الانتخابات الإسبانية المبكرة: سانشيز أمام تحدي تطويق معسكر اليمين

01 يونيو 2023
فيخو (وسط) محتفلاً بفوز "الشعبي"، الأحد الماضي (خافيير سوريانو/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت نتائج الانتخابات البلدية الإسبانية، التي أُجريت في 28 مايو/ أيار الماضي، صعوداً متنامياً لمعسكر اليمين، مع حصول حزب "الشعبي" المحافظ على الأكثرية الشعبية في 8131 بلدية و138 مقعداً إقليمياً جرت فيها الانتخابات.

وحصد "الشعبي" 31.5 في المائة من أصوات الناخبين، متقدماً بنسبة 8.8 في المائة عن الانتخابات المحلية التي نُظمت في عام 2019، بما فيها الفوز بست مناطق كانت خاضعة لسيطرة حزب "الاشتراكي العمالي" بقيادة رئيس الوزراء بيدرو سانشيز.

في المقابل تراجع "الاشتراكي العمالي" بنسبة 1.3 في المائة، ونال 28.1 في المائة من المقاعد المحلية. غير أن التقدم اللافت كان لحزب "فوكس" اليميني المتطرف، الذي حصل على 7.2 في المائة من نوايا التصويت، متقدماً بنسبة 3.5 في المائة عن انتخابات عام 2019.


يرغب سانشيز في الخروج من عبء "بوديموس"

دفعت هذه النتيجة سانشيز إلى الدعوة لانتخابات تشريعية في 23 يوليو/ تموز المقبل، مشيراً في حديث تلفزيوني، الاثنين الماضي، إلى أنه أبلغ الملك فيليبي السادس بقراره حل البرلمان و"الدعوة إلى انتخابات عامة".

وأضاف: "اتخذت هذا القرار في ضوء نتائج الانتخابات"، معتبراً أنه "كرئيس الحكومة والحزب الاشتراكي، أتحمل مسؤولية النتائج، وأعتقد أنه من الضروري أن يتم الرد وتسليم تفويضنا الديمقراطي إلى الإرادة الشعبية".

وستأتي الانتخابات بعد مدة قصيرة من تولي إسبانيا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في 1 يوليو المقبل. مع العلم أن الانتخابات كانت مقررة في الأساس في أواخر العام الحالي.

وواجه سانشيز، الذي تولى السلطة منذ عام 2018، عراقيل عدة، تمثلت بتململ الناخبين من حكومته اليسارية وارتفاع معدلات التضخم وتراجع القوة الشرائية في رابع أكبر اقتصاد في منطقة اليورو.

كما أن تفشي وباء كورونا، ثم الغزو الروسي لأوكرانيا، ساهما في إضعاف حكومة سانشيز، خصوصاً بسبب تأثر إسبانيا بتعثر سلاسل التوريد. كما عانى من خلافات مع أعضاء حكومته بسبب العلاقات مع المغرب وملف الصحراء، وتقدم حزب "فوكس" مرتين بطرح تصويت برلماني لحجب الثقة عن حكومة سانشيز: فشل الأول في أكتوبر/ تشرين الأول 2020، وفشل الثاني في مارس/ آذار الماضي.

أهداف بيدرو سانشيز من الانتخابات الإسبانية المبكرة 

ولمسارعة سانشيز إلى الدعوة لانتخابات مبكرة سبب أساسي، يتمحور حول وضع حد لأزمات الائتلاف الحكومي، المشكّل من الاشتراكيين و"بوديموس" ومستقلين، على اعتبار أن المساحة الزمنية المتاحة بين الانتخابات المحلية والتشريعية، بموعدها الاعتيادي، ستزيد من تفاقم الخلافات الداخلية في الحكومة. وإلى جانب قضية المغرب، تتركز الخلافات حول كيفية معالجة التحديات الاقتصادية.

واليساريون ليسوا في وارد التخلي عن مكاسبهم التي حققوها على حساب "الشعبي" بالذات الذي خرج من الحكم في عام 2019.  كما أن الدعوة إلى انتخابات مبكرة ستسمح لسانشيز بقطع الطريق على معسكر اليمين لإجراء مفاوضات داخلية تسمح بتوحيد موقفه ضد اليساريين.

ويعود السبب إلى أن عودة حزب "الشعبي" إلى تحقيق تقدم في الانتخابات المحلية لم تكن ممكنة من دون "فوكس"، لكن برز موقف زعيم "الشعبي" ألبرتو نونيس فيخو، الذي قال في خطاب النصر، الاثنين الماضي: "حققنا فوزاً واضحاً واتخذت إسبانيا خطواتها الأولى باتجاه حقبة سياسية جديدة".

ومن الواضح أن مثل هذه الحقبة، بالنسبة لفيخو، لا تتضمن وجود يمين متطرف فيها، نظراً لإدراكه الأعراف السائدة في الحياة السياسية الإسبانية منذ حقبة ما بعد انتهاء الديكتاتورية في عام 1975. ولا يرغب فيخو في تكريس "فوكس" قوة أساسية في أي تركيبة حكومية مقبلة، كي لا تتكرر مشهدية "الاشتراكي" ـ "بوديموس" لجهة الخلافات داخل المعسكر الواحد.

وسعى فيخو، الذي يدرك أن مفتاح الفوز في الانتخابات العامة يكمن في السيطرة على الوسط، إلى جعل خط الحزب الشعبي أكثر اعتدالاً والإبقاء على مسافة مع "فوكس". وأظهر أن تحالفهما في الانتخابات المحلية كان ظرفياً، ولا يستلزم التحول إلى تحالف في الانتخابات التشريعية.


لا ينوي "الشعبي" إكمال تحالفه مع "فوكس" بالانتخابات التشريعية

ويمكن لفيخو التطلع إلى النتائج الكاسحة التي حققها حزبه في انتخابات إقليم العاصمة مدريد، إذ فازت مرشحة "الشعبي" إيزابيل دياز أيوسو برئاسة الإقليم، فيما حافظ خوسيه لويس مارتينيز-ألميدا على منصبه في رئاسة البلدية. وهذا الانتصار تحقق من دون دعم "فوكس"، وهو ما يتيح لفيخو البناء على هذه النتائج في أي انتخابات تشريعية مقبلة.

ووضع الموعد الجديد المبكر للانتخابات التشريعية "الشعبي" و"فوكس" أمام امتحان عسير: إما التحالف على عجل بغرض إسقاط الاشتراكيين أو خوض الانتخابات فرادى. ويفسح الخيار الأخير، إذا حصل، مجالاً لسانشيز لالتقاط أنفاسه، ومن دون الحاجة إلى عقد تحالف مع "بوديموس"، الذي تدهورت شعبيته بنيله 14.3 في المائة في انتخابات الأحد الماضي، متراجعاً بنسبة 6.9 في المائة عن عام 2019.

ويراهن "الاشتراكي" على قدرته على استقطاب الأصوات المبتعدة عن "بوديموس"، بما يسمح له بالحصول على مكاسب أكبر في المرحلة المقبلة.

أما "فوكس"، ثالث أكبر حزب في البرلمان، فيأمل بأن يصبح شريكاً لا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة لحزب "الشعبي"، على المستوى الإقليمي ولاحقاً على الصعيد الوطني. ويستفيد "فوكس" من التراجع الاقتصادي وينادي بإبطال قانون يحظر رموز حقبة الجنرال فرانشيسكو فرانكو، ويعادي المهاجرين، خصوصاً المغاربة.

انكفاء "سيودادانوس"

وفي الحسابات الانتخابية، فإن حزب "سيودادانوس" (المواطنون)، المنتمي إلى يمين الوسط، لن يشارك في الانتخابات التشريعية، علماً أن الحزب كان معروفاً بأنه "صانع ملوك" في السياسة الإسبانية. غير أن نتائجه المخيبة للآمال في انتخابات الأحد الماضي، دفعته إلى الإنكفاء في انتخابات يوليو المقبل. وحصل "سيودادانوس" على 1.35 في المائة فقط من الأصوات وخسر مقاعده في 12 برلماناً إقليمياً.

لكن تراجع "سيودادانوس" بدأ عملياً في عام 2018، عندما رفض دعم التصويت الناجح للاشتراكيين بحجب الثقة عن حكومة ماريانو راخوي، وتفاقمت مشاكله بسبب قراره التخلي عن الوسط والتحول إلى اليمين. وعملياً، فإن "الشعبي" هو الذي استفاد من خسائر "سيودادانوس".

وقال الأمين العام لـ"سيودادانوس" أدريان فاسكيز لازارا، يوم الإثنين الماضي: "كانت الرسالة من الانتخابات الإقليمية والبلدية واضحة للغاية". وتابع: "لقد خلصنا إلى أن الأمور كما هي اليوم، فإن الشعب الإسباني لا ينظر إلينا كبديل سياسي تحويلي لبلدنا. هذه ليست أخباراً جيدة لنا وليست أخباراً جيدة لآلاف الليبراليين في إسبانيا وأوروبا". وأضاف أنه لهذا السبب، قررت اللجنة الوطنية أن الحزب لن يخوض الانتخابات العامة المقبلة وستعد نفسها بدلاً من ذلك للسيناريو السياسي الجديد".

(العربي الجديد، قنا، الأناضول، رويترز، فرانس برس)