الانتخابات الإيرانية... الشارع بين المشاركة والمقاطعة والورقة البيضاء

28 فبراير 2024
ملصقات لمرشحين للانتخابات في طهران (Getty)
+ الخط -

يُقبل الشارع الإيراني، يوم الجمعة المقبل، على استحقاقين انتخابيين، هما الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس خبراء القيادة المخوّل قانونياً تعيين المرشد الإيراني وعزله والإشراف على أدائه. ومع اقتراب الانتخابات الإيرانية كثّفت السلطات والإعلام الرسمي دعوتهما لعموم الناس للمشاركة بكثافة، مع التأكيد أنها واجب ديني وشرعي، فيما دعا ناشطون في بيانات مختلفة إلى مقاطعة الانتخابات، وسط انقسامات بين التيار الإصلاحي بشأن ذلك، ومنافسات داخلية بين المحافظين الذين هم في طريقهم للسيطرة مرة أخرى على البرلمان الإيراني بدورته الـ12.

تبقى الآراء في إيران منقسمة بشأن المشاركة في الانتخابات المقبلة من عدمها، وسط تراجع الآمال لدى شرائح مجتمعية بتأثير الأصوات على تحسين الظروف والوضع الداخلي والمعيشي، غير أن هذه العوامل لا تأثير لها على قناعة القاعدة المؤيدة للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تشارك في أي انتخابات مهما كانت الظروف.

الانتخابات الإيرانية بلا حماسة

ولم يعد المشهد الانتخابي في إيران اليوم بذلك الزخم والسخونة اللذين عهدهما الشارع سابقاً حتى قبل نحو عقد من الزمن تقريباً، وهو ما عكسته الانتخابات الرئاسية عام 2021 والبرلمانية في 2020، اللتان سجلتا أدنى نسبة مشاركة بعد الثورة الإسلامية عام 1979، بنسبة 48,8 في المائة للرئاسيات و42,57 في المائة للبرلمانيات.

وعليه، يبقى اليوم السؤال الملحّ عما إذا كان هذا التراجع في نسبة المشاركة أيضاً سينسحب على الاستحقاقين المقبلين أم لا؟

الاستعدادات والحملات الانتخابية في طهران لا تُظهر توجهاً لمشاركة كبيرة في الانتخابات

الاستعدادات والحملات الانتخابية في طهران، لا تُظهر تحسناً في نسبة المشاركة المتوقعة، مقارنة بالانتخابات السابقة، على الرغم من اقتراب موعد الاستحقاق، فهي تبقى باهتة حتى اللحظة، أي قبل يومين من إجرائها.

لكن في المدن الصغرى حيث يغلب الطابع العشائري والقبلي التقليدي، يبدو الأمر مختلفاً عن العاصمة طهران نوعاً ما، وهو تعكسه تجمعات انتخابية حاشدة في بعض الأحيان، وفق مقاطع مصورة نشرتها وسائل إعلام إيرانية.

من جهتها، أعلنت منظمة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الرسمية، أن نتائج استطلاعات للرأي أجرتها في أنحاء إيران، يوم الاثنين الماضي، أظهرت أن 41.5 في المائة من المستطلعة آراؤهم سيشاركون في الانتخابات، مشيرة إلى أن 29.5 في المائة منهم قالوا إنهم لم يقرروا بعد، وأن 29 في المائة لن يشاركوا فيها.

تقول المواطنة الثلاثينية زهره وكيلي، التي التقتها "العربي الجديد" شمال شرقي طهران، إنها لن تشارك في الانتخابات، احتجاجاً على الوضع الراهن واستمرار الأزمات الاقتصادية، مفضّلة عدم وجود البرلمان على وجوده.

تضيف وكيلي، التي قررت منذ احتجاجات "مهسا أميني" نهاية 2022 الظهور في الشوارع من دون غطاء الرأس، أنها تعرف بعض مرشحي البرلمان، قائلة إنهم قديرون في مجال عملهم وتخصصهم، لكنهم لا يمتلكون المؤهلات الكافية لتمثيل الشعب في البرلمان، مع ذلك تمت المصادقة على أهليتهم "وهذا أحد أسباب عزوفي عن المشاركة في الانتخابات".

رفض مجلس صيانة الدستور ترشح حسن روحاني لانتخابات مجلس خبراء القيادة

وأعلن مجلس صيانة الدستور الإيراني، أخيراً، أنه صادق على أهلية نحو 15 ألف مرشح لخوض الانتخابات البرلمانية، من عدد المسجلين البالغ 21 ألفاً، ورفض ترشح نحو 30 في المائة منهم بدعوى عدم حصولهم على أهلية الترشح.

ويتنافس المرشحون النهائيون في المدن والمحافظات الإيرانية على 290 مقعداً في البرلمان الإيراني. كما صادق مجلس صيانة الدستور على أهلية 144 مرشحاً لخوض انتخابات مجلس خبراء القيادة، وذلك من أصل 501 ترشحوا لها، مما يعني رفض ترشح 357 منهم.

ويتنافس 144 مرشحاً على 88 مقعداً في مجلس خبراء القيادة في 31 محافظة إيرانية. وفي بعض المحافظات، سيفوز المرشح أو المرشحون بالتزكية لغياب منافسين. وترشح الرئيس الإيراني الحالي إبراهيم رئيسي عن محافظة خراسان الجنوبية.

في حين يعدّ الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ووزير أمنه محمود علوي من أبرز الشخصيات التي رفض مجلس صيانة الدستور ترشحهم لانتخابات مجلس خبراء القيادة.

يؤكد العشريني أرشيا في ساحة ونك شمالي طهران أنه قرر ألا يشارك في الانتخابات لـ"عدم جدوى ذلك"، سواء البرلمانية أو مجلس خبراء القيادة، قائلاً إنه فقد ثقته بالانتخابات لتحسين الوضع وخصوصاً الاقتصادي في البلاد، "والنتيجة أنه بعد كل هذه الانتخابات والوعود يزداد الوضع سوءاً كما تلاحظون، وبعد الاحتجاجات السابقة (مهسا أميني) قررتُ ألا أشارك في الانتخابات".

يضيف أرشيا لـ"العربي الجديد" أنه مهندس كيمياء وخريج الجامعة لكنه لم يحصل بعد على العمل المطلوب وفق تخصصه، مما اضطره للعمل في محل لبيع العصير مقابل راتب شهري لا يتجاوز 200 دولار.

من شمال طهران الثري إلى وسطها وجنوبه، تختلف الآراء إلى حد ما، فيقول المهندس الثلاثيني رضا عباس زادة: "سأشارك في الانتخابات بعدما لمست تغييرات وتحسناً في خلق فرص العمل في دائرتنا الانتخابية مقارنة بالدورة السابقة للبرلمان".

ويضيف عباس زادة في حديثه مع "العربي الجديد" أنه اطلع على أسماء بعض المرشحين في العاصمة لكنه بانتظار القائمة الموحدة للمحافظين للتصويت لصالحها، متوقعاً أن تسجل هذه الدورة نسبة مشاركة أعلى مقارنة بالدورة السابقة عام 2020. غير أن سائق سيارة الأجرة غربي طهران، مجتبى يوسفي، يقول لـ"العربي الجديد" إنه لن يشارك في الانتخابات لأنه لا يعرف أياً من المرشحين.

آراء مختلفة في الشارع الإيراني 

عدد الناخبين الإيرانيين الذين يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات يبلغ 61 مليوناً و172 ألفاً و298 شخصاً، منهم 30 مليوناً و227 ألفاً و165 ناخبة، أي ما يقارب نصفهم.

البائع مجيد باقري أيضاً قرر ألا يشارك في الانتخابات في هذه الدورة، قائلاً إن المرشحين غير مؤهلين لتمثيل الشعب في البرلمان، متوقعاً أن نسبة المشاركة في هذه الدورة على الأغلب ستكون "أقل من سابقاتها".

وعما إذا كانت ستؤثر مصادقة مجلس صيانة الدستور على أهلية مرشحين إصلاحيين على قراره بالمشاركة، يقول باقري لـ"العربي الجديد" إنه حينها ينظر إلى سجلهم فإن وجد فيهم من يناسب التمثيل يشارك ويصوّت.

يقول بعض الإيرانيين إن المشاركة واجب شرعي فيما يفضّل آخرون المقاطعة

الطالبة الجامعية مهسا مجد أبادي من جنوب طهران تؤكد لـ"العربي الجديد" أنها ستصوّت في انتخابات يوم الجمعة المقبل، معتبرة أن ذلك "حق للمواطن، فضلاً عن أنه واجب شرعي وثوري، بالتالي سأنتهز هذه الفرصة لتسجيل صوتي".

وتقول أبادي إن الأجواء الانتخابية أكثر سخونة من الانتخابات الرئاسية عام 2021، لكنها تضيف أنه "ربما تكون نسبة المشاركة أقل بسبب الاستياء منذ الحكومة السابقة لكن الوضع في طهران ومدن كبرى أخرى يختلف عن الظروف العامة في البلد".

الأربعيني رضا الذي التقته "العربي الجديد" في ساحة "انقلاب" (الثورة) وسط العاصمة، له وجهة نظر مختلفة، فيقول إنه قد يشارك في الانتخابات، لكن ليس لاختيار مرشحين، وإنما فقط للإدلاء بـ"صوت أبيض"، مضيفاً أنه من خلال ذلك يريد ممارسة حق انتخابي فـ"لا سبيل للتغيير والإصلاح إلا من خلاله".

يقاطعه صديقه أمير عباس قائلاً لـ"العربي الجديد" إنه ليس مع هذا النوع من المشاركة، معتبراً أنه "بلا جدوى"، مع تأكيده أن المقاطعة "أيضاً نوع من ممارسة الحق الانتخابي تعبيراً عن الاستياء من الواقع".

حينئذ يتدخل شاب ثلاثيني بسرعة في الحديث، كان واقفاً بالقرب من مكان اللقاء مع رضا وصديقه وسمع حيثيات المقابلة، ويقول بصوت عال إن "من يقاطع الانتخابات ويدعو لذلك متأثر بدعاية الأعداء ويعمل لهم.... سأشارك وأختار".

المساهمون