال انتخابات عام 2023 وأضيفت الخسارة الاقتصادية الكبيرة الناجمة عن زلازل 6 فبراير/شباط 2023، أدّت الزيادات المنخفضة في معاشات التقاعد من أجل الحفاظ على التوازن في النظام المالي إلى خلق حالة من عدم الراحة، أثارت رد فعل المتقاعدين، وهم إحدى مجموعات الناخبين التي يتمتع فيها حزب العدالة والتنمية بأعلى نسب تصويت، وانعكس ذلك في صناديق الاقتراع، ويمكن إدراج المشاكل الداخلية في الحزب كأسباب أخرى".

وحول أسباب تقدم الشعب الجمهوري، رأى أن أكبر نجاح حققه هذا الحزب في الانتخابات المحلية عام 2024 "هو إقناع الناخبين الذين يتفاعلون ضده مقارنة بحزب العدالة والتنمية وإعادتهم إلى صناديق الاقتراع، لأنه بعد الهزيمة في انتخابات 2023، كان ناخبو المعارضة متفاعلين تماماً مع حزب الشعب الجمهوري، وتمكن هذا الحزب من إقناع هؤلاء الناخبين بالتصويت له مرة أخرى في الانتخابات المحلية، وعند فحص الإحصائيات الأولى، فإن الزيادة في معدل التصويت لحزب الشعب الجمهوري ترجع لمقاطعة ناخبي العدالة والتنمية وزيادة تصويت أنصار الحزب الجيد والحزب الكردي".

وختم الباحث بالقول: "يظهر تصريح أردوغان (أول من أمس) أنه سيعتبر فترة عدم إجراء انتخابات في تركيا حتى عام 2028 فرصة للتعافي، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي. وفي واقع الأمر فإن ولاية أردوغان الأولى (2018-2023) في النظام السياسي الجديد قضاها وهو يعاني من مشاكل، ولم يتمكن من تحقيق البيئة المستقرة التي أرادها، وسيتم تقييم الفترة الجديدة باعتبارها فرصة في هذا الصدد، وسيكون التضخم والسياسة الخارجية من بين البنود ذات الأولوية على جدول الأعمال، وسيبدأ حزب العدالة والتنمية عملية تجديد ستمتد بمرور الوقت".

ولذلك، فإن الانتخابات المبكرة لن تكون على جدول الأعمال، في المقابل ستعلن المعارضة بين الحين والآخر دعواتها لإجراء انتخابات مبكرة لمواصلة الموجة التي حققتها في الانتخابات المحلية وإبقاء ناخبيها على قيد الحياة"، وفق اعتقاده، "لكن الحسابات البرلمانية لا تجعل ذلك ممكنا". من ناحية أخرى، "سيبدأ أكرم إمام أوغلو الآن العمل ليصبح مرشحاً للرئاسة لعام 2028، وسوف تستخدم الإدارة الجديدة لحزب الشعب الجمهوري نجاحها في الانتخابات المحلية لتعزيز سلطتها داخل الحزب"، وفق تقدير الباحث.

المساهمون