الاستفتاء على مشروع دستور سعيّد: تكريس نظام الاستبداد

25 يوليو 2022
معارضون تونسيون للدستور في العاصمة، السبت (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

يكتسي الاستفتاء على الدستور الجديد المعروض على التونسيين، اليوم الاثنين، ما يكفي من خطورة، نظراً لكونه يهدد بدخول البلاد مرحلة صعبة من الاستبداد والحكم الفردي المطلق، بحسب ما يجمع عليه العديد من الآراء السياسية والقانونية.

وتلتقي المواقف عند خطورة هذا الدستور، خصوصاً بعد مسار كتابته واستئثار الرئيس قيس سعيّد به، مقصياً كل الأساتذة والمنظمات والأحزاب، وحتى المقربين منه.

وشهدت الآونة الأخيرة فيضاً من المواقف القانونية التي تتوقف بالتفاصيل عند عيوب الدستور المطروح على الاستفتاء، خصوصاً لما يتيح لسعيّد من احتكار كافة السلطات وتحصين نفسه من أي مساءلة أو محاسبة وتغيير طبيعة نظام الحكم بما في ذلك اعتماده على النظام القاعدي، إذ سيتكون البرلمان من غرفتين؛ مجلس النواب، والمجلس الوطني للأقاليم والجهات، وهو مجلس منتخب بشكل غير مباشر انطلاقاً من مجلس الجهات الذي يختار ممثلي الأقاليم بحسب ما بينه النص"، وهو ما يحذر خبراء من أنه يشكل خطراً على استقرار الدولة التونسية.

وفيما تسود خشية واسعة على الحريات والحقوق الأساسية للتونسيين، رغم كل التطمينات التي حاول سعيّد الحديث عنها في الآونة الأخيرة، جاءت الفقرات المتعلقة بـ"الخطر الداهم" في الدستور الجديد لتلقي مزيداً من المخاوف من نوايا سعيّد في الفترة المقبلة.


وتتعزز هذه الهواجس بعدما عوّض سعيّد البند 80 في دستور 2014 بالبند 96 من مشروع الدستور الجديد المعروض والذي ينصّ على أنه: "لرئيس الجمهورية، في حالة خطر داهم مهدّد لكيان الجمهورية وأمن البلاد واستقلالها يتعذر معه السّير العادي لدواليب الدّولة، اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشعب ورئيس المجلس الوطني للجهات والأقاليم".

واعتمد أيضاً سعيّد على الخطر الداهم في الدستور الجديد في البند 90 لتمديد مدة حكم رئيس الجمهورية عبر قانون دون تقييد أو رقابة دستورية لتقييم الخطر الداهم وتحديده وإقراره من قبل المحكمة الدستورية أو هيئة مستقلة.

كما اعتمد أيضاً على الخطر الداهم في البدين 60 و63 في علاقة باستحالة إجراء الانتخابات التشريعية ولتمديد مدة البرلمان عبر قانون، من دون تحديد رقابة دستورية على ذلك.

وتعتبر أستاذة القانون الدستوري منى كريّم الدريدي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الاستفتاء يحوم حول شخص الرئيس أكثر منه على مشروع الدستور"، مشيرة إلى أن "الاستفتاءات في الديمقراطيات تسير حول سؤال واضح وليس على دستور برمته بما يحمله من تناقضات ومطبات وخروقات".

وتبيّن كريّم الدريدي أن "الدساتير لا تعدل في حالة الاستثناء، التي تهدف إلى العودة إلى السير العادي لدواليب الدولة، وذلك لا يكون إلا في إطار دستور الدولة الذي تم على أساسه إعلان وضع الاستثناء (الفصل 80 من دستور 2014)".

تكريس نظام الرئيس

وتلفت إلى أن "سعيد يبحث عبر نص الدستور لإرساء نظام، يكون فيه الرئيس محور السلطة، يسيطر فيه على كافة دواليب الدولة والسلطات والمحكمة الدستورية".

وتشير إلى أن "مشروع الدستور يمثل خطوة كبيرة إلى الوراء"، مضيفة أنه "غيّب تماماً الدولة المدنية التي كانت تمثل ضمانة قوية للحقوق والحريات".

وتقول كريّم الدريدي: "نحن إزاء دستور فيه تغليب واضح وفاضح لسلطة الرئيس، فهو المشرّع والمنفذ والمتدخل في القضاء، ومعين الحكومة والمحكمة الدستورية، ولا وجود لحسيب أو رقيب عليه، رئيس بصلاحيات سلطانية".


منى كريّم الدريدي: الدستور غيّب تماماً الدولة المدنية

من جهته، يعتبر أستاذ القانون الدستوري خالد الدبابي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "النظام السياسي الذي جاء به الدستور الجديد يؤسس لنظام رئاسي بامتياز، يختل فيه توازن السلطات والصلاحيات لصالح رئيس الجمهورية بطريقة واضحة ومكشوفة، ويحتكر الرئيس السلطة التنفيذية ويهيمن على السلطتين التشريعية والقضائية".

ويشدّد على أن "الأخطر مع كل هذه الصلاحيات الواسعة أن رئيس الجمهورية غير مسؤول لا سياسياً ولا دستورياً أمام أية هيئة أخرى، فلا يخضع للمحاسبة ولا للمساءلة".

ويبيّن الدبابي أن "رئيس الجمهورية هو الذي يضبط السياسة العامة للدولة، والحكومة مسؤولة سياسياً أمامه وهو يعينها ويعزلها، والرئيس أيضاً بإمكانه حل البرلمان بغرفتيه، مجلس نواب الشعب والمجلس الأعلى للجهات والأقاليم الجديد، الذي لم ينص على كيفية انتخابه".

ويتابع: "للرئيس الحق في المبادرة التشريعية وله الأولوية في ذلك، كما له الحق في اتخاذ مراسيم إثر تفويض برلماني أو أثناء العطلة البرلمانية أو إثر حل البرلمان. كما يمارس حق الفيتو لرد مشاريع القوانين المصادق عليها من قبل البرلمان، ويمارس سلطات الأزمة إثر إعلان حالة الاستثناء، من دون أي رقابة في ما يخص المدة الاستثنائية، فهو من يقدّر الخطر الداهم وخطورته وزواله لاستعادة الحالة الطبيعية".

ويشدّد الدبابي على أن "هذا النظام غريب، ولا يشبه الأنظمة الديمقراطية المتعارف عليها، فصلاحيات رئيس الدولة هي صلاحيات الوزير الأول (رئيس الحكومة) في النظام البريطاني البرلماني، ومعها صلاحيات رئيس الدولة في النظام الأميركي مجتمعة معاً وفي آن واحد، ومن دون أي رقابة عليه أو مسؤولية لا سياسية ولا دستورية ولا جزائية".

ويقول الدبابي إن "التنصيص على سحب الوكالة من النواب، علاوة على غموضه وكيفية تطبيقه، لن يزيد إلا من إضعاف السلطة التشريعية، وذلك بإرساء برلمان غير مستقر، ونوابه يعملون تحت سيف التهديد والتخويف بسحب الوكالة".

ويقوم مشروع دستور سعيّد على ضرب السلطات بتحويلها إلى وظائف تشريعية وتنفيذية وقضائية، لينزع منها كل صلاحية ويخضعها إلى سلطة واحدة مستمدة من الانتخابات ومتمركزة في الرئيس.

ويضعف الدستور صلاحيات البرلمان بالحد من اختصاصاته الرقابية على الحكومة وبقية السلطات والهيئات التي كانت في دستور 2014، في مقابل تشتيت سلطة التشريع، عبر إنشاء المجلس الأعلى للجهات والأقاليم، من دون تحديد طريقة انتخابه شعبياً.

ويعتبر خبراء القانون الدستوري أن إرساء الغرفة الثانية أضعف السلطة التشريعية وهمّشها في مقابل تعزيز سلطة الرئيس، ويصفونها بأنها خطوة نحو إرساء النظام القاعدي الذي طالما تحدث عنه سعيّد، والقائم على شكل انتخابي غير معلوم، يؤسس لانتخاب ممثليه محلياً ثم جهوياً ثم مركزياً.

ويُبنى مشروع الدستور الجديد على مركزية السلطات وتجميعها، بحسب خبراء القانون الذين ينطلقون من تقويضه مقومات الديمقراطية التشاركية التي جاء بها دستور 2014، مع حذف سعيّد الهيئات الدستورية المستقلة، التي كانت تمثل سلطة مضادة وتعديلية، تراقب احترام الإدارة التنفيذية وبقية السلطات للحقوق والحريات والشفافية.

نظام رئاسي مطلق

ويُبقي سعيد في دستوره على هيئة الانتخابات فقط بعد إلغائه هيئة حقوق الإنسان وهيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد وهيئة التنمية المستدامة وحماية حقوق الأجيال القادمة وهيئة الاتصال السمعي البصري.

كما يُخضع الدستور الجديد المحكمة الدستورية لنفوذ الرئيس الذي يعين أعضاءها ويعزلهم، باعتبار أنهم غير منتخبين كما كان في الدستور الحالي، بل معينين من بين القضاة الأقدم في المحاكم (على أبواب التقاعد) بما يجعلها هيئة معينة غير مستقرة، وفقاً لتفسيرات القاضي بمحكمة الاستئناف، نائب رئيس الهايكا السابق (هيئة الاتصال السمعي البصري)، عمر الوسلاتي.


خالد الدبابي: هذا النظام غريب، ولا يشبه الأنظمة الديمقراطية المتعارف عليها

ويشير الوسلاتي في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إلى أنه "في غياب هذه المؤسسات الدستورية، تصبح المسألة رهن خيارات شخصية لرئيس الجمهورية".

ويبين أن "المؤسسات الدستورية تضمن استمرار أي منظومة ديمقراطية، والفلسفة من إحداثها هي وضع سلطة تحدّ سلطة أخرى من أي انحراف، مع تعديل قراراتها بشكل يتماشى مع الديمقراطية ومع حقوق الإنسان والحريات ومع النزاهة والشفافية".

كما يلغي الدستور الجديد مبدأ السلطة اللامركزية بحذف باب السلطة المحلية، بما يعتبره الخبراء تراجعاً عن مبدأ الديمقراطية المحلية واستهدافاً محتملاً للبلديات المنتخبة في عام 2018، ورجوعاً إلى الدولة المركزية كما كانت في دستور 1959، مع إشراف وزارة الداخلية على البلديات وإخضاع الجهات لسلطات المحافظين المعينين من الرئيس.

ويذهب خبراء القانون إلى حد القول إن الدستور الجديد يمسّ بالحريات والحقوق التي كانت مكفولة في دستور 2014، مع إلغاء حق القضاة من الإضراب.

ولا ينص الدستور على مدنية الدولة، لكنه ينصّ على مقاصد الإسلام وتأصيل الناشئة في الهوية العربية الإسلامية، بالإضافة إلى الانتماء للأمة العربية والإسلامية، وهو ما يفتح باب الجدل الواسع حول مدنية الدولة وتوظيف الدين في السياسة.

ولا يتضمن الدستور أيضاً حق المعارضة ودورها، كما كان في دستور 2014، وهو ما يراه المعارضون ضرباً لحق المعارضين والمنافسين، وتمهيداً لتصفية أي نفس معارض مستقبلاً.