الاحتجاجات تهزّ كولومبيا للأسبوع الثاني: عنف الجيش يُشعل غضب الشارع

08 مايو 2021
انتقاد منظمات حقوقية للعنف الذي تواجَه به الاحتجاجات (فانيسا خيمينيز/Getty)
+ الخط -

دخلت كولومبيا أسبوعها الثاني من الاحتجاجات والإضرابات، رفضاً لسياسات حكومة بوغوتا، وخصوصاً تلك المتعلقة بالاقتصاد و"الإصلاح الضريبي"، في بلد عانى طويلاً من حرب أهلية ومطبات سياسية كثيرة، تزامناً مع ما سُمِّي "الحرب على المخدرات والإرهاب". 

وتعيش كولومبيا، التي ضربها وباء كورونا بقوة بعد البرازيل، وضعاً صعباً كبقية دول اللاتينية، التي تخشى من عودة انفجار شوارعها نتيجة أوضاع اقتصادية وسياسية مأزومة منذ ما قبل "كورونا".

واشتعلت كولومبيا بالاحتجاجات والمصادمات بعد أن قام شرطي، يوم 28 إبريل/ نيسان الماضي، بقتل شاب في السابعة عشرة من العمر بطلقتين في الظهر، وجرح طفل برفقته في سن الثالثة عشرة. 

وأدت الحادثة إلى تحول الشاب القتيل مارسيلو أغريدو إلى أيقونة المطالب الشعبية بالعدالة والديمقراطية. 

وذهب موقع "الديمقراطية الآن" إلى أن الرئيس الكولومبي، إيفان دوكي، اضطر تحت ضغط الشارع إلى سحب مشروعه حول الإصلاح الضريبي، واستقال وزير الضرائب، بيد أن الشارع كان له رأي مخالف، فلم يتراجع عن احتجاجاته على سياسات الحكومة وغياب المساواة بين الطبقات، حيث يشهد البلد فجوة هائلة بين الفقراء والأثرياء، مع اتساع تفشي البطالة في البلاد. 

وبحسب آخر الأنباء من بوغوتا، فإن عدد القتلى جراء الاحتجاجات يرتفع يومياً، ووصل إلى 26 حتى مساء الجمعة، فيما جرح المئات برصاص الشرطة في مختلف مدن كولومبيا، وبالأخص في مدينة سانتياغو دي كالي (كالي) جنوب غربيّ البلاد.

ويبدو أن العناد السياسي للرئيس اليميني المحافظ إيفان دوكي، بالاتفاق مع الطبقة السياسية المتنفذة، ومنهم من حكم البلاد بشكل ديكتاتوري سابقاً، بالدفع بالجيش إلى الشارع لمواجهة المحتجين، أشعل الشارع أكثر.

فلليوم الثالث عشر تقريباً، تستمر الاحتجاجات في مختلف أنحاء البلد، مع اتساع نطاقها، مذكرة باحتجاجات الشارع التشيلي في نهاية 2019 وبداية 2020، التي استمرت آثارها حتى اليوم.  

وبحسب مصادر عربية مقيمة في كولومبيا، أفادت "العربي الجديد"، فإن "ما أشعل الغضب في الشارع هو الطريقة العنيفة التي واجه بها الجيش والشرطة الاحتجاجات التي بدأت سلمية، غير أن الأمور باتت تخرج عن السيطرة بعد حرق المتظاهرين عدة مبانٍ، ولا يزال الإضراب مستمراً". 

ويبدو أن غضب الكولومبيين لم يكن فقط بسبب قانون الضرائب، بل لتراكم الإحباط عند الأغلبية التي ارتفع بينها معدل الفقر إلى نحو 36 في المائة في 2019، وإلى أكثر من 42 في المائة في العام الماضي، وزادت نسبة البطالة إلى أكثر من 16 في المائة، بحسب الأرقام الرسمية لحكومة بوغوتا.

يبدو أن العناد السياسي للرئيس اليميني المحافظ إيفان دوكي، بالاتفاق مع الطبقة السياسية المتنفذة، ومنهم من حكم البلاد بشكل ديكتاتوري سابقا، بالدفع بالجيش إلى الشارع لمواجهة المحتجين، أشعل الشارع أكثر

الوضع الذي يتطور إلى انفلات وإصرار شعبي على إسقاط الرئيس وحكومته حوّل المشهد الكولومبي إلى ما يشبه حالة "حرب أهلية". ففي كالي وبوغوتا، كان يمكن الناس مشاهدة انتشار المدرعات والدبابات في مناطق سكنية، إلى جانب طائرات الهليكوبتر التي لا تغادر الأجواء. 

في المقابل، انتشر الكثير من الحواجز التي يقيمها المتظاهرون، والتي طالب الرئيس الكولومبي برفعها.

وقال الرئيس الكولومبي خلال لقاء مع صحافيين في القصر الرئاسي في بوغوتا: "نعم للحوار، نعم للبناء، لكن لا للحواجز، لأنها غير سلمية وتنتهك حقوق أشخاص آخرين".

وطالب دوكي، الذي أشار إلى نصب 733 حاجزاً منذ بدء حركة الاحتجاج في 28 نيسان/ إبريل، إلى وضع حد لهذه التحركات التي تؤثر بعمليات التموين والإمداد في مناطق مختلفة، ولا سيما على صعيد المحروقات والأدوية والمواد الغذائية.

وأكد الرئيس المحافظ أن "رفض طريقة التعبير العنيفة هذه يجب أن يكون مطلقاً".

ويوم الأربعاء الماضي، تمكن المتظاهرون من اختراق الحواجز التي نصبتها الشرطة ليعبّروا عن مزيد الغضب من الدفع بالجيش لمواجهة احتجاجات شعبية سلمية، وسقوط ضحايا وأكثر من 800 جريح بالرصاص الحي.

ويشارك الشباب بصفة خاصة في احتجاجات كولومبيا، وهو ما جعلهم الأكثر تلقياً للرصاص الذي يطلق لتفريق المظاهرات. 

وناشدت عمدة بوغوتا، كلوديا لوبيز، التي تعارض الحكومة الحالية، أن يجري "الدخول فوراً في حوار مع الشباب تحديداً، فهؤلاء بلا عمل أو دراسة، ويعيشون إحباطاً كبيراً وبلا أفق للمستقبل". 

وأكدت لوبيز أنهم "أدركوا في النهاية أن أحداً لا يستمع إليهم، وبالتالي نزلوا إلى الشوارع للتعبير عن أنفسهم". 

وكان الرئيس السابق المحافظ ألفارو أوريبي، والأكثر نفوذاً في الحياة السياسية الكولومبية، قد أشعل الغضب حين أشاد بنزول الجيش لمواجهة المحتجين، داعياً الناس، عبر "تويتر"، إلى "دعم حق الشرطة والجيش في استخدام الأسلحة للدفاع عن البلاد بوجه الأعمال الإجرامية والتخريب والإرهاب"، وهي التغريدة التي حذفها "تويتر"، معتبرة إياها دعوة إلى العنف. 

وكما شأن ساسة اليمين المتشدد والديكتاتوريات، اعتبر السياسي والرئيس السابق أوريبي أن الاحتجاجات الاجتماعية "هي امتداد للحركات المتمردة في "فارك" و"جيش التحرير الوطني"".

ناشدت عمدة بوغوتا، كلوديا لوبيز، التي تعارض الحكومة الحالية، بأن يجري "الدخول فورا في حوار مع الشباب تحديدا، فهؤلاء بلا عمل أو دراسة، ويعيشون إحباطا كبيرا وبلا أفق للمستقبل" 

وكان خليفة أوريبي، الرئيس السابق خوان مانويل سانتوس، قد عقد اتفاقية سلام مع القوات الثورية الكولومبية المعارضة في 2016، بعد عقود من العنف والحرب الأهلية في البلاد. 

وتحولت الحركة المسلحة الثورية إلى العمل السياسي، فيما "جيش التحرير الوطني" لا يزال يحمل السلاح، وتتهم حكومة الرئيس الحالي بأنها تسير من الكواليس من قبل الرئيس السابق أورويبي، الذي يعتبر سياسياً الأب الروحي لدوكي، فيما تتهم المعارضة الحكومة الحالية بأنها لم تفِ بشروط اتفاقية السلام. 

وحاول رئيس البلاد الحالي، رغم ضآلة شعبيته، زيادة الإيرادات الحكومية من خلال فرض مزيد من الضرائب وفرض الضريبة المضافة، ما اعتبره معارضوه مزيداً من إفقار الناس.

ومنذ أن اتسعت الاحتجاجات وتحولت إلى دماء في الشارع، سارع الرئيس دوكي إلى الدعوة إلى حوار بين جميع الأطياف السياسية، لكن دعوته لم تجد آذاناً صاغية، لأنها تكررت في 2019 بعد احتجاجات شعبية، حيث لم ينتج من اجتماع الأحزاب أية نتائج ملموسة للفقراء. 

ويحاول السياسيون الآن إيجاد مخارج قبل 11 شهراً من الانتخابات المقبلة للاتفاق على مرشح آخر غير دوكي. 

وتواجه كولومبيا انتقادات على المستوى الدولي، وخصوصاً من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، بسبب "التعامل الوحشي" مع المحتجين. 

وفي المقابل، يتعرض الرئيس الكولومبي لضغوط داخلية كبيرة من المؤسستين العسكرية وتياره السياسي "المركز الديمقراطي" لإعلان حالة الطوارئ في البلاد، لأجل التمتع بصلاحيات أكبر.

وتطالب منظمات حقوقية محلية بإرسال مجموعة "الدول الأميركية" للجان تقصٍّ لتوثيق الانتهاكات والاستماع إلى قصص أهالي الضحايا والجرحى عن عنف الجيش والشرطة، وخصوصاً أن الأخيرة لا تتورع عن القتل بدم بارد، حتى لو لم يكن الشاب مشاركاً في المواجهات، كما حدث أخيراً للشاب سانتياغو أندريس موريللو البالغ من العمر 19 سنة، حيث أطلق ضابط شرطة رصاصة على صدره من مسافة قصيرة جداً أمام حشد من الناس. 

ومع استمرار العنف في الشارع، بدأت الأصوات المحذرة من حرب أهلية تتعالى في مختلف المدن الكولومبية. وينظر الجوار الكولومبي بنوع من التوتر إلى ما يجري في البلد. فالدول اللاتينية واجهت قبل جائحة كورونا احتجاجات عنيفة، خاصة في تشيلي وبيرو والإكوادور وبوليفيا ونيكارغوا، وازداد الوضع المعقد في تلك الدول مع جائحة كورونا، التي يدفع ثمنها الأشد فقراً، وهو ما يخيف الطبقات السياسية الحاكمة من انفجار شوارعها بعد تقلص اقتصادات القارة بما يقارب 7 في المائة منذ العام الماضي، وتأثر الطبقة المتوسطة بشكل كبير، فضلاً عن أن أغنياء دول القارة اللاتينية أصبحوا أكثر ثراءً، فيما الفقراء أكثر فقراً.

المساهمون