الانتخابات البريطانية: تعثر الأحزاب في السباق نحو البرلمان

02 يونيو 2024
العلم الفلسطيني في حملة الانتخابات البريطانية بلندن، الأربعاء (أليشيا أبوداندي/Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- بداية قوية للحملة الانتخابية البريطانية تواجه تحديات بسبب خلافات داخلية وقضايا غير محسومة في الأحزاب الكبرى، مع استمرار الزخم في بعض الدوائر الانتخابية وتركيز على القضايا الاقتصادية والمعيشية.
- حزب المحافظين يعاني من تحديات غير مسبوقة وانتقادات لزعيمه ريشي سوناك، مع تقديم فكرة التجنيد الإجباري كخطة انتخابية جديدة تلاقي ترحيبًا فاترًا.
- حزب العمال تحت قيادة كير ستارمر يشهد إقصاء مرشحين محسوبين على التيار اليساري واختيار شخصيات صديقة لإسرائيل، مع تحول في التركيز نحو القضية الفلسطينية وتوقعات بزخم تنافسي محتدم.

بعد الانطلاقة القوية في الأسبوع الأول من حملة الانتخابات البريطانية المقررة في الرابع من يوليو/تموز المقبل، شهد الأسبوع الثاني من الحملة تعثرات بالنسبة إلى الأحزاب الكبرى بعد ظهور خلافات داخلية، فرضها ارتداد الإعلان المفاجئ للانتخابات على قضايا غير محسومة التوافق، من ضمنها ترتيبات البيت الداخلي للأحزاب. مع ذلك، شهدت الحملات الانتخابية زخماً في عدد من الدوائر الانتخابية في السباق نحو البرلمان، الذي تبقّت له أقل من خمسة أسابيع.

وبدت عناوين هذه الانتخابات اقتصادية ومعيشية، منها ارتفاع الضرائب، إذ أظهر استطلاع للرأي، أجرته شركة إيبسوس بطلب من صحيفة فايننشال تايمز، أن معظم الناخبين البريطانيين توقعوا ارتفاع الضرائب بعد الانتخابات البريطانية أياً كان الحزب الفائز. وحلّت قضية الخدمات الصحية ضمن الأولويات في برامج المرشحين والأحزاب، ما منح توقعات عالية للناخبين، إذ وجد استطلاع لمعهد يوغوف أن أكثر من أربعة من كل 10 أشخاص أبدوا اعتقادهم بتحسّن الخدمة الصحيّة إذا فاز حزب العمال. وما زال حزب العمال متقدماً في معظم الاستطلاعات بفارق كبير عن المحافظين كما الأسبوع الماضي، وذلك على وقع تحديات داخلية عدة داخل الحزبين، خصوصاً لدى المحافظين.

حزب المحافظين ومحاولات البقاء في السلطة

أمام حزب المحافظين تحديات غير مسبوقة في هذه الانتخابات، أولها إدراكه شعبيته المتدنيّة في استطلاعات الرأي، وإمكانية خسارته السلطة بعد 14 عاماً من الحكم أمام حزب العمال، لكنّ تهديد شعبيّة المحافظين غير موجه من "العمال" فقط، بل من حزب الإصلاح الشعبوي المنافس الأساسي للمحافظين لدى القواعد اليمينية، خصوصاً في قضية التشدد في موضوع سياسة اللجوء، ما دفع زعيم المحافظين إلى تقديم فكرة فرض التجنيد الإجباري خطةً انتخابيةً جديدةً بعد تعثّر قضية ترحيل اللاجئين وعدم نجاح الحكومة في تحقيق وعودها السابقة. إلا أن فكرة التجنيد الإجباري والخدمة الوطنيّة، التي بررها رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنها استجابة لمتغيرات عالميّة وأمنيّة وخدمة داخليّة للمجتمع البريطاني، لاقت ترحيباً فاتراً في بريطانيا. واقعياً، انتهت الخدمة الإجباريّة في بريطانيا عام 1963، ورفض أكثر من ثلث الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً في بريطانيا التجنيد الإجباري في حالة نشوب حرب عالميّة، بحسب استطلاع أجراه معهد يوغوف في يناير/كانون الثاني الماضي، ما أثار التساؤلات حول جدوى إعادة التجنيد الإجباري.

كامل حواش: قررت الترشح ضد أصدقاء إسرائيل في حزب العمال

وهدفت خطة المحافظين إلى إلزام كل من بلغ سن الـ18 بالمشاركة في شكل من أشكال الخدمة الوطنية الإجباريّة، وذلك وفق مبدأين: تخدم الأقلية بدوام كامل في الجيش مدة عام، في مقابل تطوّع الأغلبية في عطلة نهاية أسبوع واحدة من كل شهر في منظمات غير عسكرية، مثل خدمة الإطفاء والشرطة والخدمات الصحية أو الجمعيّات الخيرية.

وأشارت تحليلات عديدة إلى سعي المحافظين إلى العمل في الانتخابات البريطانية على الحفاظ على جمهورهم، عوضاً عن استقطاب شرائح جديدة، وسط تحديات داخليّة أبرزها السيطرة على البيت الداخلي للمحافظين مع ظهور حركة داخليّة معارضة لسوناك، تمثلت في إعلان عدد من النواب المحافظين دعم مرشحين من خارج الحزب، مثل النائبة عن منطقة تيلفورد لوسي آلان، التي أعلنت دعمها مرشح الحزب الإصلاحي آلان آدمز. واتّهم النائب المستقيل الوزير السابق زاك غولدسميث سوناك بأنه "ألحق ضرراً بشكل لا يمكن إصلاحه". كما أعلن 78 نائباً من حزب المحافظين عدم ترشّحهم لدورة جديدة في الانتخابات المقبلة. وبحسب استطلاع للرأي نشره "يوغوف"، فإن شعبية سوناك داخل حزبه انخفضت إلى 49 في المائة، في حين أن 20 في المائة فقط من البريطانيين لديهم وجهة نظر إيجابية عنه، ولـ71 في المائة منهم نظرة سلبيّة.

واعتبرت أستاذة علم الاجتماع السياسي في جامعة بريستول باولا سوريدج، في مقال لها أول من أمس الجمعة في صحيفة ذا غارديان، أنه "إذا كان منظمو استطلاعات الرأي على حق، فإن المحافظين يحتاجون إلى معجزة في غضون خمسة أسابيع". وأشارت إلى أن المحافظين "قادرون على إيجاد خيارات سياسية تلقى صدى لدى عامة الناس، أو على الأقل الأجزاء التي يرغبون في الفوز بها. لكن الحذر مطلوب هنا أيضاً. في عام 2019، كانت سياسات حزب العمال في كثير من الأحيان تحظى باستحسان جيد، لكن لم يكن يُنظر إليها على أنها قادرة على تحقيق هذه السياسات". وخلصت إلى القول إنه "في عام 2024، يبدو أن الرغبة قوية في إزالة حكومة المحافظين، ولا يمكن إبطالها من خلال أي سياسة واحدة. الجمهور ببساطة لا يريد أن يظل المحافظون في السلطة بعد الآن". وأظهرت غالبية استطلاعات الرأي حتى الآن أن خسارة سوناك متوقعة في الانتخابات البريطانية في مؤشر إلى هزيمة كبيرة وتاريخيّة.

حزب العمال.. "تصفيات" لليساريين

أمّا في حزب العمال، فأبرز ما شهدته حملته الانتخابيّة من نقاشات أخيراً هو إقصاء مرشحين محسوبين على التيار اليساري في الحزب، ضمن إعادة هيكلة بدت أنها ممنهجة في تشكيل حالة جديدة للحزب وفق رغبات رئيسه كير ستارمر، وسط اتهامات بالتمييز ضد النواب السود والملونين. فبعد استبعاد جيريمي كوربين بشكل نهائي الأسبوع الماضي من ترشّحه ضمن "العمال"، أُقصيت النائبة المسلمة فايزة شاهين، التي كانت مرشحة الحزب في تشينغفورد وودفورد غرين، من خلال قرار مفاجئ أرسل لها على البريد الإلكتروني، حسب ما كشفت في مقابلة تلفزيونية، مساء الأربعاء الماضي، ملوحة بمقاضاة الحزب.

كذلك، اتّهمت النائبة المخضرمة ديان أبوت الممثلة منطقة هاكني نورث وستوك نيوينغتون بتنفيذ "تصفية لليساريين" في حزبها، بعد أن مُنعت مع آخرين من الترشّح، وهي أول امرأة سوداء انتُخبت لعضوية البرلمان. وأبوت نائبة منذ عام 1987. كما أعلن لويد راسل مويل، النائب عن مدينة برايتون في منطقة كيمبتاون المنحاز إلى قضايا العدالة الاجتماعيّة، أنه عضويته في حزب العمال عُلقت، ومُنع من الترشح في الانتخابات البريطانية عن "العمال". وظهر أن استراتيجية ستارمر في اختيار النواب لهذه الانتخابات اندرجت في سياق مغازلة اللوبي الصهيوني، خصوصاً بعد اختيار شخصيات صديقة لإسرائيل لتمثيل "العمال" مثل لوك أكيهرست، وهو واحد من كبار داعمي الاحتلال، وعمل سابقاً في إدارة حملة "نحن نؤمن بإسرائيل" في انتخابات عام 2015 بهدف التأثير على الأحزاب ووضع أجندات خدمة لإسرائيل، ومعروف عنه أنه مدافع شرس عن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة.

واختير أكيهرست لخوض الانتخابات في شمال دورهام، وهو مقعد آمن بالنسبة لـ"العمال"، والمنطقة واقعة على بعد نحو 400 كيلومتر عن مكان إقامة كيهرست في أوكسفورد. ووصف جايسون بيتي، المحرر المساعد في صحيفة ديلي ميرور، إعادة التشكيل الجذرية لحزب العمال تحت قيادة ستارمر بأنها "أوسع نطاقاً من أي شيء حاول (رئيس الوزراء الأسبق) توني بلير فعله"، مضيفاً أنه "بينما استوعب بلير اليسار، يُطهرهم ستارمر في سعيه لإقامة حزب متمركز على الوسط بشكل دائم".

وكتب الكاتب كريس مولين الذي كان نائباً عن "العمال" بين عامي 1987 و2010، في مقال له في صحيفة ذا غارديان، الخميس الماضي: "كنت على الجانب الخاسر في الحرب الأهليّة التي مزقت حزب العمال في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وبصفتي محرراً لمجلة تريبيون اليساريّة، كنت مرئياً من بعيد. الآن، الأيدي الخفية في مقر حزب العمال التي يبدو أنها تقوم بتثبيت اختيارات البرلمان ستقوم بحظري من النظرة الأولى. الجديد في التطهير الحالي هو مدى جرأته". وتوقع مولين ما أسماه "موت الأحزاب المحليّة" في الدوائر الانتخابيّة بسبب سياسة الحزب التي استبدلت النواب ذوي الشعبيّة والمعروفين، بمرشحين آخرين، متوقعاً أن "تؤدي المعاملة الصادمة من حزب العمال لديان أبوت إلى نفور الناخبين السود لسنوات مقبلة في ظل انخفاض عدد المنتسبين للعمال بشكل عام بصورة حادة، خلال السنوات الأخيرة".


تانوشكا مرح: أخوض الانتخابات ضد قيادة ستارمر للعمال

الاستقطاب في الانتخابات البريطانية

لعلها ستكون المرّة الأولى في الانتخابات البريطانية التي باتت فيها القضية الفلسطينية في صلب الأولويات، مع تحول شرائح واسعة من الناخبين إلى التصويت لخيارات مختلفة غير تلك التقليديّة، في ظل الإبادة الجماعيّة المستمرة في غزة. وأعلن العديد من المرشحين المستقلين، منهم من كان محسوباً على "العمال"، مواجهتهم مرشحي "العمال" في مناطق انتخابيّة عديدة، الأمر الذي خلط الأوراق بالنسبة إلى الحزب. فعلى سبيل المثال، باتت المرشحة تانوشكا مرح منافسة للنائب المرشح عن حزب العمال في مدينة هوف بيتر كايل. مرح ذات الأصول الفلسطينيّة قالت لـ"العربي الجديد" إنها كانت داعمة لحزب العمال في السابق، لكن بسبب موقف زعيم الحزب كير ستارمر من الإبادة الجماعية في غزة، وبسبب موقف النائب عن مدينة هوف بيتر كايل الرافض التصويت لوقف إطلاق النار، وهو من مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، قررت الترشح ومواجهة هذا النائب في مدينتها، جنوبي بريطانيا. وعلى الرغم من أن مرح ومرشحين آخرين لم يحظوا بدعم مؤسسة حزبيّة، وقامت حملتهم الانتخابيّة بقوى ذاتيّة ودعم من ناشطين، إلا أن هذا الظاهرة سببت تحولاً في بعض الموازين وحققت نجاحات في بعض المناطق الانتخابيّة، مع استقطاب مجموعة أصوات غير متوقعة من جمهور حزب العمال.

بدوره، قال المرشح العربي البريطاني للبرلمان كامل حواش، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه قرر خوض الانتخابات في منطقة سليوك في مدينة برمنغهام، لمواجهة النائب الحالي عن هذه المنطقة وهو رئيس مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال، بهدف إخراجه من هذه الدائرة. وأكد حواش أنه "يخوض الانتخابات البريطانية ليس بسبب الموقف مما يحصل في فلسطين فقط، إذ إن هناك مواضيع أخرى مهمّة جداً متعلقة بغلاء المعيشة والخدمات الصحيّة والإسكان، إضافة إلى ضرورة وجود سياسة خارجيّة أخلاقيّة تتعامل مع كل الدول ولا تستثني أياً منها".

في المقابل، انطلق التنافس بوجود العديد من المرشحين العرب في عدد من الدوائر الأخرى، فيما انطلقت حملة بهدف توحيد الصوت المسلم في بريطانيا لكسب تأثير سياسي، إذ أعلنت حملة "الصوت المسلم" التصويت لمجموعة من المرشحين من دوائر مختلفة، منهم مستقلون ومنهم من أحزاب أخرى مثل حزب الخضر والحزب الوطني الاسكتلندي وحزب الديمقراطيين الأحرار، لكن من دون حزب العمال الذي لطالما حظي تاريخياً بغالبية أصوات المسلمين في بريطانيا. ودعت الحملة إلى تأييد المرشحين الذين "يجسدون قيم المجتمع في مجالات العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصاديّة والشمولية واحتياجات المجتمع المسلم في بريطانيا". ومن المتوقع احتدام زخم التنافس في الأسابيع المقبلة، قبل حلول موعد الانتخابات البريطانية، وذلك بعد إقرار قوائم المرشحين لهذه الانتخابات بشكل نهائي ورسمي الأسبوع المقبل.

المساهمون