يربط جهاز الاستخبارات الدنماركية "بيت"، في أحدث تقييماته، اليوم الخميس، بين تكثيف الهجمات الإسرائيلية ضد غزة والتهديد الإرهابي في الدنمارك، خاصة في ظل استمرار تدفق الصور والفيديوهات التي تبين الوحشية والعنف ضد المدنيين في القطاع، والغضب من موقف الحكومة من الحرب.
وكان جهاز الاستخبارات العسكرية "إف إي" قد خرج، بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وتصاعد القصف الإسرائيلي على قطاع غزة، بتقييم لرفع درجة مخاطر حدوث أعمال إرهابية، والتأهب إلى الدرجة الرابعة.
وأكد رئيس "مركز تحليل الإرهاب" في "بيت" مايكل هامان، في تصريحات صحافية محلية، أنّ الأجهزة الأمنية في كوبنهاغن "لم تر سابقاً مثل هذه القاعدة العريضة للتعبئة والاصطفاف الكبير المولد للتوجه نحو التطرف، إذ إن شدة الصراع العنيف (يقصد في غزة) يمكن أن يؤدي لمزيد من التطرف".
ويتوقع جهاز الاستخبارات الدنماركية أن العام الحالي 2024 "سيشهد المزيد من التهديد مع استمرار الهجمات الإسرائيلية حالياً على غزة، وسط ترجيح بتكثف تلك التهديدات مع تكثف استهداف غزة".
وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عبّر "مركز تحليل الإرهاب" في الدنمارك عن قلقه من توجه الشبان الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً "بشكل متزايد إلى التطرف على الإنترنت". وشدد المركز حينه على أنه "يأخذ على محمل الجد هذا الاتجاه المتزايد، بما في ذلك تخصيص المزيد من الموارد للتعاطي مع التطرف، بما فيه التطرف اليميني، الذي بدأ يظهر أكثر من السابق على الإنترنت".
ويعتبر هامان أنّ ذلك كله، إلى جانب تغطية الحرب في غزة على نطاق واسع، والذي نجم عنه تدفق صور وحشية وعنيفة من غزة، "يؤدي إلى مخاوف من تزايد الاتجاه نحو التطرف". ويشير الجهاز الأمني إلى أن الحرب أتت لترفع مستوى مخاطر التهديد بعد ما تسببت فيه انتهاكات القرآن (حوادث حرق نسخ من المصحف)".
وتتشارك الأجهزة الأمنية في كوبنهاغن التحليلات التي يقوم بها "مركز تحليل الإرهاب"، المعروف اختصاراً بـ"سيتا"، مجمعة على أنّ "صور التهديد بنتيجة الحرب في غزة لم نشهد مثيلاً لها منذ سنوات عديدة، وهي حالة تنطوي على إمكانيات كبيرة للتوجه الشبابي نحو التطرف".
مستوى التهديد الذي ارتفع إلى الدرجة الرابعة يعيد الدنمارك، وفقاً للأجهزة الأمنية، "إلى سنوات الاهتمام الذي أثارته أزمة رسوم النبي محمد والمشاركة الدنماركية في حروب أفغانستان والعراق وسورية".
وعلى مدار الأشهر الأخيرة، تعاملت الشرطة والأجهزة الأمنية في الدنمارك مع الإحباطات التي انتشرت بين الشبان، وخصوصاً بعد المواقف الأولية لرئيسة الحكومة ميتا فريدركسن في تأييدها السريع لدولة الاحتلال الإسرائيلي، على نحو لم يواجه التحركات في الشارع، والتي بدأت بداية في بعض التجمعات السكنية التي يغلب عليها طابع الأصول المهاجرة.
ومنذ منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لم تتردد الشرطة الدنماركية في منح الحماية والترخيص للفعاليات المتضامنة مع فلسطين، والتي توسعت لتضم عشرات الآلاف في شوارع مدنها.
ومع ذلك، فإنّ جهاز الاستخبارات الدنماركية، الذي لديه وحدة مراقبة ما يسمى "التطرف على وسائل التواصل"، بات يحذر من أنّ "استمرار الحرب في غزة على وجه الخصوص يشكل خطراً محتملاً لأعمال إرهابية".
ويحذر الجهاز الأمني في الدنمارك مما يسميه "انتشار نصوص وصور ومقاطع فيديو وخطب تحمل رسائل انتقام من اليهود، ما يعني أن مستوى التهديد الإرهابي أعلى مما كان عليه في سنوات عديدة ماضية".
ويشير المتخصصون في الاستخبارات الدنماركية إلى خشيتهم من "استفادة الحركات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، من الوضع لتحقيق أقصى استفادة". ولفتت الأجهزة الأمنية على وجه الخصوص إلى ما سمته انتشار تحريض على الدنمارك بسبب مواقفها السياسية بعد السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
ويستشهد هؤلاء في تحذيراتهم إلى بعض ما انتشر باللغة الدنماركية على قناة عبر "تليغرام"، تضم نحو ألف مشارك، من كلمات تهاجم الملكة السابقة للبلد مارغريتا الثانية، وجمل مثل "اللهم دمر الدنمارك والغرب بأكمله".
أضف إلى ذلك أنّ "مركز تحليل الإرهاب" يخشى من انتشار مؤيدين لما سموه "تدمير الدنمارك"، بعد نشر صورة فرقاطة دنماركية كانت متوجهة نحو البحر الأحمر قبالة اليمن، كما ظهر في منشور آخر صورة للدنماركي فيكتور كريستنسن الذي فجر نفسه في 2013 في قاعدة عسكرية بالعراق.
ولعل ما يثير مخاوف الاستخبارات على مستوى الانترنت "ظهور منشور يحمل صورة عمر الحسين، منفذ هجوم فبراير/ شباط 2015 ضد الكنيس اليهودي في كوبنهاغن".
في المجمل، يعتبر الجهاز الأمني الدنماركي أن هناك "خشية من قيام بعض المجموعات الإجرامية باستغلال التظاهرات الشعبية لأجل تنفيذ العنف".
ورغم أن منظمي الفعاليات المتضامنة مع فلسطين في الشارع لديهم ما يشبه تأميناً بوجه مثل هؤلاء الذين يحاولون حرف التظاهرات نحو مآرب أخرى، يقول جهاز الاستخبارات الدنماركي: "هناك شعور بالقلق بشأن بعض الأفراد من الدوائر الإجرامية (كمنتمين لعصابات مخدرات أوقف بعضهم أخيراً بذريعة أنهم مؤيدون لحماس بتحريض إسرائيلي) الذين أظهروا استعداداً للعنف ولديهم إمكانية الوصول إلى الأسلحة، فهؤلاء بعضهم لم ينفذ محكوميته بعد، وليس لديهم الكثير ليخسروه".