استمع إلى الملخص
- **تردد وارتباك المعارضة**: المعارضة التونسية تعاني من تردد حيال المشاركة أو المقاطعة، مع تزايد الأصوات الداعية للمشاركة لمنافسة الرئيس قيس سعيّد. حزب التيار الديمقراطي لم يؤكد دعمه لترشيح أمينه العام السابق المعتقل غازي الشواشي.
- **تحكم القوى الخارجية والداخلية في مسار الانتخابات**: المحلل السياسي أحمد الغيلوفي أشار إلى أن الانقسامات الداخلية للأحزاب انعكست على المشهد الانتخابي، مما أدى إلى تحكم السفارات ووزارة الداخلية والجيش في مسار الانتخابات.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية التونسية في 6 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بلغ عدد المتقدمين للحصول على التزكيات الشعبية (10 آلاف تزكية لكل مرشح على الأقل) حوالى مائة شخص. غير أن اللافت في قائمة المرشحين للانتخابات الرئاسية التونسية إلى حد الآن هو كثافة الشخصيات المستقلة فيها في مقابل مرشحي الأحزاب. وعلاوة على ذلك، بدت مواقف الأحزاب متذبذبة وغير واضحة، في تأكيد على أزمتها الهيكلية من ناحية، وعمق الضربات التي تلقتها خلال السنوات الأخيرة من ناحية أخرى. وللتذكير، فإن الأحزاب الكبرى، شعبياً أو شهرة، لم تتقدم للمشاركة في الانتخابات الرئاسية التونسية باستثناء الحزب الدستوري الحر، المصرّ على ترشيح رئيسته المعتقلة عبير موسي. فيما رشح حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري رئيسه لطفي المرايحي، وحزب الائتلاف الوطني رئيسه ناجي جلول.
وكانت حركة النهضة قد أكدت في بيان أنها لن تقدّم مرشحاً عنها للتنافس في الانتخابات الرئاسية التونسية وليس لها أي التزام مع أي مرشح محدد. وأضافت الحركة أن "الموقف من الانتخابات الرئاسية لم يتغير، وأن القرار النهائي بخصوص المشاركة فيها أو مقاطعتها لم يتخذ بعد، وسيُقَرّ في أوانه بالتشاور والتنسيق التام مع قيادة جبهة الخلاص الوطني وكل مكوناتها". وبيّنت أنها "لا تعطي توصية لقواعدها وأنصارها بجمع التزكيات لمرشح محدد، كما أن مناضلي الحركة مدعوون لممارسة مواطنتهم، ولهم أن يختاروا من بين المرشحين المتمسكين بالمسار الديمقراطي من يمنحونهم التزكية لتسهيل ترشحهم"، معتبرة أنها "تدافع عن حق كل المواطنين التونسيين الذين تتوفر فيهم الشروط المنصوص عليها في الترشح". ولكن جبهة الخلاص نفسها لم تحدد موقفها النهائي من الانتخابات الرئاسية التونسية بعد، وهناك اختلافات واضحة في صفوفها، خصوصاً بعد أن أعلن أحد مكوناتها، حزب العمل والإنجاز، ترشيح أمينه العام عبد اللطيف المكي، وهو موقف اختلف معه رئيس الجبهة أحمد نجيب الشابي، كما كان قد أكد في حوار سابق مع "العربي الجديد"، وكما ألمحت إليه حركة النهضة في بيانها.
أحمد الغيلوفي: تتحكّم السفارات ووزارة الداخلية والجيش في مسار الانتخابات الرئاسية
تردد وارتباك المعارضة
وتبيّن تردد أحزاب المعارضة وارتباكها حيال المشاركة أو المقاطعة، خصوصاً مع تزايد الأصوات الداعية إلى المشاركة واقتناص فرصة منافسة الرئيس قيس سعيّد. ولم يؤكد حزب التيار الديمقراطي صراحة دعمه لترشيح أمينه العام السابق المعتقل غازي الشواشي، واكتفى في بيان له الأسبوع الماضي بـ"تحية شجاعة كلّ المعلنين عن نيّة ترشّحهم والذين يعرّضون أنفسهم لمخاطر الملاحقات القضائية وهرسلة (مضايقة) السلطة". ودعاهم جميعاً إلى "حوار جدّي حول سبل فرض حد أدنى من شروط الترشح والمنافسة النزيهة والمتكافئة للمشاركة في الانتخابات، أو الانسحاب في غيابها، حتى لا تصبح مشاركتهم تأثيثاً لمسرحيّة مفرغة من أي مضمون سياسي، تكرّر في فضائنا العربي، كانت وما زالت مادة للسخرية في العالم، خلنا أن بلادنا ودّعتها من دون رجعة مع ثورة شعبنا".
كذلك، قال حزب العمال اليساري، في بيان له، الأسبوع الماضي، إن "العديد من المعطيات تؤكد وجاهة موقفه الداعي إلى مقاطعة المهزلة الانتخابية مقاطعة نشيطة وعدم التورط في إعطائها أي مشروعية، والعمل على عزل سلطة الانقلاب". وشقّت الخلافات الانتخابية كل العائلات الحزبية من دون استثناء، ولدى أحزاب الموالاة أيضاً، إذ أعلن "التيار الشعبي" في بيان الخميس الماضي، دعمه لقيس سعيّد، مبرزاً أن هذا الدعم جاء "التزاماً منه بقيمه ومبادئه وبمصالح تونس التي تعلو على كل المصالح الذاتية والحزبية والفئوية".
في المقابل، انتقد الأمين العام لحركة الشعب (قومي كان داعماً لسعيّد) والمرشح الرئاسي زهير المغزاوي، بشدة، فترة حكم سعيّد، وعدم تحقيق منجزات حقيقية، مندداً بالتعسف والتضييق على الحريات. وقال المغزاوي، خلال ندوة صحافية، الأسبوع الماضي، "نحن كنا من المساندين الأوائل لـ25 يوليو/تموز 2021 (تاريخ بدء سعيّد إجراءات استثنائية) ودعمنا رئيس الجمهورية قيس سعيّد، لأننا نعتبر أنها لحظة مهمة في تاريخ تونس". واستدرك قائلاً "اتضح أن برنامج رئيس الجمهورية بعد ثلاث سنوات وبعد هذا المسار وبعد التقييمات، يتمثل في الشركات الأهلية والبناء القاعدي. هناك شعارات كثيرة في قرطاج في واد، والحكومة في واد آخر، ونعتقد أنه كان ممكناً أن نقدّم لشعبنا الكثير خلال السنوات الثلاث الأخيرة لو كانت هناك إرادة سياسية واضحة وبرنامج واضح وكفاءات حقيقية، ولكن كل هذا لم يحدث".
وعن هذا الواقع، قال المحلل السياسي أحمد الغيلوفي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "المشهد الانتخابي من حال المشهد السياسي الذي اتسم بانقسامات وصراعات لدى الطبقة السياسية طيلة عشر سنوات، صراعات فيما بينها أو صراعاتها الداخلية مثل التيار الشعبي وحركة الشعب، أو مثلما حدث في حركة النهضة وانشقاق عبد اللطيف المكي وسمير ديلو، وما حدث في جبهة الخلاص. كل هذا انعكس على المشهد الانتخابي من خلال التذبذب الكبير، نظراً لأن الأحزاب من داخلها مهمشة، فلا وجود لمجالس مركزية داخلها أو هرمية لاتخاذ مواقف صارمة وموحدة وواضحة، ولذلك نرى حالة الانقسام الداخلي تنعكس حتى في ترشيح الشخصيات".
ورأى الغيلوفي "أن حالة الانقسام والصراع وعدم الاحتكام لقواعد اللعبة السياسية تؤدي إلى أمر خطير، وهو أن من يتحكّم في مسار الانتخابات الرئاسية التونسية ليس القوى السياسية الداخلية إنما هي السفارات الخارجية والقوى الصلبة، وتحديداً الداخلية والجيش، وهما من سيحددان السنوات الخمس المقبلة والمرشح سواء كان قيس سعيّد أو بديلاً له". ورجح أن "تفرز السنوات الخمس المقبلة قوى ليست لها أي علاقة مع المشهد السابق الذي عشناه نظراً إلى الفشل الذريع لكل القوى، وإلى أن عقل الدولة العميق والقوى الخارجية يبحثان عن تقليم أظافر القوى السياسية الداخلية من اتحاد الشغل والنهضة وعبير موسي... ويحتاجان إلى تربيع وتسقيف الديمقراطية التونسية حتى تكون أقل مشهدية، على الطريقة الجزائرية ربما، وهذا ما ستفرزه صناديق الاقتراع".
وبيّن أن "بقية الأحزاب القومية، مثل حركة الشعب، تبحث عن حفظ ماء الوجه فقدمت زهير المغزاوي، وسنشاهد خلال الدور الانتخابي الثاني (المحتمل في حال لم يتجاوز أي من المرشحين عتبة الـ50%) أنهم سيعلنون دعمهم لقيس سعيّد، وأما التيار الشعبي فليس له مقبولية ووزن، وحالته أردأ بكثير من حركة الشعب وليس له إلا أن يدعم سعيّد". وقال الغيلوفي إنه "لن يكون هناك تنافس في الانتخابات الرئاسية التونسية، فلا توجد شخصية قادرة على المنافسة وكل القوى تدعي أنها ستعيد الديمقراطية والجميع يرفع هذا الشعار فلا الاتحاد (اتحاد الشغل) ديمقراطي ولا التيار كذلك ولا حركة الشعب... ولو كان هؤلاء مع استعادة الديمقراطية ما كانوا فرطوا فيها وضيّعوها، فجوهر العملية الانتخابية لا يتعلق بالديمقراطية والمسألة الاقتصادية، بل هي مسألة استقرار وأمن وضمان حدود أوروبا الجنوبية، وهذا ما يهم الدولة العميقة وما يهم الجزائر وليبيا وإيطاليا وفرنسا، وعلينا أن نفهم هذا".
عدنان منصر: استثمرت سلطة قيس سعيّد في تحفظات الشارع ضد الأحزاب
الأحزاب والانتخابات الرئاسية التونسية
من جهته، اعتبر مدير مركز الدراسات الاستراتيجية حول المغرب العربي، عدنان منصر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "ما يمكن أن يوصف بتذبذب في مواقف الأحزاب من الانتخابات الرئاسية التونسية هو نتاج طبيعي لسياق معقّد، لأن هذه الأحزاب تجد نفسها منذ ثلاث سنوات، أي منذ استيلاء قيس سعيّد على السلطة، في وضع غير طبيعي. فهناك محاصرة للعمل الحزبي، بل محاولة قتل مع سبق الترصد للحياة الحزبية في تونس. ويكفي أن تنظر في قائمة زعماء أهم الأحزاب، وستجد أن معظمهم في السجن بتهمة التآمر الفضفاضة". وأوضح منصر أن "الأحزاب، أو أهمها، ممنوعة فعلاً من النشاط منذ ذلك الوقت، وعدد منها أُغلقت مقاره بقرارات إدارية وسياسية. هذا من ناحية السلطة القائمة، أما من ناحية المزاج العام، فقد استثمرت سلطة قيس سعيّد في تحفظات الشارع ضد الأحزاب، وجعلت من تعميق حالة العداء للسياسة إجمالاً، وللأحزاب خصوصاً، سياسة رسمية. بالتالي فإن حالة التذبذب الحالية هي ثمرة تخطيط ومزاج عام". وتابع: "إذا ما أضفنا لذلك ضبابية الظروف التي تنظّم فيها الانتخابات الرئاسية التونسية وغياب شروط تنافسيتها ونزاهتها، وضعف استقلالية الإدارة الانتخابية والقضاء على السلطة السياسية، بل تبعيتهما شبه المطلقة لها، فإن المشاركة في هذه الانتخابات تصبح، لدى عدد من هذه الأحزاب، مجرد مسرحية عبثية".
ورأى منصر أن "هناك اتفاقاً بين الأحزاب على هذا التوصيف للوضع، ولا يتعلق الأمر فقط بتلك التي أعلنت المقاطعة مثل حزب العمال، فمن قرر أن ينخرط في هذه الانتخابات يعوّل على إحداث ديناميكية سياسية في الشارع تسمح بتقييم موضوعي لولاية قيس سعيّد، وهي في نظرهم ديناميكية ستسمح بنقل الصورة الحقيقية للناس وتجاوز الحظر الإعلامي الذي نجحت السلطة في فرضه على الأصوات الناقدة لها". وأضاف: "من هذه الزاوية تصبح الانتخابات فرصة للتواصل مع الشارع بعد أن أحسن قيس سعيّد احتكاره وحرمان منافسيه من الوصول إليه عبر القوانين الزجرية والممارسات الاستبدادية". وتابع: "أما من قرر أن يشارك فيعتقد أن من واجبه انتهاز أي فرصة لإضعاف قيس سعيّد وتقليص تمثيليته، اعتقاداً أنه لم يكن راغباً في الانتخابات الرئاسية التونسية أصلاً بسبب تخوفه من نتائجها كانعكاس لتراجع شعبيته بعد ثلاث سنوات من السيطرة المطلقة على الدولة والحصيلة الهزيلة من الإنجازات. وهناك حتى لدى هؤلاء قناعة بأن قيس سعيّد يعتمد على سيطرته على الإدارة والقضاء والإعلام لإلغاء أي منافسة جدية له، وبالتالي تسهيل مروره من الدور الأول، لكنهم يعتبرون الفرصة سانحة حتى لو كانت حظوظها ضئيلة واقعياً".