لا تزال تداعيات المرسوم القاضي بإلغاء التمويل العمومي للحملات الانتخابية، تُلقي بظلالها على سير الانتخابات التشريعية في تونس المقررة في 17 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، ومع منع الأحزاب أيضاً من تمويل حملات مرشحيها، فإنّ التعقيدات ستزداد حدة في الحملات الانتخابية المقبلة، حتى إن البعض يتحدث اليوم عن إمكانية بروز أشكال جديدة من الحملات الانتخابية.
وأكد نائب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، ماهر الجديدي، أمس الإثنين، أنّ المرسوم 55 ألغى التمويل العمومي، واقتصر على التمويل الذاتي والخاص، نافياً دور الأحزاب في تمويل المترشحين لمجلس نواب الشعب.
وأفاد، في تصريح إذاعي، بأنّ المترشح مطالب بفتح حساب بنكي أو بريدي خاص، حتى تتمكن هيئة الانتخابات من ضبط قنوات تمويل حملات المترشحين، بما فيها مصادر الأموال، وكيفية صرفها، حيث يُمنع التمويل الأجنبي والتمويل مجهول المصدر.
وأكّد أنّه سيجري إصدار أمر رئاسي لتسقيف تمويل الحملة.
وأضاف الجديدي أن من بين القواعد أيضاً، ضبط تمويل الحملة الانتخابية، حيث أصدرت الهيئة قرارين؛ يتعلق الأول بضبط قواعد الحملة والثاني بالتمويل، مؤكداً أنّه بعد ضبط القائمة النهائية للمترشحين للانتخابات التشريعية، التي سيجري إصدارها بعد مرحلة الطعون استئنافياً، وبناء على صدور أحكام المحكمة الإدارية، ستنطلق الحملة الانتخابية.
وتابع أنّ "الحملة الانتخابية تبدأ، يوم 25 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وتنتهي قبل يوم من الاقتراع وتحكمها مبادئ عامة، ولعلّ أهمّها مبدأ حياد الإدارة، ودور العبادة، والشفافية، وتكافؤ الفرص بين المترشحين".
وأكد رئيس جمعية "عتيد" بسام معطر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "القانون الانتخابي يمنع على الأحزاب أن تموّل مباشرة مرشحيها"، مبيّناً أنّ "الترشح فردي، والأحزاب لا يحق لها تقديم مرشحين وفق النموذج الجديد المعتمد"، مشيراً إلى أنّ "النص القانوني يتحدث عن تمويل خاص وذاتي، وبالتالي يمنع التمويل من الذوات المعنوية، والأحزاب تعتبر ذواتاً معنوية".
القانون الانتخابي يمنع على الأحزاب أن تموّل مباشرة مرشحيها
ولفت معطر إلى أنّ "هناك تحايلاً ممكناً، حيث يمكن للأشخاص المنتمين لأحزاب الحصول على تمويل شخصي مباشر، ويعتبر وكأنه تمويل خاص، أي إنه مقدم من ذات طبيعية وليس من قبل حزب، ولكن هذا سيكون غير واقعي".
وأكد أنه "ليس في استطاعة الأفراد تمويل حملات انتخابية من المال الخاص، أو البحث عن تمويلات، وبالتالي هذا سيؤثر على جودة الحملات الانتخابية وانتشارها، وحتى قيمتها"، مشيراً إلى أنّ "البعد المالي والتمويل مهم وله دور، وستظهر صعوبات عدة في الحملات الانتخابية من خلال نقص ومحدودية التمويلات للمرشحين الذين ليست لديهم المقدرة المالية لتمويل حملاتهم، وهذا سيؤثر على أشكال الحملة".
وتابع "قد لا نجد اجتماعات كبرى، وقد تظهر أشكال أخرى للحملات الانتخابية تكون دون جهد مالي"، مضيفاً أنّ "كل هذا سيؤثر على قيمة الحملة، وستبرز أنماط جديدة تعوّض المال في الحملات الانتخابية".
بدوره، قال القيادي في "حراك 25 يوليو"، أحمد الركروكي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحراك ورغم ترشّحه على جميع الدوائر ولديه تقريباً 140مرشحاً، إلا أنّ هناك إشكالات حقيقية في تمويل الحملات الانتخابية، فالبعض سيعوّل على موارده الذاتية، وقادر على القيام بحملته، ولكن هناك مرشحين ليس باستطاعتهم ذلك، ولهذا سيدعمهم الحراك معنوياً، ومن خلال توفير المعدات والفضاءات والدعم البشري للمنتمين للحراك، في ظل منع تقديم تمويلات مادية"، مؤكداً أنّ "الحملة الانتخابية لا يمكن أن تكون مجانية وهناك مصاريف ونفقات".
ولفت الركروكي إلى أنّ "المرسوم 55 لم يحترم أبسط المواثيق الدنيا والشروط المنصوص عليها، حيث كان يجب ترك المجال للتمويل العمومي مع وضع شروط"، مشيراً إلى أنّ "هذا الأمر يخلق تفاوتاً بين المرشحين، فمن يملك المال سيقوم بحملته، ومن ليس لديه لن يتمكّن من التعريف ببرنامجه، فهناك من بين المترشحين العامل اليومي والموظف والعاطل" .
وأكد المتحدث أن "هذا الإشكال سيخلق مرشحين دون حملات انتخابية، أي على الورق، والبعض ستعترضهم صعوبات وقد ينسحبون، وبالتالي هناك إقصاء للبعض حتى قبل المشاركة".
وبيّن أنّ "الظهور لبضع دقائق تلفزيونياً لن يعرف بالمترشح، فالحملة تعني الإشهار والإعلان، وهذا لن يكون متاحاً للكثيرين، وهي من بين أخطاء القانون الانتخابي الذي قيّد المرشحين، وتقريباً لا تفصلنا عن الحملة سوى بضعة أيام، وبالتالي لا مجال لأي مراجعات للقانون للأسف".