تشهد إيران، اليوم الجمعة، انتخابات البرلمان الـ12 ومجلس خبراء القيادة الـ6، على وقع حملات داخلية مكثفة داعمة للمشاركة، من مؤسسات الدولة والتيارات والأحزاب والشخصيات المحافظة، والأخرى المطالبة بالمقاطعة من الناشطين المنتقدين من الإصلاحيين أو غيرهم والمعارضة في الخارج. وقبل الانتخابات الإيرانية بيومين، جدد المرشد الإيراني علي خامنئي، تأكيده أهمية المشاركة، فيها في لقاء جماهيري مع الناخبين الشباب، الذين يمكنهم المشاركة لأول مرة في الانتخابات بعد بلوغ السن القانونية للتصويت، قائلاً إن "انتخابات قوية وحماسية أحد أركان الإدارة السليمة للبلاد".
وأضاف خامنئي: "نظهر للعالم أن الشعب حاضر في المواقف الهامة والحاسمة للبلاد، فإنها قد أنقذناها ومضينا بها إلى الأمام". وحذّر المرشد الإيراني من مشاركة "ضعيفة" في الانتخابات، قائلاً إن "من يحب إيران وشعبها وأمنها عليه أن يعلم أنه إذا أجريت الانتخابات بشكل ضعيف فالجميع سيتضرر ولن يربح أحد".
وتجري الانتخابات الإيرانية في ظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، يعيشها المواطن الإيراني راهناً منذ 2018 على وقع العقوبات الأميركية وسوء الإدارة الاقتصادية، كما أنها أول انتخابات بعد الاحتجاجات الواسعة في إيران نهاية عام 2022 على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني، بعد أيام من احتجازها من قبل شرطة الآداب في طهران على خلفية الحجاب.
وكذلك تجري في وقت أصبح فيه التيار المحافظ منذ الانتخابات الرئاسية السابقة (2021) مستحوذا على مؤسسات الحكم بالكامل بعد إقصاء التيار الإصلاحي (أبناء مدرسة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي)، والتيار المعتدل (أنصار الرئيس الإيراني السابق هاشمي رفسنجاني)، واللذين كانا أحد أقطاب الحكم على مدى العقود الماضية، خصوصاً الإصلاحيين.
خامنئي: الجميع سيتضرّر إذا كانت الانتخابات ضعيفة
تلك المعطيات رسمت مشهداً انتخابياً أقل زخماً وسخونة من قبل منذ سنوات في إيران، هو ما أدى إلى تسجيل أدنى نسبة مشاركة بعد الثورة الإسلامية عام 1979 في الانتخابات الرئاسية عام 2021 (48.8 في المائة) والبرلمانية في 2020 (42.57 في المائة). كما أن الاستعدادات الانتخابية جاءت باهتة في طهران ومدن كبرى، مما استبعد أن تسجل انتخابات اليوم مفاجأة في ارتفاع نسبة المشاركة.
وعليه، يتوقع استطلاع للرأي، أجراه مركز "إيسبا" الإيراني لقياس الأفكار التابع لمؤسسة "الجهاد الجامعي" غير الربحية، ونشر نتائجه أول من أمس الأربعاء، أن يصوت 41 في المائة من الناخبين الإيرانيين في هذه الانتخابات، مشيراً إلى أن النتائج أظهرت أيضاً أن 23.5 في المائة من سكان العاصمة طهران يرغبون في المشاركة في الانتخابات. إلا أن المركز أكد أن نسبة من قرر المشاركة قد زادت خلال الأيام الأخيرة.
ويخوض أكثر من 15 ألف مرشح الانتخابات البرلمانية، وذلك من أصل 21 ألفاً رفض مجلس صيانة الدستور ترشح نحو 30 في المائة منهم بدعوى عدم حصولهم على أهلية الترشح. ويتنافس المرشحون في المحافظات الإيرانية على 290 مقعداً في البرلمان الإيراني. وتعد طهران أهم دائرة انتخابية بـ 30 مقعداً.
كما يتنافس 144 مرشحاً في انتخابات مجلس خبراء القيادة المعني دستورياً بتعيين وعزل المرشد الإيراني على 88 مقعداً. وهؤلاء المرشحون هم من أصل 501 ترشحوا لها، رفض مجلس صيانة الدستور ترشح 357 منهم، بمن فيهم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ووزير أمنه محمود علوي.
ويبلغ عدد الناخبين الإيرانيين الذين يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات 61 مليوناً و172 ألفاً و298 شخصاً، منهم 30 مليوناً و227 ألفاً و165 ناخبة، أي ما يقارب نصفهم.
أهمية الانتخابات الإيرانية
لا تختلف الانتخابات الإيرانية اليوم عن سابقاتها شكلاً ومضموناً، كما يقول الكاتب الإيراني أحمد زيد أبادي، لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن ما يمنحها أهمية في الوقت الحالي هو "إحباط واضح أصاب شرائح كبيرة من المجتمع، خصوصاً من الطبقة المتوسطة والأكاديمية من الانتخابات وعدم رغبتها في المشاركة، وكذلك إعلان غالبية القوى الإصلاحية عدم الحضور في الانتخابات".
ويضيف زيد أبادي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الإصلاحيين في هذه المرحلة الانتخابية ابتعدوا عن الانتخابات بـ"شكل أكثر وضوحاً وحزماً من قبل"، مشيراً إلى أنهم حتى في مرحلة التسجيل والترشح "لم يظهروا رغبة".
ويتحدث الكاتب الإيراني عن أن ما يزيد من أهمية الانتخابات في هذه الدورة أيضاً، هو تصاعد الخلافات في صفوف المحافظين وخروج صراعاتهم الداخلية إلى العلن، والذي جاء نتيجة لابتعاد الإصلاحيين عن الانتخابات.
ويعزو زيد أبادي أسباب عزوف شرائح إيرانية عن المشاركة في الانتخابات إلى "تفاقم المشكلات الاقتصادية، لا سيما التضخم والغلاء ومعضلة السكن واليأس من المستقبل بسبب عدم الاتفاق مع الغرب، مما يعني استمرار العقوبات والمعضلات الثقافية، خصوصاً بشأن الحجاب، وكذلك إخفاق المؤسسات المنتخبة في حل مشاكل البلاد".
أحمد زيد أبادي: هناك يأس من المستقبل بسبب عدم الاتفاق مع الغرب
وفيما تُعتبر انتخابات مجلس خبراء القيادة المخول قانونياً تعيين وعزل المرشد الإيراني ليست أقل أهمية من الانتخابات التشريعية، وربما تكون أكثر أهمية لاحتمال طرح مسألة الخلافة في دورة المجلس الجديدة للمرشد علي خامنئي نظراً لكبر سنه، لكن حظيت باهتمام أقل من الانتخابات التشريعية.
وعن ذلك يقول الكاتب زيد أبادي لـ"العربي الجديد" إن السبب يعود إلى التشدد في المصادقة على أهلية ترشح المسجلين لمجلس الخبراء ومحدودية المرشحين النهائيين لهذا المجلس، والذين لا يصل عددهم (144 مرشحاً) ضعف عدد مقاعده الـ88.
بدوره، يرفض رئيس تحرير صحيفة "الوفاق" الإيرانية الرسمية الحكومية، مختار حداد، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، القول إن الشعب لا يريد المشاركة، مفرقاً بين طهران والمدن الكبرى وبين المدن والمحافظات الإيرانية الأخرى، قائلاً إن "الاختيار في طهران والمدن الكبرى يكون عادة حسب الانتماءات السياسية، لكن هناك حماسة واهتماماً كبيرين بالمشاركة في مدن أخرى، حيث توجد انتماءات أخرى تؤثر على قناعة الناخبين".
ويتوقع حداد "مشاركة جيدة" في الانتخابات الإيرانية التي يقول إنها "أفضل من دول أوروبية"، مضيفاً أنها لا تختلف عن سابقاتها شكلاً ومضموناً، ما عدا تغييرات جزئية في طريقة الترشح هذه المرة، في إشارة إلى إضافة مرحلة أولية للتسجيل ترشحاً للانتخابات إلى مراحل الترشح في هذه الدورة.
الإصلاحيون: انقسام وعزوف
في هذه الدورة الانتخابية، عزف كثير من التيارات الإصلاحية عن الترشح في الانتخابات الإيرانية ورفض مجلس صيانة الدستور ترشح كثير ممن ترشح منهم أيضاً. ويقول رئيس تحرير صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، جواد روح، لـ"العربي الجديد"، إن عدد المرشحين من التيارين الإصلاحي والمعتدل الذين صادق المجلس على ترشحهم أقل من 30 شخصاً، كما أعلن ذلك متحدثون باسم عدد من الأحزاب الإصلاحية، مضيفاً أن هؤلاء إما أعضاء في تلك الأحزاب أو مقربون منها.
يوضح روح، أنه رغم ذلك، قامت 4 أحزاب منضوية في جبهة الإصلاحات، المظلة الجامعة للتيارات والأحزاب الإصلاحية، بعد إعلان الجبهة أنها لن تقدم قائمة في طهران، باكتشاف مرشحين معتدلين وتنمويين ومن سمعتهم طيبة، وثم تبنيهم ودعمهم.
ويشير إلى أنه في طهران أيضا قدّمت قائمة تتضمن 30 مرشحاً معتدلاً تحت عنوان "صوت الشعب"، يترأسها علي مطهري، ابن منظر الثورة الإسلامية الراحل مرتضى مطهري الذي اغتيل بداية الثورة، في عام 1979. وأكد مطهري، المعروف بانتقاداته لسياسات إيرانية داخلية وخارجية، أن قائمته ليست إصلاحية ولا محافظة وإنما مستقلة.
مختار حداد: الانتخابات الإيرانية أفضل من دول أوروبية
ويعزو روح أسباب انقسام الإصلاحيين إلى الاستراتيجية والرؤية المختلفتين، اللتين يتبناهما مؤيدو المشاركة في الانتخابات وأنصار عدم المشاركة بين التيار الإصلاحي تجاه السياسة، لافتاً إلى أن الإصلاحيين المؤيدين للمشاركة في الانتخابات ما زالوا متمسكين بالدفاع عن استراتيجية الإصلاحات المبنية على الانتخابات و"التي حققت مكاسب مقبولة في حكومة الرئيس محمد خاتمي والبرلمان السادس، وحتى حكومة الرئيس حسن روحاني والبرلمان العاشر".
أما أنصار المقاطعة من الإصلاحيين فكما يقول روح يرون أن الفضاء السياسي والانتخابي "تم هندسته"، وأن البرلمان غير قادر على تحقيق الأهداف الإصلاحية، مشيراً إلى أن ذلك أدى إلى عزوف شريحة كبيرة من الإصلاحيين عن الترشح في هذه الدورة وهم يعارضون المشاركة في الانتخابات.
المحافظون: خلافات وقوائم متعددة
غياب المنافس التاريخي القديم، أي الإصلاحيين، الذي كان وجوده يوحّد مختلف التيارات المحافظة، خصوصاً في أيام الانتخابات، قد أفضى أيضاً إلى ظهور خلافات وصراعات داخل التيار المحافظ، أو ما يعرف في إيران بـ"الأصوليين". ففي هذه الدورة الانتخابية، خرجت من رحم التيار عدة قوائم انتخابية، لا سيما في العاصمة طهران، مع الفرق أن بعضها لديها حظوظ قوية وأخرى ضعيفة للفوز بحصة الانتخابات.
أربع قوائم رئيسية في التيار المحافظ، تشارك في الانتخابات الإيرانية، وهي قائمة مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية "شانا"، يترأسها بالاشتراك الرئيس الحالي للبرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف والنائب مرتضى آقاطهراني (من جبهة الصمود الأصولية)، والجبهة المتحدة لقوى الثورة الإسلامية المدعومة من رئيس بلدية طهران عليرضا زاكاني، والتحالف الشعبي لقوى الثورة الإسلامية "أمناء" الذي يترأسه النائب السابق حميد رسائي، وقائمة مجلس الوحدة التي يترأسها وزير الخارجية الأسبق منوشهر متكي.
أهم تلك القوائم، هي قائمة "شانا" التي تشكلت بالاشتراك بين مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية وجبهة الصمود المحافظة. وأكد الأمين العام للجبهة، صادق محصولي، أول من أمس الأربعاء، في مؤتمر صحافي، أن القائمة الرئيسية والأساسية للأصوليين هي قائمة "شانا" المشتركة.
تشارك أربع قوائم رئيسية في التيار المحافظ في الانتخابات
ظهور قوائم أصولية متعددة، أغضب رئيس مجلس تحالف قوى الثورة الإسلامية "شانا" الرئيس الأسبق للبرلمان الإيراني غلامعلي حداد عادل، الذي وصف قائمة "شانا" الرئيسية بأنها "شجرة السنار" (أي الشجرة الثابتة)، وبقية القوائم بأنها "الشَّكِير" أو "الخِرْيَع" (أي الأغصان الغضّة).
لكن اللافت أن القوائم الثلاث الأولى تتضمن أسماء مشتركة، حسبما يقول نائب رئيس بيت الأحزاب الإيراني، حسين كنعاني مقدم، لـ"العربي الجديد". ويضيف أن التنافس بين التيار الأصولي أدى إلى ظهور قوائم متعددة ولن تكون هناك قائمة واحدة، مشيراً إلى أن الناخبين في طهران "على الأغلب لن يصوتوا لقائمة بعينها، بل سيختارون أسماء مشتركة بين القوائم المحافظة للتصويت لهم".
وفيما يرى الإصلاحيون أن المحافظين ينافسون أنفسهم في الانتخابات الإيرانية إلا أن كنعاني مقدم يرفض ذلك، قائلاً إن "الانتخابات تنافسية والإصلاحيين لديهم مرشحون كثيرون في المحافظات وفي طهران، يدعمون قائمة صوت الشعب التي لها توجه إصلاحي، لكن القائمة لم تحظ بدعم كبار قادة الإصلاح".
وفي ظل المعطيات التي ذكرت، فإن نتيجة هذه الانتخابات أيضاً تبقى محسومة سلفاً للمحافظين في ظل غياب منافس قوي لهم، ومشاركة أحزاب إصلاحية في الانتخابات لا يبدو أنها ستشكل خطراً على ذلك.