منذ اللحظات الأولى لسقوط الصاروخ الذي أطلق من قطاع غزة على مستوطنة مشميرت، شمالي كفار سابا، في الأراضي الفلسطينية المحتلة، على بعد 120 كيلومتراً من القطاع، فجر الإثنين الماضي، سعى الاحتلال الإسرائيلي للحصول على صورة "النصر"، من خلال حرب إعلامية وتهديدات واسعة أطلقتها المستويات الأمنية والسياسية والإعلامية في دولة الاحتلال. لكن ذلك كان مقروناً بعدم انزلاق الأوضاع إلى حرب جديدة مع قطاع غزة.
وفيما كانت الجولة التصعيدية أقل عنفاً، فإنها توسعت لتستهدف، للمرة الأولى، مقر رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، إلى الشمال الغربي من مدينة غزة، إلى جانب قصف أهداف ذات طابع مدني وتجاري. وفي غزة أيضاً، لا ترغب الفصائل الفلسطينية المسلحة، خصوصاً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، في الذهاب إلى حرب واسعة، في ظل الضغط الداخلي والحصار المطبق المفروض على القطاع، وغياب الحلول التي ترافق الحروب عادة.
وعلى الرغم من أنّ أياً من الفصائل لم يتبنَ إطلاق الصاروخ، ومن قبله صاروخَي تل أبيب، اللذين أطلقا من غزة قبل نحو أسبوع، إلا أنّ المؤشرات تدل على أنّ هذه الصواريخ حملت رسائل "تهديد"، في ظل مماطلة إسرائيل ورفضها للمضي قدماً في التفاهمات التي أبرمت مع غزة عبر الوساطة المصرية والقطرية والأممية، في أعقاب اندلاع مسيرات العودة وكسر الحصار قبل نحو عام على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع مع الأراضي المحتلة. وبدا أن مطلقي الصواريخ الثلاثة أرادوا إرسال أكثر من رسالة للاحتلال الذي يماطل في تنفيذ التفاهمات، وللوسيط المصري الذي لوحظ بطء حركته في نقل الرسائل المتبادلة بين غزة وتل أبيب، وإنّ كان البعض يرى أنّ الرسالة للوسيط المصري هي الهدف الأول في عملية استهداف تل أبيب، العمق الاستراتيجي لدولة الاحتلال.
وشنّت طائرات الاحتلال، خلال نحو 12 ساعة من العدوان، نحو 50 غارة، استهدفت خمس منها مقارَ ومباني سكنية، وتسع غارات استهدفت مواقع للمقاومة الفلسطينية، فيما استهدفت 20 غارة أراضي زراعية. وأدت الغارات، التي استمرت حتى بعد إعلان وقف إطلاق النار، إلى إصابة 7 فلسطينيين، لكنها أصابت مليوني فلسطيني في القطاع بالخوف والهلع نتيجة التهديدات التي تصاعدت من إسرائيل. ولم يسلم مقر شركة "الملتزم" الإسلامية للتأمين من القصف، إذ دُمر المبنى شرقي السرايا في مدينة غزة بالصواريخ، وتضررت كذلك مدرسة لتعليم القيادة في بيت لاهيا، شمال القطاع، إلى جانب استهداف مقار تابعة لجهاز الأمن الداخلي في غزة.
وفي قراءة لعملية القصف، بدا أنّ المسؤولين في دولة الاحتلال خلصوا إلى قناعة بأن استمرار قصف الأهداف العسكرية والمواقع الفارغة لن يحقق صورة "النصر" التي يبحث عنها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، خصوصاً على بُعد أيام قليلة من انتخابات الكنيست الإسرائيلي. ورافقت عمليات القصف الإسرائيلي العنيف على القطاع، حالة من التضخيم الإعلامي و"البروباغندا" من قبل عدد من الوزراء والمسؤولين في جيش الاحتلال، في خطوة تدُل على سعيهم الحثيث للحصول على صورة "النصر" أمام جمهورهم الداخلي، من دون أن ينزلقوا في بحر رمال غزة المتحرك.
وخلال جولات التصعيد الأخيرة التي كان الاحتلال يشنّها بين الحين والآخر على القطاع، كان جيش الاحتلال يميل إلى استهداف بعض المقار والمؤسسات، بدعوى تبعيتها لحركة "حماس" أو أنها مقار تتبع لأجهزتها الأمنية والاستخباراتية أو حتى لذراعها العسكري "كتائب القسام". وعن ذلك، يقول الكاتب والمحلل السياسي حمزة أبو شنب، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الاحتلال وعبر استهداف بعض المقار المدنية، حاول أن يحقق مجموعة من النقاط والأهداف، والتي يمكن من خلالها أن يقنع جمهوره الداخلي بأنه حصل على صورة النصر. ويوضح أبو شنب أن أثر الصاروخ الذي أطلق من غزة ووصل إلى ما بعد تل أبيب من دون أن يجري تفعيل منظومة "القبة الحديدية" شكّل حرجاً شديداً للاحتلال أمام جمهوره وجبهته الداخلية، لذلك كان الرد متمثلاً في استهداف بعض المقار إلى جانب المواقع العسكرية. واعتبر أن المختلف هذه المرة في القصف الإسرائيلي هو أنه تركّز في وسط مدينة غزة، وهو ما يمكن قراءته على أنه يحمل رسالة تهديد لقادة حركة "حماس" والمقاومة بأن استمرار قصفها سيُقابل بقصف عمق مدينة غزة ووسطها المكتظة بالسكان والمقار. ويؤكد الكاتب والمحلل السياسي أن الاحتلال وعبر قصف مكتب يتبع لشركة تأمين، يحاول أن يمس بالحاضنة الشعبية للمقاومة. ويعتبر أن استهداف مكتب هنية يأتي كخطوة ذات طابع استعراضي أكثر من كونها خطوة عملياتية، على اعتبار أن هذا المقر يتبع لقيادة المكتب السياسي لحركة "حماس"، ومحاولة من الاحتلال للحصول على صورة "النصر" والإنجاز، في ظل اقتراب انتخابات الكنيست.
وعلى الرغم من استهداف بعض المقار والمنشآت، إلا أن هذه الجولة لم يحدث خلالها أي تغيير لقواعد الاشتباك القائمة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، على الرغم من بعض الزيادة في استهداف المؤسسات، إلا أنها لم تخرج عن السياق القائم منذ انطلاق مسيرات العودة الكبرى وكسر الحصار، بحسب أبو شنب. ويتبع الاحتلال سياسة تدمير المقار والمنشآت المدنية، وحتى تلك التابعة للمقاومة الفلسطينية بأذرعها المختلفة، إلى جانب مقرات الشرطة في خطوة يعتبرها الكثير من المراقبين بمثابة عجز وفشل للاحتلال وعدم وجود بنك أهداف حقيقي له.