الاحتلال الصهيوني وثانوية التناقضات الداخلية

29 يناير 2023
رفض الاحتلال ورفع العلم الفلسطيني في مظاهرة بحي الشيخ جراح (سعيد قاق/Getty)
+ الخط -
كثر الحديث عن تناقضات الاحتلال الداخلية في ظل حكومة بنيامين نتنياهو السادسة، بعض الآراء اعتبرتها تناقضًا بنيويًا، بين تيار صهيوني متمسك ببعض القيم الليبرالية، وتيار يميني عنصري لا يقيم وزنًا للقيم الليبرالية الاجتماعية والسياسية. التناقضات والصراعات الداخلية ظاهرة طبيعية في أي كيان، تتصاعد وتيرتها حينًا وتخفت في حينٍ آخر، إلى أن تصبح تناقضات جذرية تتطلب حلًا جذريًا، من هنا يجب التدقيق في بنية الاحتلال من أجل تقدير مدى عمق هذه التناقضات وتأثيرها.
يستند الاحتلال إلى ركائز رئيسية مثل جذب المستوطنين اليهود الجدد، وضمان بقائهم واستقرارهم في أرض فلسطين، كما في طوي صفحة القضية الفلسطينية، عبر سياسات التطهير العرقي والإبادة الجماعية والفصل العنصري.

علينا تجذير النضال الفلسطيني التحرري وتوسيعه قدر المستطاع وبأسرع ما يمكن وبأعلى وتيرة ممكنة، سواء استمرت حكومة نتنياهو أو سقطت

نجد في بيانات البنك الدولي إحصاءات تعكس وضع الاحتلال الداخلي، مثل مؤشر صافي الهجرة، يظهر انخفاضًا كبيرًا منذ العام 2000 حتى العام 2009، ثم تصاعده حتى الوقت الراهن. 16856 شخصا قدموا إلى أرض فلسطين المحتلة واستقر فيها في العام 2021، الأمر الذي يعكس تمكن الاحتلال من استقطاب يهود جدد وبقائهم واستقرارهم في الأراضي التي يسيطر عليها سنويًا، أي لم تصل مستويات الهجرة المعاكسة إلى حدٍ حاسمٍ حتى الآن.
وفق جاد إسحق؛ مدير معهد أريج "كان عام 2022 من أسوأ السنوات منذ 1967 التي مرت على الشعب الفلسطيني جراء تصاعد الاستيطان والاعتداءات، ويبدو أن العام 2023 سيكون أصعب". كما نجد في بيان مركز الإحصاء الفلسطيني، الذي تناول الانتهاكات الصهيونية في العام 2022، مسؤولية الاحتلال عن هدم/ تدمير 1058 مبنى في فلسطين، استشهاد أكثر من 224 فلسطينيا، فضلًا عن استمرار أسر 4700 أسير فلسطيني في سجون الاحتلال، كما قالت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية إن قوات الاحتلال قتلت من الفلسطينيين في العام 2022 أكثر من أي عام سبقه، منذ بدأت الأمم المتحدة تسجيل عدد القتلى تسجيلًا منهجيًا في العام 2005.
من كل ذلك لم تؤثر تناقضات الاحتلال الداخلية على ممارسته التطهير العرقي والفصل العنصري بحق شعب فلسطين في كامل أرض فلسطين، بل على العكس تزايدت وتيرة الاعتداءات والانتهاكات الصهيونية، كما يتوقع ازديادها في 2023؛ وفق غالبية الخبراء. كما لم تؤثر على جذب المستوطنين الجدد؛ المهاجرين، واستمرارهم في العيش داخل فلسطين لسنواتٍ عديدةٍ، بحكم الدعاية الصهيونية والعوامل الاقتصادية والاجتماعية الجاذبة، كما نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 52170.70، ومعدل البطالة 5%، والتضخم بـ 1.5% للعام 2021، جميعها مؤشرات تضع الاحتلال في مصاف الدول التي تضمن رفاهية العيش للمقيمين فيها.
من ناحية أخرى؛ قد تؤثر تناقضات الاحتلال الداخلية على مكانته في الأوساط الشعبية على مستوى العالم، خصوصًا في أميركا والدول الأوربية، نتيجة خطاب وممارسات جميع مكونات حكومة نتنياهو الجديدة، التي تعكس قيم وممارسات الصهيونية الحقيقية العنصرية والفاشية والإجرامية بل الدموية، التي نجح الاحتلال وداعموه في حجبها لسنوات عديدة عن معظم شعوب العالم.

يستند الاحتلال إلى ركائز رئيسية مثل جذب المستوطنين اليهود الجدد، وضمان بقائهم واستقرارهم في أرض فلسطين، كما في طوي صفحة القضية الفلسطينية

بناءً عليه؛ لا تمس تناقضات الاحتلال الداخلية حياة الفلسطينيين اليومية، بل تتعلق بطبيعة الحياة التي توفرها مؤسسات الاحتلال لمستوطنيها القدامى والجديد من اليهود، في حين لا نجد أي تناقض يذكر بين غالبية الأحزاب والقوى السياسية الصهيونية في ما يتعلق بالحقوق الفلسطينية والاحتلال وجرائم التطهير العرقي والفصل العنصري، على الرغم من بعض الاختلاف في الرؤى والتصورات تجاه سبل تجاوز القضية الفلسطينية، التي لا تصل إلى حد الإقرار بالحقوق الفلسطينية الكاملة أو حتى بعضها، وعلى رأسها حق تقرير المصير وحق العودة والحق في الاستقلال وإقامة الدولة.
بالمحصلة؛ لا يصح الرهان على إسقاط حكومة نتنياهو عبر التعاون مع معارضيها الداخليين من الأحزاب الصهيونية وأوساطها الاجتماعية، لأن جميع حكومات الاحتلال السابقة واللاحقة تمارس التطهير العرقي والفصل العنصري تجاه كل ما هو فلسطيني، بل علينا تجذير النضال الفلسطيني التحرري وتوسيعه قدر المستطاع وبأسرع ما يمكن وبأعلى وتيرة ممكنة، سواء استمرت حكومة نتنياهو أو سقطت، على التوازي مع أهمية استثمار وضوح عنصرية وإجرامية وفاشية حكومة نتنياهو على مستوى النضال خارج فلسطين، من أجل كشف حقيقة الصهيونية منذ يومها الأول في أرض فلسطين وصولًا إلى يومنا هذا.
المساهمون