الاحتلال ولعبة المخاتير في القدس: تهميش الحركة الوطنية الفلسطينية

23 يناير 2022
سيمنح المخاتير صلاحيات بما يتعلق بخطط الهدم والترخيص (مناحيم كهانا/فرانس برس)
+ الخط -

ينظر المقدسيون بكثير من الريبة والشك حيال الدور الجديد الذي منحته سلطات الاحتلال الإسرائيلي لما يسمى بـ"المخاتير"، وهو دور قديم متجدد، تأسس مع الاحتلال ذاته، بعد سقوط مدينة القدس في قبضته، وتنامي دور الحركة الوطنية الفلسطينية في مقاومته والتصدي لمشاريعه ومخططاته.

ولمواجهة ذلك، لجأ الاحتلال إلى من يسميهم المقدسيون بـ"ضعاف النفوس" لمعاونة الاحتلال وتقديم المساعدة له في مواجهة الحركة الوطنية، والقيام بمهام تخدمه على الصعيد الاجتماعي والخدماتي، وتحسين صورة الاحتلال، وسط تحذيرات من قيام الاحتلال بالتلاعب بالمجتمع المقدسي.

تعزيز دور المخاتير في القدس

تعاظمت خلال الفترة الأخيرة محاولات هؤلاء المخاتير، وهم في الغالب أشخاص منبوذون من مجتمعهم، لتأدية بعض المهام نيابة عن الاحتلال، بالتعاون مع ما تسمى المراكز الجماهيرية، وهي ذراع تنفيذية تابعة مباشرة لبلدية الاحتلال في القدس، وباتت تقدم للمقدسيين ما يوصف بـ"الخدمات".

يحظى المخاتير بصلاحيات من بلدية وشرطة الاحتلال، تُمكّنهم من التدخل في فضّ النزاعات

ويحظى هؤلاء المخاتير بصلاحيات من بلدية وشرطة الاحتلال، تُمكّنهم من التدخل في فضّ النزاعات على حساب الحركة الوطنية.

ووجّه الاحتلال للحركة خلال السنوات التي أعقبت اتفاق أوسلو ضربات كبيرة وموجعة حدّت من نشاطها ومن قدرتها على التدخل، بتقديم الخدمات الضرورية، وهي مسؤولية كان يقوم بها بيت الشرق، وعشرات المؤسسات الأخرى التابعة له أو المستقلة عنه، والتي أغلقها الاحتلال مطلع عام 2000.

كذلك تشدّد الاحتلال في ملاحقة الحركة ومنع أي أنشطة لها، حتى لو كانت ثقافية أو اجتماعية أو فنية، عدا عن قمعه الأنشطة الاحتجاجية على ممارساته.

وسجّل منذ مطلع الانتفاضة الثانية التي اندلعت عام 2000 منع الاحتلال مئات الفعاليات والأنشطة في القدس، بدعوى أنها موجهة من السلطة الفلسطينية ومدعومة منها، ما اعتبره مخالفاً لما يسمى اتفاق الوسط (ويقصد بذلك اتفاق أوسلو) الموقع بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال.

لكنّ الخطوات الحاسمة في مواجهة الأنشطة والفعاليات الفلسطينية، خصوصاً الرسمية منها، بدأ في العقد الأخير من القرن الحالي. فاستهدفت السلطات الإسرائيلية بقرارات المنع والإبعاد وإجراءات الاعتقال الرموز السياسية والدينية للسلطة الفلسطينية، وعلى رأسهم وزراء القدس المتعاقبون، وكذلك محافظ القدس الحالي، عدنان غيث، والذي اعتقل نحو 20 مرة ومنع من مزاولة عمله، حتى من مكتبه في بلدة الرام شمال القدس، خارج حدود السيطرة الاحتلالية، وحظر عليه تقديم أي مساعدة مالية أو قانونية للمقدسيين. والوضع ذاته فرض على وزير القدس الحالي فادي الهدمي.

في الوقت ذاته، كانت ما تسمّى "المراكز الجماهيرية"، ومراكز الشرطة المدنية، تنتشر في معظم الأحياء المقدسية وتخصص لها ميزانيات بملايين الشواقل، ثم جاءت "لجان المخاتير" لتكمل دور هذه المراكز الجماهيرية والشرطية.

وتلعب "لجان المخاتير" دوراً في مجال التدخل لحلّ النزاعات، إضافة إلى الصلاحيات التي منحت لها على صعيد تسوية الخلافات والنزاعات بين المقدسيين على ملكية الأراضي وإعطاء موافقاتهم للجهات الرسمية الإسرائيلية، خصوصاً بلدية الاحتلال في القدس، التي تشترط الحصول على رخصة بناء من بين ما تشترطه وما تضعه من شروط على البناء الفلسطيني في القدس.

تحذيرات من دور "لجان المخاتير"

هذا التعاظم الكبير لـ"لجان المخاتير" وتدخلاتها المتزايدة في شؤون المقدسيين بدعم من الاحتلال دفع هيئات وطنية مقدسية إلى التحذير من الدور الجديد لهؤلاء المخاتير الذين لم تعد مهمتهم فقط اصطحاب قوات الاحتلال إلى منازل النشطاء لاعتقالهم، بل تعدّتها إلى القيام بأدوار كانت حكراً على الحركة الوطنية، خصوصاً في الانتفاضة الأولى.

وفي هذا الإطار، قال مدير جمعية "تنمية الشباب" التابعة لجمعية الدراسات العربية في القدس مازن الجعبري، في حديث مع "العربي الجديد": "لقد قررت هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس التحذير وتوعية المجتمع المقدسي من محاولات تتم حالياً لتعيين مخاتير في أحياء مختلفة من قبل سلطة الاحتلال".

ولفت إلى أن "هذا المشروع تقوم به وزارة شؤون القدس والتراث التابعة للحكومة الإسرائيلية بالتعاون مع بلدية الاحتلال واستخبارات الاحتلال (الشاباك)، ونحن نقوم بمتابعة هذه القضية السياسية لخطورتها ونتائجها السياسية على المجتمع الفلسطيني في القدس".

يرتبط الدور الجديد للمخاتير بعزم بلدية الاحتلال البدء بتسوية أوضاع 20 حوضاً من أراضي القدس مطلع يونيو

وأشار الجعبري إلى أن رئيس بلدية الاحتلال موشيه ليئون يقوم بجهود كبيرة بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والأمنية الاحتلالية، لفرض سيادة إسرائيل في القدس، من خلال تسريع الاستيطان والمشاريع التهويدية وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين ودعم المشاريع والجمعيات الاستيطانية في مدينة القدس.

ولفت إلى أن ليئون يبادر أيضاً لمشاريع دمج للسكان تحت القوانين الإسرائيلية، من خلال دعم ما تسمى "المراكز الجماهيرية" والتعليم الإسرائيلي والشؤون الاجتماعية والشرطة الجماهيرية، مع رصد مئات آلاف الشواقل لعملية الدمج تحت التعريف الإسرائيلي لردم الهوة بالخدمات الاجتماعية والاقتصادية، وهي سبب المشكلة مع الفلسطينيين، كما يروجون لها في دوائر الاحتلال.

واعتبر الجعبري أن "رئيس بلدية الاحتلال له رؤية لخرق المجتمع المقدسي من خلال التعامل وتعيين شخصيات مقربة من الدوائر الإسرائيلية، خصوصاً الأمنية، لتكون نوافذ الاتصال والتواصل مع بلدية الاحتلال، تحت مسمى ممثلي السكان أو المخاتير بالمصطلح المعروف تاريخياً".

ووفق الجعبري، فإن خطورة هذا المشروع "أنه سيتم إعطاء صلاحيات لهؤلاء المخاتير لمتابعة قضايا السكان في ما يتعلق بالخرائط والتسوية وهدم المنازل والترخيص، كما يحدث حالياً في بلدة العيساوية بالقدس". 

وبالتالي، برأيه، فإن ما يجري "هو إعطاء المخاتير امتيازات وصلاحيات للتواصل ما بين السكان وبلدية الاحتلال والشرطة، لإظهار قيادة داخل المجتمع مرتبطة مع الاحتلال وتساهم في تهميش القيادات والأطر الوطنية داخل المجتمع المقدسي".

وشدّد الجعبري على "أننا سنقوم بإجهاض هذا النشاط السياسي والمجتمعي التي تقوم عليه سلطات الاحتلال، والهادف إلى خرق النسيج الوطني الفلسطيني في القدس، وإلى فرض مزيد من السيادة والسيطرة الإسرائيلية على المجتمع الفلسطيني" في المدينة.

أهداف لترسيخ الاحتلال

التخطيط لهذا الدور الجديد للمخاتير كان بدأ في عام 2018، ارتباطاً بإعلان بلدية الاحتلال في القدس عزمها البدء بتسوية أوضاع 20 حوضاً من أراضي القدس المحتلة مطلع يونيو/ حزيران المقبل.

ويعني ذلك، بحسب الناشطة المقدسية رتيبة النتشة، القيادية في الاتحاد الديمقراطي الفلسطيني "فدا"، الحاجة إلى دور للمخاتير في التعامل مع المستندات التي سيقدمها الأهالي للبلدية للقيام بتسوية أوضاع أراضيهم.

وأشارت النتشة، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه "عدا أن المخاتير قبل ذلك كانوا يحظون بموافقة العائلات، ولم يكن دورهم بشكل أساسي معاونة الاحتلال على هذا الصعيد، لكن شيئاً فشيئاً بدأت ما تسمى بالشرطة الجماهيرية بالتلاعب بهؤلاء المخاتير ومحاولة فرض أشخاص والتسريع بهذه العملية مع دخول عام 2022، واقتراب موعد التسوية".

يحاول الاحتلال عبر توسيع دور المخاتير إثارة الفتن والنزعات العنيفة داخل المجتمع الفلسطيني

وأضافت أن ذلك يتم "من خلال انتقاء أشخاص لهذه المهمة من قبل الشاباك حتى يكونوا هم المخاتير لفرضهم على المقدسيين بدلاً من لجان المخاتير التي كانت اختارتها العائلات، ومساعدة حارس أملاك الغائبين ودولة الاحتلال على أكبر قدر من الأراضي".

أما الهدف الثاني، بحسب النتشة، فهو محاولة إثارة الفتن والنزعات العنيفة داخل المجتمع الفلسطيني والتحكم بالحلول وآليات هذه الحلول في الصلح العشائري لصالح هؤلاء المخاتير المنتقين من الشرطة الجماهيرية ومن جهاز الشاباك، والقيام بجزء من الأعمال الموكلة إلى ما يسمى بالمحاكم الجماهيرية التي تتعاون مع المراكز الجماهيرية.

ومن ضمن هذه الأعمال، بحسب النتشة، السيطرة على ما يسمى بالعنف والإبلاغ عن السلاح ومراقبة إطلاق السراح المشروط على الأسرى، ما يعني أنه هؤلاء سيستخدمون من قبل سلطة الاحتلال على المجتمع المقدسي، ومنع أي أنشطة مقاومة للاحتلال.

مخاطر دور "لجنة المخاتير"

وبحسب النتشة، تكمن خطورة هذا التوجه في أن المقدسيين لم يعودوا قادرين على اختيار مرجعياتهم، وبأن هناك مرجعيات تفرض عليهم، وأنهم لم يعودوا قادرين على تسيير أمور حياتهم من دون هؤلاء المخاتير، خصوصاً في ما يتعلق بتسوية الأراضي والملكيات وفضّ النزاعات حولها، وبالتالي العودة إلى عهد الإدارة المدنية البائدة التابعة للاحتلال.

وأشارت النتشة إلى أن التسارع في هذه الخطوات بات واضحاً جداً، ويتوافق ويتلاءم مع سياسة الحكومة الإسرائيلية الاستيطانية الجديدة التي تسرّع عمليات تهويد المدينة المقدسة والاستيطان فيها.

ورأت الناشطة المقدسية أنه "لا يمكن لهؤلاء المخاتير تبرير ما يقومون به، بأنه تسهيل لحياة المقدسيين، وبالتالي لا يمكن لأي شخص أن يبرر تعاونه مع جهاز استخبارات الاحتلال والتعاون مع سلطة الاحتلال في شرعنة احتلالها، وفي تسريع عملية التهجير القسري بحق المقدسيين وتغيير ملامح المدينة المقدسة".

في مقابل ذلك، لا ترى النتشة أي رابط بين هذا التوجه الاحتلالي من خلال المخاتير وغياب دور السلطة الفلسطينية في القدس، قائلة: "لا علاقة بين الأمرين بتاتاً، نحن نعرف أن دور السلطة مقيّد ومحدود، وكذلك ميزانياتها محدودة وضعيفة حين يتعلق الأمر بالقدس، وعليه، فإن تنامي تعاون بعض الجهات مع الاحتلال ليس له علاقة بالسلطة ودورها".

وشدّدت على أن "من أنهى دور الإدارة المدنية الإسرائيلية في السبعينيات ليس السلطة الفلسطينية، وإنما تنامي الحسّ الجمعي الوطني لدى الشعب الفلسطيني، وتكاتفهم على برنامج عمل وطني واحد وموحد".

المساهمون