الانتخابات التركية: الميادين والتجمعات الجماهيرية ساحة للاستعراض والاستقطاب

10 مايو 2023
أردوغان خلال تجمع جماهيري في أدرنة أول من أمس (الأناضول)
+ الخط -

تكتسب التجمعات الجماهيرية الانتخابية في الساحات والميادين التركية أهمية كبرى، ضمن الحملات الانتخابية للأطراف السياسية المختلفة. وقد تحولت إلى ساحة استقطاب صراع واستعراض للقاعدة، لإظهار انطباع بأهمية الطرف السياسي وشعبيته، خصوصاً في المدن الكبرى. ولهذا تحرص كل الأطراف السياسية على عقد التجمعات الجماهيرية في أماكن كبرى، وتحشد لها مئات الآلاف من أنصارها.

وتعتبر التجمعات الجماهيرية واحدة من أبرز أساليب الدعاية الانتخابية في تركيا. ولا يكاد يمر يوم، في فترة ما قبل الانتخابات التي ستجرى في 14 مايو/أيار الحالي، إلا ويشهد العديد من التجمعات الجماهيرية، فيما تحظى مدن محددة بأهمية خاصة للأحزاب السياسية. ويحرص الزعماء السياسيون على الظهور في أكثر من برنامج وتجمع انتخابي في اليوم الواحد.

سعيد أوغلو: حرب التجمعات مهمة في الانتخابات التركية

ويتنافس في الانتخابات الرئاسية 4 مرشحين، هم الرئيس رجب طيب أردوغان عن التحالف الجمهوري، وكمال كلجدار أوغلو عن تحالف الشعب، بالإضافة إلى زعيم حزب البلد محرم إنجه، ومرشح تحالف "أتا" سنان أوغان. وفي حال لم يحصل أي مرشح للرئاسة على نسبة 50 في المائة زائداً واحدا في الجولة الأولى، تجرى جولة ثانية بين المرشحين اللذين حصلا على أعلى نسبة من الأصوات في الجولة الأولى.

ويرى حزب العدالة والتنمية الحاكم في إسطنبول ومدن الأناضول ومنطقة البحر الأسود حاضنة شعبية له، فيحرص على الاهتمام بالتجمعات في هذه الولايات وإظهار أكبر عدد من المؤيدين له فيها.

في المقابل، تجد المعارضة ممثلة بتحالف الشعب وأكبر أحزابه الشعب الجمهوري، في غرب البلاد وجنوبه حاضنة شعبية كبيرة، فتحرص على إبراز تجمعاتها فيها، خصوصاً في إزمير، فيما تهتم الأحزاب الكردية وتركز على مناطق جنوب شرق البلاد ذات الأغلبية الكردية.

التجمعات لقياس نبض الشارع

وخلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تجرى الأحد المقبل، توجهت الأنظار إلى إسطنبول وإزمير وأنقرة، ومدن الأناضول المختلفة لقياس نبض الشارع. وهذه التجمعات تعكس الشعبية الحقيقية للأحزاب، بعكس استطلاعات الرأي التي تثار شبهات حول تبعية الشركات التي تجريها وآليات قياس رأي الشارع التركي.

كما تجرى مقارنات بين تجمعات الانتخابات الحالية، وتلك التي حصلت في العام 2018، الذي شهد انتخابات رئاسية أيضاً. ويومها كان للمعارضة، ممثلة بحزب الشعب الجمهوري مرشحها، من دون دعم أحزاب "الشعوب الديمقراطي" و"الجيد" و"السعادة"، الذين رشحوا زعماءهم السياسيين للانتخابات الرئاسية وقتها.

مشاركة كبيرة في تجمعات التحالف الجمهوري

وحققت تجمعات التحالف الجمهوري، الذي يقوده أردوغان، خلال الآونة الأخيرة نسب مشاركة كبيرة على عكس ما كان متوقعاً، من انخفاض في رصيد حزب العدالة والتنمية. ففي قيصري، شارك بحسب أردوغان، 130 ألفاً في تجمع انتخابي، أي ما نسبته 10 في المائة من سكان الولاية. وكان التجمع في أنقرة كبيراً، حيث شارك مئات الآلاف فيه. ووصف متابعون التجمع في أزمير، التي تعتبر معقل العلمانية الكمالية، بأنه الأول من نوعه لأردوغان.

أما تجمع التحالف الجمهوري في إسطنبول، فقد حشد في مطار أتاتورك الدولي، الذي شكل ساحة صراع بينه وبين تحالف الشعب ومشادات كلامية بسبب مشاريع الحكومة لتحويله لحديقة عامة، عدداً كبيراً من أنصاره. وبحسب أردوغان فقد بلغ عدد المشاركين فيه 1.7 مليون شخص، فيما لم يتمكن عدد كبير من الوصول بسبب الازدحامات المرورية نظراً لكثافة المشاركة. واعتبر هذا التجمع الأكبر لأردوغان على مدى سنوات حكمه الممتدة لنحو 21 سنة.

استفادة المعارضة من إمام أوغلو

في المقابل، فإن تحالف الشعب المعارض جمع أنصاره في مختلف الولايات أيضاً. وحاولت المعارضة الاستفادة من شخصية رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الذي تعود أصوله إلى ولاية طرابزون على البحر الأسود، في التجمعات في هذه المنطقة وفي مناطق الأناضول، ومن شخصية عمدة أنقرة منصور ياواش في المناطق ذات الأغلبية القومية، فيما أقام زعماء الطاولة السداسية تجمعات مشتركة في إزمير وإسطنبول.

فراس رضوان أوغلو: تعد التجمعات الجماهيرية من أهم العناصر الانتخابية، وهي تحفز المترددين وغير المؤدلجين

وتضم الطاولة السداسية، التي سميت لاحقاً بتحالف الشعب، أحزاب "الشعب الجمهوري"، و"الجيد" بزعامة ميرال أكشنر، و"الديمقراطي" برئاسة غولتكين أويصال، و"المستقبل" بزعامة أحمد دواد أوغلو، و"دواء" بقيادة علي باباجان، و"السعادة" برئاسة تمل قره موللا أوغلو.

وعلى الرغم من أن تجمع تحالف الشعب في إزمير كان أكبر من مهرجان التحالف الجمهوري، فإن مراقبين تحدثوا عن فشله، وعن تململ المشاركين فيه، إذ كان نصيب المرشح الرئاسي من الكلام أقل بكثير من زعماء الأحزاب الباقين. كما تمت مقارنته بتجمع العام 2018 الذي شهد تواجد عدد أكبر من الجماهير لصالح محرم إنجه. وأرجع البعض سبب ذلك للتحالفات مع الأحزاب الإسلامية، وحديثهم في إزمير التي تعتبر معقلاً للعلمانية.

وتكرر الأمر في إسطنبول، حيث شارك نحو 200 ألف شخص في احتفال تحالف الشعب. ورغم الفرق في الحشود الجماهيرية إلا أن المعارضة تعتقد أنها حققت عبر إمام أوغلو ومنصور ياواش خرقاً في مناطق مؤيدة لأردوغان في البحر الأسود والأناضول.

حساب نسبة المؤيدين

وقال الصحافي يوسف سعيد أوغلو، لـ"العربي الجديد"، إن "جميع الأحزاب السياسية ترى في الشارع مشروعية وشعبية ومصداقية في صناديق الاقتراع، وهو مقياس أهم في حساب نسب المؤيدين. وهناك حرص من التحالف الجمهوري وتحالف الشعب لتسخير الإمكانات وجعل التجمعات حاشدة ولافتة للنظر".

وأضاف: "كل طرف يشكك بأرقام الأطراف الأخرى. إن المعارضة تتهم الحكومة بتسخير إمكانات الدولة من سيارات ومركبات، والبلديات التي تسيطر عليها لنقل الناخبين من كل مكان، وهي إمكانات غير متوفرة لدى المعارضة، فيما ترد الحكومة على هذه الادعاءات بالإشارة إلى إمكانات بلديات تركية كبرى تسيطر عليها المعارضة، خصوصاً إسطنبول وأنقرة وإزمير".

وشدد سعيد أوغلو على أن "حرب التجمعات مهمة في الانتخابات، يقدم فيها المرشح أقصى إمكاناته، ووعوده، ويقاس أداؤه فيها. وسابقاً رغم البحة التي أصابت صوت أردوغان نتيجة التجمعات الانتخابية، إلا أنه واصل الحديث للناس، نظراً للأهمية الكبرى لهذه اللقاءات".

وأضاف: "رغم الفروق في الحشد لصالح التحالف الجمهوري، فإنني أعتقد أنه لا ينبغي لأي طرف أن يكتفي بالاعتماد على هذا الأمر، لأن لكل تجمع ظروفه والجماهير لها ظروفها".

التجمعات لتحفيز المترددين

من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي فراس رضوان أوغلو إنّ "التجمعات الجماهيرية تعد من أهم العناصر الانتخابية إضافة للبرامج الانتخابية، وهي تحفز المترددين وغير المؤدلجين والمحسوبين على أي طرف سياسي".

وأضاف رضوان أوغلو، لـ"العربي الجديد"، أن "التجمعات الجماهيرية مهمة جداً لأنها تعطي أيضاً انطباعاً عن مقدار القوة لكل حزب، ولهذا وجدنا أن التجمعات في إسطنبول عبارة عن تحدٍ بين الطرفين".

وتابع: "على أرض الميدان كل الأحزاب تعمل على إظهار قدرتها على الحشد جماهيرياً. وكلما كانت التجمعات أكبر أشارت إلى المطلب الشعبي للطرف السياسي وللطرف الفائز، وهي أيضاً من أنواع الدعاية الانتخابية في الميدان".

المساهمون