- أحزاب السلطة مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي رحبت بالقرار، معتبرة إياه دليلاً على استقرار المؤسسات، بينما بدأت حركة البناء الوطني الاستعدادات للانتخابات وفتحت ورشة وطنية لتعديل قانون الانتخابات.
- المعارضة وبعض الأحزاب السياسية أعربت عن استيائها، مطالبة بمزيد من الشفافية والتشاور. القرار يثير تساؤلات حول تأثيره على المشهد السياسي الجزائري، خصوصًا مع توقعات بترشح تبون لولاية ثانية وإمكانية تنظيم انتخابات نيابية مسبقة.
لم تُفاجأ الطبقة السياسية في الجزائر من قرار تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة عن موعدها، خاصة أن هذا القرار لا يغير شيئاً في المشهد العام لهذه الانتخابات، ولا في معطياتها السياسية والتقنية، في ما يتعلّق بترشح وشيك للرئيس عبد المجيد تبون من جهة، فيما كان نفسه قد أبلغ بعض قادة الأحزاب الذين استقبلهم قبل مدة قصيرة نيته تغيير التوقيت الانتخابي، وتحييد الانتخابات عن شهر ديسمبر/ كانون الأول إلى ما قبل الدخول الاجتماعي، وإلى وقت أفضل يسمح بإجراء الحملة الانتخابية والتصويت في ظروف أفضل من الناحية المناخية.
ويفسر ذلك إعلان حزب جبهة التحرير الوطني، أبرز أحزاب المولاة، إشادته بقرار الرئيس تبون إجراء انتخابات رئاسية مسبقة في شهر سبتمبر/ أيلول المقبل.
وأفاد بيان صادر عن الحزب، اليوم الجمعة، بأن "القرار السيادي يُعتبر ترجمة للحرص الدائم على الحفاظ على المواعيد الانتخابية الدستورية، واستقرار المؤسسات، واحترام إرادة الشعب الجزائري"، واعتبر البيان أن القرار هو ردّ على "بعض الأبواق الإعلامية خارج الوطن التي كانت تروج لتأجيل الانتخابات الرئاسية، وإسكات كلّ من يشكك في دولة المؤسسات". ودعا الحزب العتيد كل القوى الفاعلة إلى إنجاح الاستحقاق الوطني.
من جانبه، أكد الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (عضو في الحزام الحكومي والرئاسي) مصطفى ياحي ترحيبه بقرار الرئيس تبون تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة في السابع من سبتمبر المقبل، وقال في مؤتمر صحافي، الليلة الماضية، إن هذا القرار هو بمثابة الرد الصريح على المشككين والأبواق الزارعة للشك، وجواب واضح بأن الجزائر دولة مؤسسات ودولة دستورية، وأكد استعداد حزبه لإنجاح الاستحقاق الرئاسي المقبل.
واستبقت حركة البناء الوطني، التي تشارك في الحكومة ويقودها المرشح الرئاسي السابق عبد القادر بن قرينة، القرار، بساعات، بعقد اجتماع طارئ للمكتب الوطني، قررت خلاله تشكيل الهيئة الوطنية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة، وبدء الاستعداد العملي للاستحقاق الرئاسي، والاعلان عن فتح ورشة وطنية لتقديم مقترحات الحركة حول تعديل القانون العضوي المتعلق بالانتخابات، والتي تبدأ أعمالها في بداية الأسبوع المقبل.
وكان الرئيس الجزائري قد أعلن مساء أمس إجراء الانتخابات رئاسية مسبقة عن موعدها الدستوري، تجرى في السابع من سبتمبر المقبل، وتقديمها عن موعدها الدستوري بـ94 يوماً. واستند الرئيس تبون إلى البند 11 من المادة 91 من الدستور، الذي ينصّ على أنه "يمكن لرئيس الجمهورية أن يقرر تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة"، من دون أية ضوابط أو شروط محددة، ويرجح أن تكون الدوافع مرتبطة برغبة في العودة إلى التوقيت الانتخابي المناسب، بسبب طبيعة شهر ديسمبر الذي لا تساعد ظروفه المناخية الباردة، وقصر أيامه، على توفير ظروف أفضل للناخبين للتوجه إلى مراكز الاقتراع.
ولم يشكل القرار الرئاسي أي مفاجأة سياسية بالنسبة لرئيس حركة مجتمع السلم، أكبر أحزاب المعارضة السياسية، عبد العالي حساني الشريف، الذي قال في تصريح صحافي عقب إفطار جماعي نظمته الحركة في مدينة الأغواط، وسط البلاد، إن ما يهم الحركة بالأساس هو توفير جو انتخابي نزيه، لضمان شفافية الانتخابات الرئاسية المقبلة، والخروج من الصورة النمطية الناجمة عن الممارسات السلبية السابقة''.
وأكد حساني أن قرار الحركة المشاركة في الرئاسيات المقبلة مرهون بما سيقرره مجلس الشورى الوطني، وبعد جملة من اللقاءات التنظيمية والتشاورية القاعدية والمركزية.
لكن أحزاباً سياسية أخرى عبّرت بوضوح عن استيائها من إعلان الرئاسة للقرار، من دون توسيع التشاور مع الطبقة السياسية، ومن دون تقديم توضيحات وافية للرأي العام.
وقال رئيس حزب التحالف الجمهوري ومساعد وزير الخارجية الأسبق بلقاسم ساحلي، لـ"العربي الجديد"، إن "قراراً من هذا النوع كان من الضروري مرافقته بأقصى درجات الشفافية، لتوضيح مبررات ودوافع هذا القرار للرأي العام الوطني، وتوجيه خطاب للأمة من طرف رئيس الجمهورية، تفادياً لتعريض المواطنين للتأويلات المغلوطة"، مشيراً إلى أن "قراراً استثنائياً مثل هذا، كان من المستحسن توسيع الاستشارة القبلية بخصوصه مع الطبقة السياسية"، لكن وعلى الرغم من هذا الموقف، فإن التحالف أفاد، في بيان، اليوم، بأنه سيستكمل جاهزيته بالتحالف مع مجموعة أحزاب لطرح أرضية سياسية تتضمن مرشحاً توافقياً للرئاسيات المسبقة.
وطالب بتهيئة الظروف المناسبة لإنجاح الموعد الانتخابي المقبل، عبر إجراء تعديل توافقي لقانون الانتخابات، ورفع التضييق على العمل الحزبي وإعلان إجراءات تهدئة.
وعلى الرغم من أن قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة قبل موعدها الدستوري بفترة قصيرة دفع إلى طرح الكثير من التساؤلات حول الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذا القرار، خاصة أن الفارق الزمني بين الموعد الدستوري والموعد المسبق ليس أكثر من ثلاثة أشهر، فإن فكرة تقديم الانتخابات كانت قد طُرحت نهاية العام الماضي 2023، حيث كانت قد برزت في الأوساط السياسية في الجزائر تقارير ومعلومات عن إمكانية تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة عن موعدها المقرر، كان يعتزم أن يعلن عنها الرئيس في الخطاب الذي ألقاه (للمرة الأولى) في أكتوبر/ تشرين الأول في البرلمان، على أن تجرى في إبريل/ نيسان 2024، قبل أن يؤجَّل القرار.
وكانت كل تلك التقارير تشير بوضوح إلى رغبة لدى الرئيس تبون والسلطة بشكل عام في حسم المسألة الانتخابية مبكراً، للتفرغ لمواجهة تحديات داخلية وخارجية تحيط بالجزائر، خاصة بسبب المشاكل العالقة مع المغرب، والتوترات الطارئة مع كل من مالي والنيجر.
وفي السياق، قال المحلل السياسي جمال هديري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "قرار الانتخابات المسبقة لا يعني مطلقاً وجود أزمة سياسية داخل السلطة، واستدعاء الرئيس تبون كامل ممثلي المؤسسات الحيوية خلال الاجتماع الذي اتخذ فيه القرار يعني وجود توافق وانسجام بين مؤسسات الدولة، والانتخابات المسبقة المقبلة لا تتضمن أية متغيرات سياسية، حيث من المؤكد ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، لذلك تبدو الدوافع مرتبطة بشق سياسي يتعلق بالرغبة في حسم الاستحقاق الانتخابي قبل الدخول الاجتماعي، وتخوفاً من أية تطورات إقليمية، وقبيل الانتخابات الأميركية من جهة، ومن جهة ثانية بروز رغبة في تغيير التوقيت الانتخابي من نهاية العام الى بداية الخريف بسبب الظروف المناخية".
وأشار إلى أنه يعتقد أن "تسبيق الانتخابات يعني أيضاً وجود نية لتنظيم انتخابات نيابية مسبقة في ربيع العام المقبل، لاستيعاب أحزاب معارضة كانت قاطعت الانتخابات السابقة، كجبهة القوى الاشتراكية وحزب العمال، لدخول البرلمان".