الاختفاء القسري... سلاح حرب للجيش الفرنسي خلال "معركة الجزائر"

15 يونيو 2023
رفع شعار معادٍ لفرنسا خلال تظاهرة بالجزائر،2021 (رياض قرامدي/فرانس برس)
+ الخط -

استُخدمت جريمة الاختفاء القسري على نطاق واسع خلال فترة الدكتاتوريات في أميركا اللاتينية في السبعينيات والثمانينيات. وكانت أثناء حرب الاستقلال الجزائرية السلاح المفضل في "الحرب ضد التخريب" التي قادها الجيش الفرنسي في الجزائر العاصمة ضد السكّان الجزائريين.

لم تتوقف الإدارة الاستعمارية الفرنسية عن العمل خلال الحرب الطويلة التي شنتها جبهة التحرير الوطني من أجل استقلال الجزائر (1954-1962). وهكذا، طوال سنة 1957، أرسلت محافظة الجزائر كل أسبوع حزماً لافتة من الوثائق [إلى الجنرال جاك ماسو]. تتضمن هذه الاستمارة اسم ولقب شخص، العمر، العنوان والمهنة، وتاريخ وظروف "اعتقاله" من قبل العسكر، وأخيراً، اسم أحد أفراد عائلته، "يتم إخطاره في حالة العثور عليه".

خلال عام واحد، أصدرت المحافظة 2039 من هذه الإخطارات الغريبة عن البحث، في انتظار إجابات من الجيش عن مصير الشخص المعني. وكان الانتظار عبثاً في غالب الأحيان. تأسف عن ذلك المدعو رامبو، رئيس المصلحة المختصة، في مذكرة داخلية: في 70 في المائة من الحالات، لم يجب الجيش أو كانت ردوده "غير صالحة" أو "غير مرضية". وكتب: "ببساطة لم يكن من الممكن بالنسبة لي منذ فترة طويلة إخبار محامٍ واحد إذا كان الموكل الذي يهتم به ميتاً أم حياً".

كان ملف "المختفين المحتجزين" الذين أبلغت عنهم عائلاتهم في 1957، المحفوظ اليوم في مصلحة الأرشيف الوطني لما وراء البحار (ANOM)، نقطة البداية لمشروع تاريخي "1000 آخر"، بقيادة مليكة رحال وفابريس ريسبوتي.

وقد تمّ وضعه على الإنترنت على موقع مخصص، مع نداء للشهادة باللغتين العربية والفرنسية، يسأل أقارب وأحفاد الأشخاص الذين اختطفهم الجيش، سواء تم إطلاق سراحهم لاحقاً أو اختفوا بشكل دائم. بالإضافة إلى هذه المعلومات، تروي العائلات أيضاً، في ردودها المتعددة، ظروف الاختطاف من قبل الجنود واستراتيجياتهم في مقاومة الرعب، وإجراءات البحث عنهم، وتجربتهم، منذ ذلك الحين، عن الاختفاء النهائي لأحد الأقارب.

كان ملف "المختفين المحتجزين" الذين أبلغت عنهم عائلاتهم في 1957، نقطة البداية لمشروع "1000 آخر"

استناداً إلى شهادات العائلات الجزائرية هذه، والتي لم يلجأ إليها كثيراً حتى الآن المؤرخون الفرنسيون، وكذلك إلى أرشيفات استعمارية مختلفة، يتيح مشروع "1000 آخر" أيضاً تجديد التاريخ عن المقطع التاريخي الذي سمي بـ"معركة مدينة الجزائر"؛ وهو تاريخ يخالف وجهة نظر لا تزال سائدة إلى حد كبير ـ بما في ذلك في كتب التاريخ ـ أي وجهة نظر الفاعلين العسكريين في ذلك الوقت.

استئصال الوطنية في مدينة الجزائر

في 7 يناير/كانون الثاني 1957، أعطت حكومة غي مولي تفويضاً مطلقاً للجنرال ماسو لاستعادة النظام الكولونيالي في الجزائر العاصمة. كان هذا النظام مهدداً بالفعل بشكل خطير نتيجة الزيادة، منذ خريف 1956، في ما يسمى بنشاط "التمرد" - أعمال حرب العصابات وهجمات - وعلى الخصوص، في ذلك التاريخ، أفق حدوث كابوس سياسي بالنسبة للسلطات الفرنسية [إضراب الثمانية أيام المناهض للاستعمار]، والذي يمكن أن تثبت من خلاله جبهة التحرير الوطني أن لديها حضوراً جماهيرياً.

أوكل للجيش، الذي كانت مهمته حتى ذلك الحين بشكل أساسي مواجهة متمردي [جيش التحرير الوطني] في المناطق الريفية، مهمة "تهدئة" مدينة الجزائر هذه المرة، وفقاً لتعبير ذلك الوقت، أي كشف وتدمير التنظيم السياسي السرّي وشبه العسكري لجبهة التحرير الوطني، المنغمس بين 400 ألف جزائري في المدينة. لكن لا يمكن أن تكون الأساليب المستخدمة في الريف هي نفسها في البيئة الحضرية، في مدينة الجزائر الاستعمارية الكبيرة، التي يسكن الأوروبيون نصفها وهي تحت الأضواء.

تم تفضيل سلاح القمع السياسي العنيف المستوحى من "عقيدة الحرب الثورية" أو التمرد المضاد الذي تم تطويره بعد الهزيمة الفرنسية في الهند الصينية؛ وهو سلاح يمكن استعماله في الخفاء: الاختطاف الجماعي لسكان مدينة الجزائر المشتبه في صلتهم بالتمرد الجاري.

أوصى المقدم روجر ترينكييه، أحد الضباط الأيديولوجيين الملهمين للعملية، الوزير روبرت لاكوست بـ"تطهير" السكان "المسلمين" في الجزائر العاصمة. يتعين، وفقاً له، القيام بفحص وتدقيق لهؤلاء السكان بالكامل. في منتصف يناير، قُدر عدد المشتبه بهم المحتجزين في المعسكرات بـ20 ألف، وهو رقم أعلى بكثير من العدد المقدر لأعضاء جبهة التحرير الوطني في الجزائر العاصمة [مذكرة من المقدم روجر ترينكييه، 15 يناير 1957].

ولهذه الغاية، حصل الجيش بسهولة من السلطة السياسية على وضع ترتيب استثنائي، يسمى أحياناً "نظام الاعتقال والاحتجاز"، وهو معفى، باسم النجاعة، من جميع القيود القانونية. يمكن للجيش دخول المنازل والتفتيش والاعتقال والاحتجاز والاستجواب بحسب ما يراه مناسباً. وهذا دون الحاجة لتقديم شرح لأحد عن دوافعه وعن هوية ومصير "المشتبه بهم" المعتقلين.

يُطلب ببساطة فقط بعد الانتهاء من الفعل ودون أن يتمكن أحد من التحقق من أقواله، من المحافظة، إضفاء الطابع الرسمي على الاعتقالات. يمنح للعسكر فترة من الوقت "لاستغلال" المعتقل قبل أن يعلنوا عن اعتقاله في المحافظة. وهو النظام الذي سمح بتعميم التعذيب والاغتصاب وعمليات الإعدام التي يتبعها إخفاء الجثث أو تدميرها.

وهكذا تم، على نطاق واسع، تجريب ممارسة قمعية لم يتم وصفها وتعريفها إلا في وقت لاحق، عندما تم استخدامها مرة أخرى في السبعينيات والثمانينيات، خصوصاً في أميركا اللاتينية، حيث، كما هو معلوم، ذهب هؤلاء العسكر الفرنسيون بأنفسهم بعد ذلك لتدريسها: الاختفاء القسري.

منذ سنة 2010، تُعرِّف الأمم المتحدة "الاعتقال أو الاحتجاز أو الاختطاف أو أي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم على أيدي موظفي الدولة، أو أشخاص أو مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن أو دعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو إخفاء مصير الشخص المختفي أو مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون"، على أنه جريمة ضد الإنسانية.

عمليات خطف جماعي للترهيب

وفي يناير وفبراير/شباط 1957، خلال قمع الإضراب الذي نظمته جبهة التحرير الوطني، استندت الموجة الأولى من الاعتقالات - عمليات الاختطاف من وجهة نظر الجزائريين، وكذلك من وجهة نظر القانون - إلى ملفات الشرطة المتضمنة معلومات حول الآراء السياسية والانتماء إلى مختلف المنظمات المحظورة أو التي تعتبر تخريبية: جبهة التحرير الوطني، الحركة الوطنية الجزائرية، الحزب الشيوعي الجزائري، الاتحاد العام للعمال الجزائريين، الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين وجمعية العلماء المسلمين.

فضّل الجيش الفرنسي عدم استخدام أساليبه في الريف بمدينة الجزائر، فتمّ تفضيل سلاح القمع السياسي العنيف

على الرغم من الرعب، كان إضراب جبهة التحرير الوطني ناجحاً، لكنه حدد للجيش مشتبهين جدداً من بين المضربين للاستنطاق. سرعان ما استهدفت عمليات الاختطاف الأنشطة الإنسانية مثل المراكز الاجتماعية التي أنشأتها جيرمان تييون. وعادت بقوة من جديد خلال صيف وخريف 1957، عندما اتضح أن جبهة التحرير الجزائرية لم تمت على الرغم من إخلاء قيادتها من المدينة، حيث كانت لا تزال لديها القدرة على الرد بهجمات جديدة.

تعرضت كل الأحياء "المسلمة"، وليس القصبة فقط، لمداهمات وعمليات خطف مستهدفة، تتم في أغلب الأحيان ليلاً وبوحشية متفاخرة. غالباً ما تحتفظ العائلات التي أدلت بشهادتها اليوم بذكرى ذلك: الأبواب المحطمة، السرقات، العنف ضد الأحبة، وتصريحات تقشعر لها الأبدان حول المصير المشؤوم الذي ينتظر الشخص الذي ألقي به في شاحنة مغطاة، حيث غالباً ما يكون هناك مخبر ملثم. (يلقبه الشهود بـ "بوشكارة" ["أبو كيس"، في إشارة إلى الكيس الذي يرتديه المخبر على رأسه حتى لا يتم التعرف إليه).

يتم الاختطاف أيضاً على الطريق العام أو في مكان العمل، ولا يسلم منه المراهقون وكبار السن. تأثرت جميع طبقات السكان المستَعمَرين. بلغ عدد حالات الاختطاف عشرات الآلاف خلال عام واحد. زُج بمعظم هؤلاء "المشتبه بهم"، الذين لم يحاكموا قط، في المعسكرات. لن يخرج بعضهم منها حتى عام 1962، بعد أن تم نقلهم عدة مرات من مكان إلى آخر من نظام معسكرات الاعتقال الواسع، لا سيما عندما كان يجب كسر مقاومة السجناء وتفريقهم.

نضال الأسر

مسّت طريقة عمل الجيش السكان الجزائريين بأكملهم، هم الذين يريدون اقتلاعهم بعيداً عن تأثير القومية. فهو لا يقوم بتحييد "المشتبه بهم" المخطوفين فحسب، بل يرعب عائلاتهم، وبتأثير تصاعدي كل سكان أحيائهم. لأن الناس يعلمون بسرعة كبيرة أن أولئك الذين يتم إلقاء القبض عليهم معرضون لخطر التعذيب وحتى الموت، في عشرات المراكز المنتشرة في العاصمة وحولها حيث يتم استنطاق الناس: الثكنات والفيلات والمدارس والمزارع الاستعمارية... أينما يعسكر الجنود، يقوم الجنود بالتعذيب؛ وعلى الرغم من تفضيلهم الأقبية، إلا أن صرخات التعذيب كانت تسمع أحياناً في الجوار. مشروع "1000 آخر" قام أيضاً بإحصاء هذه المراكز ورسم خريطة الرعب في الجزائر العاصمة ومحيطها.

تروي العديد من الشهادات التي تمّ جمعها اليوم كيف جابت الزوجات والأمهات المدينة بحثاً عن سجينهن - المفقود، وأحياناً يتوقفن لساعات أمام تلك الأماكن، على أمل رؤيته أو الحصول على معلومات. ينجحن أحياناً، لكن يحدث أيضاً أن يتم طردهن بعيداً أو أن يخبرهن جندي بقسوة أنه لم يعد هناك أمل. يمكن للمحتجزين المفرج عنهم تقديم معلومات. في بعض الأحيان تتلقى العائلات رسائل من أحبائها وقد تزورهم في أحد المعسكرات لفترة من الوقت، ثم فجأة لا تسمع عنهم أي خبر على الإطلاق.

بالنسبة للعديد من العائلات، فإن الأمل في ظهور المفقود لم يتبدد إلا بعد وقف إطلاق النار في 19 مارس/آذار 1962، عندما أفرجت المعسكرات عن الآلاف من السجناء، ولم يعد أقاربهم.

كتبت العائلات كثيراً، بمساعدة كاتب عمومي في أغلب الأحيان: إلى المحافظة، إلى الوزير لاكوست، إلى الجنرالات سالان وماسو، وإلى سوزان ماسو [سوزان ماسو كانت مقاومة فرنسية ضد النازية اقترنت في زواج ثان بالجنرال ماسو]، وإلى رئيس أساقفة الجزائر العاصمة، وإلى جميع السلطات في العاصمة الفرنسية. وسواء كانت تتوسل أو تطلب أخباراً، فنادراً ما تتلقى رسائلها - الموزعة اليوم في الأرشيفات المدنية أو العسكرية - رداً.

بدأت الموجة الأولى من عمليات الاختطاف بحسب جبهة التحرير الوطني في يناير وفبراير 1957، خلال قمع الإضراب الذي نظمته الجبهة

ابتداء من مايو/أيار 1957، تلقت لجنة حماية الحقوق والحريات الفردية التي أنشأها غي مولي للتحقيق في "الانتهاكات المحتملة" في الجزائر العاصمة، وفق تعبيره، العديد من طلباتها. وكانت تكتفي بأن تحول لها الإجابات التي تحصل عليها من الجيش. غالباً ما يدعي هذا الأخير أنه "أطلق سراح" الشخص. حيث كان لا يشعر بالحاجة، في حالتهم، إلى بناء سيناريو كاذب، كما كان عليه القيام به في يونيو 1957 بخصوص "الهارب" موريس أودان. وعندما يطلب أحد أعضاء هذه اللجنة الاطلاع على ملف "المختفين" الذي سمع بوجوده، يرفض له ذلك من قبل المحافظة.

كان لا بد من إبقاء حجم انتشار الرعب سراً. كان بإمكان تحقيق يتم بناء على هذا الملف أن يكشف أن بعض المطلوبين اختفوا جسدياً وروحاً أثناء اعتقالهم. إلى اليوم، من بين ما يقرب من 1200 حالة تم الإعلان عنها على موقع 1000autres.org (حيث يتم أخيراً إجراء هذا التحقيق المستحيل لمدة طويلة)، تم تحديد حوالي 400 حالة اختفاء نهائي. مع أن الأمر يتعلق بمجرد عينة، حيث لم تتصل سوى بعض العائلات المعنية بالمحافظة. وقد نجح الإخفاء جيداً إلى درجة أن لا أحد يعرف اليوم العدد الإجمالي "للمختفين في معركة الجزائر". ولا يمثل تقدير بول تيتغن الشهير (3024 حالة اختفاء) سوى ترتيب حجمي محتمل.

في 1957، إذا التزم الجيش صمتاً مطلقاً بشأن عمليات الخطف الجماعية، فقد تواصل بكثرة أثناء العملية بخصوص مصادرة الأسلحة والقنابل. تم عرض أعضاء "شبكة القنابل" الموقوفين أمام الصحافة وتم تقديمهم – في ما يخصهم - أمام القضاة. هكذا طور الجيش "رواية - قصصية" مفادها أن "معركة الجزائر" هي مواجهة بين الجيش الفرنسي وجبهة التحرير الوطني التي تم ربطها بـ"الإرهاب"، لأنها اختزلت - أو تكاد - في "زارعي القنابل".

بثت هذه الرواية للأحداث في ربيع 1957، خلال حملة مناهضة التعذيب التي شنت في فرنسا. وقد عززها بعد الحرب ماسو وضباطه في مذكرات، نالت نجاحاً كبيراً، رداً على اتهامهم بارتكاب انتهاكات (لا سيما في كتاب "معركة الجزائر الحقيقية" لجاك ماسو، 1972). وبحسب هذه المرافعة الدفاعية، فإن الحاجة لوضع حد للهجمات بالسعي العاجل للحصول على معلومات عن المفجرين كان من شأنه تفسير وتبرير استخدام أساليب "استثنائية".

ترسخ هذا التبرير للرعب بحجة حرب ضرورية ضد الإرهاب في الخيال الجماعي بعد 1962، من خلال أدبيات غزيرة ممجدة للمظليين وكذلك من خلال السينما. حتى الفيلم الشهير الذي أخرجه جيلو بونتيكورفو "معركة الجزائر" يعطي حيزاً واسعاً لهذا الجانب من الأشياء، حتى وإن كان بهدف التنديد به.

وفقاً لهذا الإطار لقراءة الأحداث - الذي يحجب بُعد الرعب السياسي للعملية - فإن مقتل آخر أعضاء "شبكة القنابل" في أكتوبر/تشرين الأول 1957 (بما في ذلك مقتل علي لابوانت)، من شأنه، منطقياً، أن يضع حداً لعملية "مكافحة الإرهاب" التي بدأت في يناير.
لا يزال هذا التقسيم الزمني لـ"معركة الجزائر"، الذي يحمل تفسيراً للحقائق، سائداً على نطاق واسع اليوم.

من بين ما يقرب من 1200 حالة أعلن عنها على موقع "1000 آخر"، تم تحديد حوالي 400 حالة اختفاء نهائي

غير أن المحفوظات، وكذلك الشهادات التي تم تحليلها في مشروع "1000 آخر" تؤدي، على الأقل، إلى التشكيك فيها. في الواقع، بينما تم القضاء بالفعل على شبكة القنابل في أكتوبر، استمر القمع السياسي في مدينة الجزائر بنفس الطريقة: ظلّت التقارير عن حالات الاختفاء القسري كثيرة حتى ديسمبر/كانون الأول 1957 واستمرت في عام 1958. وبعيداً عن الانتهاء في 1958، أصبحت هذه الممارسة، التي أقرتها الحكومة الفرنسية، منتشرة في جميع أنحاء الجزائر حتى عام 1961 على الأقل.

جريمة مخفية إلى حد كبير

تمّ تحليل جريمة الاختفاء القسري وتحديدها قانونياً في وقت متأخر جداً، ويرجع الفضل في ذلك في المقام الأول إلى تعبئة أسر الضحايا، لا سيما من الأرجنتين. لم يتم ذلك قط بخصوص استعمالها خلال حرب استقلال الجزائر.

في فرنسا، حتى وإن سمحت قضية موريس أودان لبيير فيدال ناكي بوصف نظام الاختفاء القسري منذ عام 1958، فإن استخدام التعذيب هو الذي حرك جزءاً من الرأي العام، أكثر بكثير من مسألة الاختفاء القسري. قبل 1962، وعلى الرغم من الجهود المبذولة، لم يكن بمقدور العائلات الجزائرية التي كانت ضحية لهذه الممارسة أن تُسمع صوتها. بعد 1962، لم يكن مصيرهم مميزاً في محيط الحداد لحرب التحرير: حظي المفقودون، مثل كل القتلى الآخرين، بصفة الشهداء. وفي الأخير، ألغى مرسوم العفو الذاتي، الذي أصدرته فرنسا في نهاية الحرب، الشكاوى المقدمة ومنع أي استحضار لهذه الحقائق وسماع الضحايا والشهود أمام المحاكم والرأي العام.

في 2018، اعترفت الجمهورية الفرنسية رسمياً بمسؤوليتها عن اختطاف وتعذيب واغتيال موريس أودان، وهو جامعي من أصل أوروبي. وفي 2020، فعلت المثل بخصوص المحامي علي بومنجل، الذي ندد رجل القانون الفرنسي الشهير، ريني كابيتان، باغتياله المموه في صورة انتحار. كما تمّ الاعتراف بوجود "نظام" يسمح بهذه الجرائم. لكن يبقى الآلاف من أودان وبومنجل آخرين، كل أولئك الذين لم يكن اختفاؤهم قضية في فرنسا، غير معروفين في كتب التاريخ. غالباً ما تعبّر الجزائريات والجزائريون الذين تم الالتقاء بهم خلال تحقيق "1000 آخر" عن تأثرهم برؤية تاريخهم مستعاداً ومرئياً للعالم بأسره على موقع إلكتروني. لكنهم مع ذلك، لا يزالون يعانون من ألم الجهل بما حدث لمفقودهم وعدم وجود قبر ليترحموا عليه.

ينشر بالتزامن مع أوريان 21
https://orientxxi.info/ar

المساهمون