الانتخابات اللبنانية تنطلق في الخارج: تعويل على امتعاض المغتربين

06 مايو 2022
من انتخابات اللبنانيين في أبيدجان، إبريل 2018 (إيسوف سانوغو/فرانس برس)
+ الخط -

تتركّز الأنظار، اليوم الجمعة وبعد غد الأحد، على انتخابات اللبنانيين المغتربين، التي تعوّل عليها السلطة السياسية لتعزيز حظوظ فوزها، نسبة لما تمتلكه من قاعدة مناصرين منتشرين في الخارج، لا سيما "القدامى" منهم.

في المقابل، تتكئ المجموعات المدنية المستقلة عليها لقلب المعادلة، خصوصاً من بوابة الدور الذي لعبه الاغتراب في "انتفاضة 17 تشرين" (أكتوبر/تشرين الأول)، خصوصاً بالتحركات الشعبية، واعتمادها بشكل أساسي على المُغادرين "الجُدد" الحاقدين على المنظومة الحاكمة، الذين هُجِّروا قسراً منذ العام 2019 بفعل الأزمة الاقتصادية.

في هذه الدورة، تتميز انتخابات المغتربين، التي تشمل الاقتراع في 58 دولة بعد استثناء أوكرانيا (ربطاً بالغزو الروسي)، بالإقبال الكثيف على التسجيل، وهو ما يُنتَظر منه ترجمة في نسبة الاقتراع للتأثير جدياً في العملية الانتخابية، وانعكاسها لتحفيز الناس على التصويت في لبنان.

تتميز انتخابات المغتربين، التي تشمل الاقتراع في 58 دولة، بالإقبال الكثيف على التسجيل

وبلغ عدد المسجلين 225114، النسبة الأكبر منهم، والتي تبلغ 30.6 في المائة، في القارة الأوروبية، بينما تسجل في العام 2018 92180 مغترباً، أي بزيادة مقدارها 132934. وكان اقترع منهم 46799 بنسبة 50.76 في المائة، وذلك بحسب أرقام شركة الأبحاث والدراسات "الدولية للمعلومات".

وتنطلق انتخابات المغتربين اليوم في الدول التي تعتمد نهار الجمعة يوم عطلة نهاية الأسبوع، وهي السعودية (13095 ناخباً مسجلاً)، وقطر (7339 ناخباً مسجلاً)، والكويت (5752)، وسورية (1010)، وسلطنة عمان (901)، ومصر (707)، وإيران (640)، والبحرين (637)، والأردن (482)، والعراق (327 ناخباً مسجلاً)، مع الإشارة إلى أن الانتخابات ستجرى في الإمارات (25052 ناخباً مسجلاً) يوم الأحد المقبل بعدما اعتمدته فرصة رسمية.

وتفتح صناديق الاقتراع من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة العاشرة ليلاً، وذلك في مراكز الاقتراع التي حددتها وزارة الداخلية. وعند دخول الناخب إلى قلم الاقتراع، يقوم رئيس القلم بالتثبت من هويته، استناداً إلى بطاقة هويته أو جواز سفره اللبناني العادي الصالح، وورود اسمه على القائمة الانتخابية، على أن يصوت الناخب للائحة في الدائرة الانتخابية التي ينحدر منها لبنانياً.

وبعد إتمام الإجراءات المطلوبة وفق الأصول، ترسل المغلفات الخاصة الكبيرة العائدة لأوراق الاقتراع وباقي المستندات الانتخابية إلى مصرف لبنان عبر وزارة الخارجية والمغتربين، بحيث إنه في نهاية عملية الاقتراع على الأراضي اللبنانية، يوم الأحد 15 مايو/أيار الحالي، ترسل المغلفات والمستندات إلى لجنة القيد العليا في بيروت لفرزها من قبلها وتوثيق نتائجها.

مناطق محسوبة على الأحزاب التقليدية

وكما في الداخل اللبناني حيث هناك مناطق محسوبة على الأحزاب التقليدية حيث قاعدة مناصريها، كذلك في الخارج. وتعدّ بعض الدول والعواصم والمدن مصبوغة سياسياً، لا سيما منها تلك التي لجأ إليها اللبنانيون إبان الحرب الاهلية (1975 – 1990) وما زالوا مرتبطين بزعمائهم، علماً أن البعض منها تغيّر نفسها الحزبي بعد الأزمات الاقتصادية، فتوافد إليها مهجرون قسراً غالبيتهم من الشباب، ما خلط الكثير من الأوراق والحسابات الانتخابية.

مع الإشارة إلى أن مقاطعة "تيار المستقبل" وشارعه الانتخابات سيكون لها تأثير على النتائج والحسابات الانتخابية، نسبة إلى عدد المسجلين الناخبين السُنة من غير المقيمين، خصوصاً في أوروبا 12390 ناخباً، عدا عن آسيا والدول العربية 20547 ناخباً.

وتبعاً للأرقام، هناك انتشار كبير للناخبين من الطائفة السنية على صعيد دائرة بيروت الثانية (11 مقعداً نيابياً 6 منها للطائفة السنية)، سواء في أميركا الشمالية حيث بلغ عدد المسجلين 3456 ناخباً، وأوروبا 5604 ناخبين، وآسيا والدول العربية 7665 ناخباً.

هناك انتشار كبير للناخبين من الطائفة السنية على صعيد دائرة بيروت الثانية

وتشهد هذه الدائرة، التي تتنافس فيها 10 لوائح، معركة شرسة، خصوصاً مع مقاطعة رئيس "تيار المستقبل" سعد الحريري وجمهوره الانتخابات. وتتجه الأنظار إلى من سيملأ مقعده ويحصد أكثرية المقاعد، فيما الطامحون للفوز كثر، على رأسهم "معنوياً وسياسياً" رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة الذي يدعم لائحة "بيروت تواجه" برئاسة خالد قباني، إضافة إلى فؤاد مخزومي الذي تمكن في العام 2018 من حصد 11346 صوتاً.

دور مؤثر للاغتراب في دائرة الشمال الثالثة

ويلعب الاغتراب الدور المؤثر الأكبر على صعيد دائرة الشمال الثالثة مارونياً (10 مقاعد نيابية تضم زغرتا – بشري – الكورة - البترون) سواء في أميركا الشمالية حيث تسجل 4740 ناخباً، وأوروبا حيث تسجل 3040 ناخباً، وفي آسيا والدول العربية حيث تسجل 2344.

وتعدّ المواجهة في هذه الدائرة التي تتنافس فيها 7 لوائح، وتحديداً قضاء البترون، من الأشرس، والتي يحاول جبران باسيل، صهر رئيس الجمهورية ميشال عون، أن يثبتها معقلاً له، ويعود نائباً فيها، في ظلّ منافسة قوية ستكون مع خصمه المسيحي الأكبر حزب "القوات اللبنانية" بزعامة سمير جعجع. علماً أن استطلاعات الرأي تظهر تراجعاً لشعبية باسيل و"التيار الوطني الحر"، سواء في لبنان أو الخارج.

أفريقيا معقل "أمل" و"حزب الله"

وتعتبر أفريقيا معقل الثنائي "حزب الله" وحركة "أمل" بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري. وسيكون للمنتشرين فيها كلمة مهمة في الانتخابات، ولا سيما في دائرتي الجنوب الثانية (6921 ناخباً) التي يترشح عنها بري، وتضم صور والزهراني وتتنافس فيها 4 لوائح، والجنوب الثالثة (3540 ناخباً) وتضم النبطية، وبنت جبيل، ومرجعيون، وحاصبيا، وتتنافس فيها 3 لوائح. كذلك يبرز الصوت الشيعي في أوروبا على صعيد الجنوب الثالثة (7349 ناخباً) وفي الجنوب الثانية (5735 ناخباً).

ورغم أن النتائج كانت دائماً محسومة في الجنوب لصالح الثنائي، الحزب والحركة، بيد أن هذه الدورة ستشهد معركة بين المنظومة والقوى التي انبثقت عن انتفاضة "17 تشرين"، والتي تمكنت، بعكس باقي الدوائر الانتخابية، من تجاوز فخّ تشتت اللوائح التي تضرّ بها، الأمر الذي من شأنه أن يعزز حظوظها ويجعلها قادرة على إحداث خرق.

تعويل على أصوات المغتربين للتغيير

وفي السياق، يعوّل المرشح عن لائحة "معاً نحو التغيير" في دائرة الجنوب الثالثة علي مراد على أصوات المغتربين لتكون عاملاً مؤثراً في الانتخابات النيابية في لبنان، وأن تميل لصالح القوى التي انبثقت عن انتفاضة "17 تشرين"، والتي كان للاغتراب مشاركة فيها بأوجه مختلفة.

ويقول، لـ"العربي الجديد"، إن المغتربين من الناحية الحسابية لهم دور حاسم في عدد كبير من الدوائر الانتخابية، ويتخطى عددهم العتبة أو الحاصل الانتخابي في بعض الدوائر، وحتى حاصلين وأكثر.

ويضيف: "صحيح هناك قسم كبير من المغتربين مؤيد لأحزاب السلطة وتالياً مرشحيها، ولكن هناك أيضاً قسم كبير ينشد التغيير، الأمر الذي ظهر وكرّس في 17 تشرين (الأول) 2019". 

ويتابع: "رأينا كيف أن جمهور الاغتراب، وبطريقة غير مسبوقة تاريخياً، كان منحازاً بهذا الكم الهائل للبلد وللمواطنين، وممتعضاً من المنظومة الحاكمة. وقد ارتفعت وتيرة الغضب عند وقوع انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020. وهو ما لمسناه أيضاً من العمل المشترك والمتواصل بين المجموعات السياسية الناشئة والشباب، خصوصاً الموجود في الخارج".


علي مراد: المغتربون لهم دور حاسم في عدد كبير من الدوائر الانتخابية

ويلفت مراد إلى أن العدد الكبير من الناخبين المغتربين المسجلين الذين يصوّتون ضمن الجنوب قادر على تأمين حاصل لأي لائحة، وهنا على هؤلاء أن يقولوا كلمتهم، ويضعوا الورقة التي تمثلهم في صندوق الاقتراع. ويتابع: نحن متفائلون بأن تصب أصوات المغتربين لصالح المعارضة، أي المجموعات المدنية المستقلة، بأكثر من 50 في المائة على مستوى كل لبنان، خصوصاً أن المغترب يعد متضرراً مباشراً من الأزمة الراهنة.

وفي السياق، يلفت الخبير الانتخابي ومنسق الحملة الانتخابية في "الكتلة الوطنية" أنطوان مخيبر، في حديثه مع "العربي الجديد"، إلى أن حضور المعارضة "التغييرية" بات يتركز اليوم بشكل أساسي في أوروبا، وفرنسا تحديداً، والدول العربية، خصوصاً الخليجية تتقدمها الإمارات، في حين ينتشر "الثنائي"، حزب الله وحركة أمل، في أفريقيا، وهناك توزع لأحزاب سياسية تقليدية بين أميركا الشمالية بشكل كبير وأستراليا.

غالبية المسجلين دون 35 سنة

ويتوقف مخيبر عند نقطة مهمة جداً، وقد تلعب دوراً في قلب المعادلة وتغيير الحسابات كلها في حال تُرجِمَت اقتراعاً، وهي أن الحجم الأكبر من المسجلين للانتخابات هم ما دون الـ35 سنة، عكس المشهد في لبنان، وهذا عامل مشجع، وقد يكون مساعداً لميل هذه الفئة أكثر ضد المنظومة.

ويرى مخيبر أن عملية الإقبال على التسجيل وتخطيها بأشواط النسبة المسجلة في العام 2018، تؤكد النقمة الشعبية الموجودة، والإرادة في الانتقام من السلطة السياسية، مع العلم أن ماكينات الأحزاب كانت منظمة جداً في الدورة الماضية، وتعمل بقوة في الخارج، ومع ذلك، كان عدد المسجلين خجولاً، بينما اللافت في هذه الانتخابات أن ماكينات الأحزاب مفككة بشكل كبير أو تعاني من تراجعٍ ملحوظ، وهو دليل إضافي على حال الامتعاض.

ويلفت مخيبر إلى أن تراجع التصويت عند الطائفة السنية ستكون له تأثيراته، نسبة إلى حضورها الكبير في الخارج، ولا سيما على صعيد دائرة بيروت الثانية، حيث إن هناك قسماً كبيراً من المنتشرين هم من الناخبين فيها، ويشكلون أكثر من الحاصل الانتخابي. 

ويضيف: بالتالي، فإن الانعكاسات إما ستصبّ لصالح قوى السلطة، وتحديداً حزب الله وحلفائه، أم للقوى التغييرية، وهنا نعوّل على عامل عمر المسجلين أيضاً، الذين يتمتعون غالباً بحرية الاختيار والقرار.

ويشير إلى أن المغتربين القدامى مرتبطون أكثر بزعيمهم السياسي، خصوصاً الذين ذهبوا إلى أميركا الشمالية وأستراليا، ومنهم من اختار الهجرة وفضلها على العيش في لبنان. أما الذين غادروا البلاد في السنوات الماضية، ولا سيما بعد 2019، فقد هجروا ورحلوا قسراً بحثاً عن عمل.

انعدام صلة الوصل مع الدولة المركزية

بدوره، يقول الباحث السوسيولوجي عماد سماحة، لـ"العربي الجديد"، إن الاغتراب يعاني أساساً من حرمان وانعدام صلة بينه كتجمعات كبيرة، وبين الدولة المركزية بسلطاتها المتعاقبة، أضيف إلى ذلك أخيراً، بفعل الأزمة الاقتصادية، المجزرة التي ارتكبتها المصارف اللبنانية بحق ودائع اللبنانيين، وضمنها العائدة للمغترب، والتي تلخص جنى عمره.

ويضيف: "لا شكّ أن التجمعات الكبيرة للمغتربين خلال القرن الماضي كان لها طابع سياسي، وحتى طائفي، وتمكن معرفة كيفية توزيعهم". ويوضح أنه "في أفريقيا على سبيل المثال، هم أكثر من الطائفية الشيعية ومن أبناء الجنوب خاصة. وفي البرازيل يغلب أولاد جبل لبنان قبل أن تطعّم لاحقاً بمناطق أخرى. أما أوروبا، فهي ذات خليط عجيب. وهناك توزع طائفي مناطقي على صعيد الولايات المتحدة الأميركية".

أنطوان مخيبر: عملية الإقبال على التسجيل تؤكد الإرادة في الانتقام من السلطة السياسية
 

ويربط سماحة نسبة الاقتراع الضئيلة عند المغتربين عامة بانعدام الصلة أولاً بين السلطات والتجمعات الكبيرة، والإهمال الذي يعانون منه من جانب الدولة المركزية، عدا عن سبب نفسي اجتماعي، وهو التكيف في الخارج، حتى إن من بين اللبنانيين المغتربين أشخاصاً يتولون مناصب سياسية في الخارج، وبالتالي لم يعد يربطهم شيء بلبنان.

ويلفت سماحة إلى أن هجرة الشباب بعد انتفاضة "17 تشرين" قد تحدث تغييراً في نسبة الاقتراع والمشاركة في العملية الانتخابية، وقد يكون هؤلاء هم من ساهموا في رفع نسبة التسجيل، إذ إن هناك حركة اعتراض، ولو كانت بطيئة، تظهر، ورغبة في إيصال معارضين إلى البرلمان كخطوة في مسار التغيير.

عوائق تواجه انتخابات المغتربين

تقنياً، يتوقف الباحث في الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات "لادي" كريستوف كيروز عند عوائق عدة تواجه انتخابات المغتربين، أبرزها بُعد مراكز الاقتراع عن أماكن سكن الناخبين.

ويقول كيروز لـ"العربي الجديد": "كما أن وزارة الداخلية عمّمت رابط مراكز الاقتراع بهدف مساعدة الناخبين لمعرفة الأماكن التي يصوتون فيها، ولكن هذا الموضوع واجه أيضاً العديد من المشاكل، فمن جهة الرابط لم يحدد بالضبط مركز الاقتراع، كما أن البعض اشتكى من أن اسمه ليس موجوداً".

ويتطرق كيروز إلى المخالفة الأبرز التي سجلت في 7 مايو 2018، أي يوم الاقتراع، تمثلت في تصفير نتائج 479 قلماً من أقلام المغتربين، بسبب عدم وصول مغلفات تلك الأقلام إلى لجان القيد الابتدائية. ووقتها، تواصلت الجمعية مع وزارة الداخلية للاستفسار وأخذ المعلومات بهذا الشأن، ولكن لم يأت الردّ، وهو ما حدث مثلاً في جزين جنوباً، مع عدم وصول 14 قلماً إلى لجنة القيد الابتدائية الرابعة، فقررت اللجنة تصفير النتائج.

ويشير إلى بروز إشكالية ومخالفة للقانون على صعيد نقل صناديق الاقتراع إلى لبنان، وأصول فرزها بعد انتهاء الانتخابات النيابية على الأراضي اللبنانية.

في المقابل، يشير كيروز إلى أن التجهيزات في هذه الدورة تبدو أفضل من 2018، خصوصاً أن الصناديق ستكون مقفلة وستوضع بحقائب دبلوماسية مقفلة، وسيُركب جهاز تعقب عليها، الأمر الذي من شأنه أن يخفف من نسبة التلاعب والغش عند نقل الصناديق من أقلام الاقتراع في الخارج إلى لبنان.

تجدر الإشارة إلى أن الدول التي سيجرى فيها الاقتراع في 8 مايو هي فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، كندا، الإمارات، أستراليا، ألمانيا، بريطانيا، أيرلندا الشمالية، كوت ديفوار، السويد، بلجيكا، البرازيل، سويسرا، نيجيريا، إيطاليا، المكسيك، إسبانيا، غانا، تركيا، فنزويلا، هولندا، الغابون، قبرص، الكونغو، سيراليون، الدنمارك، السنغال، رومانيا، جمهورية الكونغو الديمقراطية، بنين، توغو، زامبيا، جمهورية جنوب أفريقيا، ليبيريا، غينيا، أنغولا، روسيا، مالي، بوركينا فاسو، النمسا، كولومبيا، المملكة المغربية، أيرلندا، الكاميرون، هنغاريا، الأكوادور، بولندا، ولوكسمبورغ.