الانتخابات الكويتية: استدعاء القبلية وغياب المشاريع السياسية لدى المرشحين

26 سبتمبر 2022
غلب التراشق بين المرشحين على البرامج الجادة (Getty)
+ الخط -

شهدت معظم الندوات الانتخابية لمرشحي انتخابات مجلس الأمة الكويتي (البرلمان)، المقررة الخميس المقبل، غياب المشاريع السياسية، وأدى عدم تواجد قضية كبرى يُجمع عليها في الانتخابات لدى الفاعلين السياسيين، إلى تشتّت الرؤى والبرامج الانتخابية، وطغيان الخُطب الحماسية على تقديم تصوّراتهم عن مختلف المجالات العامة، سوى بعض الاستثناءات.

وبدا لافتاً كذلك في هذه الانتخابات غياب القضايا الاقتصادية عن معظم المهرجانات الخطابية للمرشحين، رغم أن الكويت، بحسب خبراء اقتصاديين، تعاني من مشاكل اقتصادية مزمنة، ولكن تسببت عودة ارتفاع أسعار النفط إلى تراجع أهمية الجانب الاقتصادي في أولويات المرشحين.

كما أدى غياب مرزوق الغانم، رئيس مجلس الأمة لثلاث دورات متتالية في 2013 و2016 و2020، عن خوض انتخابات 2022، إلى فراغ كبير في المشهد الانتخابي، خصوصاً أنه كان هدفاً لأغلب الحملات الانتخابية في الدورتين الماضيتين، لما اعتبره المرشحون فشلاً للغانم في إدارة البرلمان، واتهمه ممثلو المعارضة بالذات بمحاباة الحكومة، وكان إعلان عدم التصويت له على رئاسة المجلس برنامجاً انتخابياً بحد ذاته، وساهم في نجاح عدد كبير ممن أطلقوا هذا الشعار في حملاتهم الانتخابية.

وشكّل مرزوق الغانم تحالفاً في المجلس المنحلّ مع رئيس مجلس الوزراء السابق، الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح، وقد ساهم ذلك بشكل رئيسي في تصاعد الأزمة السياسية بين الحكومة والبرلمان، التي أدت في نهاية المطاف إلى إطاحة الحكومة، وحلّ البرلمان، وإلى انسحاب الغانم من خوض الانتخابات المقبلة.

وأعلن الغانم، عبر بيان نشره في حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، في 6 سبتمبر/أيلول الحالي، أن "قرار الترشح للانتخابات البرلمانية هو قرار وطني، يقوم على أسس موضوعية، وبصيرة سياسية، ويراعي ظروف كل مرحلة ومتطلباتها، ولا يخضع لسلطان العاطفة وتأثيراتها، وبعد التأمل في المعطيات، والنظر في المآلات، فقد قررت الاعتذار عن الترشح للانتخابات البرلمانية الحالية.. تاركاً للأحداث القادمة أن تكشف عن بعض الحقائق المغيبة". وأكد الغانم أن عدم ترشّحه "قرار مرحلي، ستعقبه عودة ذات تأثير أقوى".

وشهدت مهرجانات خطابية عدة، خصوصاً في الدائرة الانتخابية الرابعة، تراشقاً سياسياً بين عدد من المرشحين والنوّاب السابقين، وتبادلاً للتهم بينهم، وصلت أحياناً إلى حد الشتائم المتبادلة، واستدعاء النعرات القبليّة، وخُصصت ندوات فقط للرد على ندوات أخرى، ما أدى إلى احتقان في المشهد الانتخابي، وإلى استياء عدد من الناخبين الذين عبّروا عن خيبة أملهم في مواقع التواصل الاجتماعي.

وحول ذلك، قال عضو مجلس إدارة "الجمعية الكويتية للدفاع عن المال العام"، فيصل البريدي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "النظام السياسي في الكويت لا يسمح للأغلبية البرلمانية بتشكيل الحكومة، وبالتالي فإن الحديث عن برنامج انتخابي أو مشروع سياسي لأي مرشح لا يعدو كونه حبراً على ورق، ومادة لملء الخطاب الانتخابي، فالحكومة هي المهيمنة على الدولة، ورئيس الوزراء الذي لم يكن يوماً من الأيام منتخباً هو الذي يرسم السياسة العامة للدولة، أما النائب فأقصى ما يملكه تقديم اقتراح بقانون في الأغلب سيُحفظ في أدراج اللجان البرلمانية"، ويضيف: "ولكن في الوقت نفسه، لا يمكننا أن ننكر أن النظام الفردي الحالي يخدم الكثير من نواب المعارضة الذين أصبحوا بسببه نجوماً سياسيين، وبالتالي سيرفضون أي خطوة نحو الإصلاح السياسي".

وأكّد البريدي أن "الفترة السابقة حالة استثنائية من الصدام مع رئيسي الحكومة والبرلمان، بسبب تعديهما على الدستور ومخالفتهما الإرادة الشعبية، ولا شك في أن نواب المعارضة لهم الدور الأكبر في التصدي لهذا العبث، حتى جاء الخطاب السامي (خطاب أمير الكويت الذي أعلن من خلاله حل مجلس الأمة)، ووضع النقاط على الحروف، ونقلنا إلى مرحلة جديدة"، ويشير إلى أن "هذه المرحلة تحتاج لنواب يعبرون عن آلام الشعب وآماله، في انتشال البلد من حالة الجمود والتردي، من خلال الاتفاق على أولويات تشريعية إصلاحية تُلزم الحكومة بتضمينها في برنامج عملها".

واعتبر البريدي أنه "مؤسف ما تشهده الساحة الانتخابية من تراشق وتبادل الاتهامات، بين نواب سابقين وأكاديميين كان من المفترض منهم قيادة المعارضة لتبني الأولويات الشعبية والاتفاق عليها، برغم أن الجو السياسي أصبح هادئاً، مما يساعد المرشحين على طرح أولوياتهم ورؤاهم بكل أريحية بعد الانتهاء من مرحلة الصدام المستحقة".

من جهته، قال الناشط السياسي سعد العبد الحافظ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "هذه الانتخابات مختلفة ونوعيّة عن ما سبقها من انتخابات وليست عادية، ونستطيع أن نقول عنها انتخابات شعبية بامتياز، لعلمنا أنها خالية من أية تدخلات من قِبل متنفذين سابقين تعمّدوا تخريب هذه العملية لسنوات".

ويرى العبد الحافط أن عدم ترشّح رئيس مجلس الأمة السابق مرزوق الغانم للانتخابات، كشف "ضحالة فكر عدد ممن كانوا يتصدّرون المشهد السياسي في مرحلة المطالبة برحيل الرئيسين (رئيسي السلطة التشريعية والتنفيذية)"، ويضيف: "ولكن الساحة مليئة بالسياسيين الجادّين سواء من المرشحين الجدد أو النوّاب السابقين، القادرين على إزالة التركة الثقيلة من الممارسات التي خلفتها الفترة السابقة".

وعن مشاهد التراشق السياسي في الانتخابات، قال العبد الحافظ: "بالتأكيد كل تغيير تقابله مقاومة، وما يحدث من تراشق وتجاذب في الندوات الانتخابية هو نتيجة هذا التغيير"، ويضيف: "بالنهاية نحن لا نطمح إلى تغيير يرضى فيه الجميع، بل تغيير تقوم به الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية السياسية".

وعما إذا كان المشهد الانتخابي يُعبّر عن فوضى، فيرى العبد الحافظ أن "ما كان يحدث في السابق من تزوير لإرادة الناس في نقل الأصوات، والمال السياسي، والتحالفات المشبوهة، توصيفه الفوضى"، واعتبر أن ما يحدث الآن في مشهد الانتخابات، لا يُعدّ فوضى مقارنةً مع المشهد السابق، بحسب رأيه.

وأشار العبد الحافظ إلى أن "ما يحدث الآن هو محاولة تنظيم عملية الانتخابات"، وأنه "متفائل بأن نتائج هذه الجهود، رغم محاربتها من قِبل أدوات الفاسدين، فإن أغلبية من المصلحين ستواصل عملها لنقل الكويت إلى ما نريده كشعب، من تقدم في سائر المجالات، ومحاسبة كل رؤوس الفساد، وإقرار القوانين كافة التي من شأنها رفع الحريات، وتحسين التعليم والصحة والإسكان، وتنوّع الاقتصاد واستدامة الدولة".

بدوره، يرى مراسل صحيفة "طروس اليوم" الإلكترونية، محمد فيصل، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الشارع الكويتي انتظر مشاريع سياسية جادة في الانتخابات، وتبنّي برامج عمل عملية وواقعية، خصوصاً بعد انتهاء الاحتقان السياسي الحاد بين البرلمان والحكومة بحل مجلس الأمة 2020"، ويضيف: "لكن غالبية المرشحين كانوا بلا مشاريع حقيقية وبلا رؤى إصلاحية، وغابت قضايا مهمة، مثل حل مشكلة البدون، وتعديل النظام الانتخابي، وتطوير العملية السياسية مثل إشهار الأحزاب".

ويرى فيصل أن "عدداً كبيراً من الندوات الانتخابية عبّرت عن إفلاس سياسي، وبدلاً من عرض البرامج الانتخابية والرؤى الواضحة التي تتطلبها المرحلة المقبلة، شاهدنا تطرّق بعض المرشحين إلى منافسيهم، والطعن والتشكيك والتخوين المتبادل بينهم، وإقحام المكونات الاجتماعية والقبليّة في نزاعات ومهاترات هامشية، وتحوّلت الندوات الانتخابية لما يشبه حرباً مفتوحة بين المرشحين، بينما لم يُعبّر عن مشاكل الدولة ولا احتياجات المواطنين، ولا محاربة الفساد والفاسدين".

ويشير فيصل إلى أن مشهد الانتخابات بشكل عام "لا يتناسب مع مضامين خطاب أمير الكويت (نواف الأحمد الجابر الصباح) الذي تلاه ولي العهد (مشعل الأحمد الجابر الصباح) عند إعلان حل مجلس الأمة، إذ عادت الصراعات المُعلنة إلى المشهد السياسي، وهذه المرة في صفوف المعارضة، ولا شك في أن النظام الانتخابي، وفق الصوت الواحد، عزز مثل هذه السلوكيات، بتشجيعه على الأنانية والعمل الفردي"، وأضاف: "مع ذلك هناك مجموعة من المرشحين الوطنيين، طرحوا خطاباً جاداً في الانتخابات، ونعوّل على اتجاه المواطنين إلى الخيارات الصحيحة في صناديق الاقتراع، كما أن الناس لديها القدرة على الفرز بين المرشحين الأصلح في المرحلة القادمة، وأتوقع أن تسفر نتائج الانتخابات عن وصول العدد الأكبر من الإصلاحيين".

المساهمون