بعد أن انتقل زخم الاحتجاجات الإيرانية من الشارع إلى الجامعات خلال الأيام الأخيرة، شهدت مدارس في عدة مدن تجمعات احتجاجية للطالبات، في الوقت الذي كرر فيه المسؤولون الإيرانيون، في مقدمتهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، التصويب على الخارج في الاحتجاجات الأخيرة، مع التركيز على اتهام الولايات المتحدة ودول أخرى بتدبير "فتنة جديدة" ضد إيران، والتأكيد على أنها "أفشلت". كما أعلنت السلطات عن الإفراج عن نشطاء واعتقالات جديدة لمن وصفتهم بأنهم "مثيرو الشغب" مع تقسيم المعتقلين إلى فئات حسب نشاطاتهم في الاحتجاجات.
وجدد رئيسي، اليوم الثلاثاء، الاتهام لمن سمّاهم "الأعداء" بالوقوف وراء الـ"فتنة"، وقال إن "الشعب الإيراني أفشلها"، مع دعمه وإشادته بكلمة المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بشأن الاحتجاجات وحديثه عن أنها "مدبرة ومخطط لها" من الخارج، واتهامه الصريح للولايات المتحدة وإسرائيل بالوقوف وراء "أعمال الشغب"، على حد وصفه.
وأضاف الرئيس الإيراني، خلال جلسة برلمانية، أن مضي بلاده قدماً "في مسار التقدم وعبور جميع العقوبات والعقبات في ظل كل هذه العقوبات والتهديدات هو سبب غضب العدو"، مؤكداً أن "العدو يعترف رسمياً بأن الضغوط القصوى قد فشلت وأن العقوبات ضد الشعب الإيراني لم تكن فاعلة".
ولا يزال السجال قائماً بين إيران والقوى الغربية على خلفية مواقف الأخيرة من الاحتجاجات في إيران، لتندد الخارجية الإيرانية، اليوم، بالبيان الصادر أمس الإثنين عن الرئيس الأميركي جو بايدن، مع اتهامه بممارسة "النفاق" مستشهدة بالموقف الأميركي من الممارسات الإسرائيلية وحربها على أفغانستان والعراق.
في الأثناء، علق مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بيل بيرنز، في مقابلة مع شبكة "سي بي أس" الأميركية، على التظاهرات الأخيرة في إيران، قائلاً إن مدى انتشارها بالشوارع الإيرانية "صاعق"، مع الإشارة إلى أنها طاولت عشرات المدن والمحافظات.
تواصل الاحتجاجات بالجامعات والمدارس
اليوم الثلاثاء، لم تشهد الجامعات الإيرانية، تجمعات بحجم ما شهدته خلال الأيام الماضية وخاصة السبت الماضي، لكن مقاطع مصورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي، تظهر تنظيم تجمعين، واحد في جامعة "فردوسي" في مدينة مشهد، والذي رفع فيه الطلاب شعار "العدالة والحرية والحجاب الطوعي"، والآخر في جامعة مدينة سمنان وسط إيران. كما انتشرت فيديوهات عن تجمعات احتجاجية في جامعات بطهران ويزد وأصفهان وتبريز وزنجان. وفي جامعة الزهراء النسائية في طهران، نظم الطلاب تجمعين، الأول احتجاجي والثاني لمؤيدي الحكومة.
لكن اللافت اليوم الثلاثاء، هو تداول عدة فيديوهات قيل إنها تعود لاحتجاجات في مدارس بعدة مدن إيرانية. وتظهر هذه الفيديوهات تجمعات متفرقة للطالبات في مناطق تابعة لمدينة كرج غربي طهران، مدينتي سقز وسنندج في محافظة كردستان، ومدينة كرمانشاه.
وفي بعض هذه التجمعات، خلعت الطالبات المحتجات حجابهن مع إطلاق هتافات "امرأة حياة حرية" و"رجل ووطن وإعمار"، مع رفع البعض أيضاً شعارات سياسية.
اعتقالات وإفراجات
بالتوازي مع ذلك، أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني في محافظة جيلان، محمد عبدالله بور، اليوم، عن اعتقال 106 اشخاص، قال إنهم "القادة الرئيسيون لأعمال الشغب" في المحافظة، مضيفاً أن من بين المعتقلين بعض من وصفهم بـ"الملكيين" (أنصار النظام البهلوي السابق). وتابع المسؤول العسكري الإيراني أن القوات الإيرانية فككت خلال الاحتجاجات الأخيرة "8 خلايا شغب"، وفق ما أوردته وكالة "تسنيم" الإيرانية.
وكانت قيادة الشرطة في محافظة جيلان قد أعلنت الأسبوع الماضي أنها اعتقلت 739 شخصاً في المحافظة، مشيرة إلى أن 60 منهم من النساء.
إلى ذلك، أعلن فرع استخبارات الحرس الثوري الإيراني في محافظة غولستان شمال شرقي إيران، عن اعتقال "أعضاء 4 مجموعات منظمة"، وفق ما أورده نادي "المراسلين الشباب" التابع للإذاعة والتلفزيون الإيراني.
كما أعلنت السلطات الإيرانية، اليوم، عن الإفراج عن 400 محتج، بعد دعوة المرشد الإيراني علي خامنئي، أمس الإثنين إلى التفريق بين شباب ويافعين نزلوا إلى الشوارع تحت تأثير الفضاء الافتراضي وبين العناصر الرئيسيين لـ"أعمال الشغب".
وأضافت النيابة في طهران أن "العناصر الرئيسيين سيبقون قيد الاعتقال وسيتم معاملتهم بحزم".
كذلك، أعلنت سلطات جامعة "تبريز" عن الإفراج عن جميع الطلاب المعتقلين بالجامعة.
تقسيم المعتقلين لفئات
في غضون ذلك، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية، مسعود ستايشي، عن تقسيم المعتقلين إلى فئات "حسب الجرم والعلاقة مع العدو ودورهم" في الاضطرابات، مشيراً، وفق وكالة "ميزان" التابعة للسلطة القضائية، إلى أن ذلك جاء بعد توصية المرشد الإيراني الأعلى.
وأضاف أن "من دخل المشهد (الاحتجاجات) متأثراً بالضجة الإعلامية والتشنجات وأعلن عن الندامة ستشمله الرأفة الإسلامية".
وفيما لم يصدر بعد التقرير النهائي للطب العدلي بشأن أسباب وفاة الشابة مهسا أميني، دافع رئيس السلطة القضائية الإيرانية، غلامحسين إيجئي، عن رواية الشرطة، قائلاً إن أميني اقتيدت إلى سيارة الشرطة "في وضح النهار أمام مرأى ومسمع الجميع وشقيقها واثنين من قريباتها بحضور 5 من عناصر الشرطة"، مشيرا إلى أنها نقلت إلى مقر الشرطة، وأظهر الفيلم المسجل دخول أميني إلى الصالة حيث قامت وقعدت عدة مرات وتحدثت مع غيرها قبل أن تسقط على الأرض فجأة، وخلال دقيقتين حضرت الممرضة ونقلت إلى المستشفى.
وسبق أن فنّدت عائلة أميني هذه الرواية، واتهمت الشرطة بضربها وتعنيفها، فقال محامي عائلة أميني، صالح نيكبخت، الأحد، لصحيفة "اعتماد" الإصلاحية، إن خلاصة آراء أطباء موثوقين وأشخاص شاورهم تؤكد أن مهسا "تعرضت لضرب من ناحية الرأس"، وذلك بعد اعتقالها في الشارع وقبل نقلها إلى مقر الشرطة.
وتحدث المحامي نيكبخت عن "وجود آثار للدم خلف الرقبة وأسفل الجمجمة" على جثمان أميني، مضيفا أن المحامين وعائلتها طلبوا من السلطة القضائية تشكيل لجنة تقص حقائق مكونة من ثلاث إلى خمسة أطباء متخصصين في جراحة الدماغ والقلب. وأشار إلى أن المدعي العام في طهران قد وافق على هذا الطلب لكنه لم ينفذ بعد.
حديث النخبة الإيرانية
وتثير الاحتجاجات نقاشات مستمرة في الأوساط الفكرية والجامعية والإعلامية بين النخبة الإيرانيين.
واليوم الثلاثاء، خلال اجتماع لأساتذة جامعة طهران، كبرى الجامعات الإيرانية، دعا وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إلى الاهتمام بالشعب وعدم تجاهله، قائلاً، وفق صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، إن "لدينا شعباً يقاوم أمام الكلام غير الصحيح، نخطئ حتماً اذا ما تصورنا إنه يمكننا تجاهل الشعب".
كما دعا النائب السابق لرئيس البرلمان الإيراني، علي مطهري، ابن منظر الثورة الإسلامية الراحل مرتضى مطهري، إلى "الحوار"، قائلاً: "يجب الحديث مع امرأة تحرق منديل رأسها".
وقال الأكاديمي إبراهيم متقي إن إيران تشهد "تغييراً في الجيل"، منتقداً طريقة التعامل مع المحتجين، ومتسائلاً: "أولئك الذين خرجوا من البلاد عام 2009 (في إشارة إلى الاحتجاجات على نتائج الانتخابات الرئاسية في هذا العام) أين ذهبوا؟ نائب وزير الإرشاد (الأسبق) أصبح رئيس قناة إيران إينترنشنال المعارضة، التي تتهم الحكومة الإيرانية السعودية بإدارتها وتمويلها".
كذلك، نشر حفيد مؤسس الثورة الإسلامية الإيرانية، رجل الدين حسن الخميني، رسالة بشأن الاحتجاجات بعد كلمة المرشد الإيراني، أمس، معلناً دعمه لها. وأكد على ضرورة التفريق بين "الاحتجاج" و"الشغب"، وأنه "لا خيار أمامنا إلا أن نعيش مع بعضنا البعض"، داعياً المحتجين والسلطات إلى الحوار لإصلاح الوضع.