الاتفاق النووي مع إيران: نوايا بايدن لا تكفي لإنقاذه

25 نوفمبر 2020
تمكنت إيران من خلق حقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها (الأناضول)
+ الخط -

تصاعدت حدة العقوبات وشدّتها، التي كانت إدارة الرئيس الأميركي الخاسر في انتخابات 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي دونالد ترامب قد باشرت بفرضها على إيران بشكل لافت، في الفترة الأخيرة. وعززت الإدارة الأميركية ضغطها بعد خسارة ترامب، وسط توقعات باستمرار التصعيد وفرض عقوبات إضافية في الأسابيع المقبلة. وتهدف خطوة ترامب وصقور الحرب في إدارته إلى وضع عقبات في طريق إدارة الرئيس المنتخب جو بايدن لعرقلة العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، أو كما يعرف رسمياً بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة".


تمكنت إيران من خلق حقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها

في السياق، يواجه بايدن، الذي أعلن عن نيته العودة للاتفاق النووي الإيراني، تحديات داخلية وخارجية معقّدة في حيثياتها. داخلياً، جعل ملف محاربة انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة على رأس قائمة أولوياته، بالإضافة إلى اتخاذ خطوات لإنعاش الاقتصاد الأميركي وخفض نسبة البطالة. وهما مهمتان ليس من السهل تحقيقهما، لأن تنفيذ أي أجندة يعتمد على موافقة الكونغرس، علماً أن مجلس الشيوخ ينتظر نتائج انتخابات حاسمة في ولاية جورجيا، ستقرر أياً من الحزبين، الديمقراطي والجمهوري، سيحظى بالأغلبية في مجلس الشيوخ. فإذا فاز المرشحان الديمقراطيان سيتساوى عدد الشيوخ من الحزبين، لكن، كما تقضي القوانين، يمكن لنائبة الرئيس، كامالا هاريس، أن تغلّب الكفة بالتصويت. أما في حال عدم حصول الحزب الديمقراطي على المقعدين، فلن يتمكن بايدن من تنفيذ وعوده لأن الجمهوريين سيقفون ضده، كما فعلوا في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. وهو ما هدد به زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل.

خارجياً، لا يرغب عدد من حلفاء الولايات المتحدة، كإسرائيل والسعودية والإمارات، عودتها للاتفاق النووي، وهو ما سيزيد من عمل مجموعات ضغط هذه الدول في واشنطن للتأثير على السياسيين، وبالتالي على بايدن، في ظلّ حملات التأثير الإعلامي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تجارب الماضي أثبتت أنه في حال حصلت الإدارة الأميركية على ما يكفي من الدعم السياسي والإعلامي داخلياً، ونجحت في تسويق العودة إلى الاتفاق النووي في سياق المصالح الأميركية، فقد تبرم اتفاقات جديدة لا ترضي بعض حلفائها. في المقابل، قد تضطر لتقديم تنازلات في سياقات أخرى، كما حدث عندما أبرم أوباما عام 2016، أي بعد سنة من إبرام الاتفاق النووي الإيراني، اتفاقاً يرفع من حجم المساعدات الأميركية العسكرية لإسرائيل لتصل إلى 3.8 مليارات دولار سنوياً، بدءاً من عام 2019.

وتبرز تساؤلات حول حيثيات هذه العودة المحتملة، إذ إنه بالإضافة إلى العقوبات، فإن الجانب الإيراني، على الرغم من تصريحاته الدائمة باستمرار التزامه بالاتفاق بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق عام 2018، تمكن من خلق حقائق على الأرض لا يمكن تجاهلها. على سبيل المثال، فقد زاد من مخزونه من اليورانيوم المخصّب 12 مرة أكثر من الحدّ المسموح به بالاتفاق، في السنتين اللتين أعقبتا الانسحاب الأميركي عام 2018. كما أصبح ينتج اليورانيوم المخصب بنسبة تفوق 4.5 في المائة، في حين أن الحدّ المسموح به كان 3.67 في المائة.


تهدد الانتخابات الرئاسية الإيرانية بصعود التيار المحافظ، ما يُصعّب عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي

إلى ذلك، ضيقت العقوبات الأميركية الخناق على النظام الإيراني، وهو ما حال دون تمكن إدارة الرئيس حسن روحاني من القيام بالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة، وزادت بذلك من معاناة الشعب الإيراني بدلاً من أن تضعف النظام. ومن المفترض أيضاً أن تزيد الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة العام المقبل، الضغط على روحاني، وتضيّق مجال المناورة أمامه. وتهدد الانتخابات أيضاً بصعود التيار المحافظ مجدداً، ما يزيد من تعقيدات التفاوض حول عودة الولايات المتحدة للاتفاق.

في هذا الإطار، اعتبر مصدر دبلوماسي غربي رفيع المستوى في الأمم المتحدة، في حديث لـ"العربي الجديد"، في نيويورك، أن "هناك نوعاً من الارتياح لرغبة بايدن بالعودة للاتفاق، لكن ماذا يعني هذا بالضبط؟ لا ندري. وحتى لو افترضنا أنه يمكن التوصل لاتفاق حول زيادة قدرة إيران ومخزونها من الحقائق التي خلقتها على الأرض، ستكون هناك قضية رئيسية لن يكون من السهل تجاهلها، وهي: المعرفة التي اكتسبتها إيران بعد الانسحاب الأميركي وجعلتها تقترب خطوة من هدفها النووي".

بدوره، ذكر دبلوماسي غربي آخر رفيع المستوى في مجلس الأمن، أن "هناك سؤالاً مهماً يتعلق بمقدار الرغبة لدى الجانبين الإيراني والأميركي بالعودة للتفاوض بشكل شامل حول الاتفاق، ليضم أموراً أخرى مرتبطة بنفوذ إيران بالمنطقة مثلاً. مع العلم أن إيران رفضت في الماضي ربط الملف النووي بملفات أخرى، بالتالي لا أعرف إلى أي درجة ستكون مستعدة للعودة إلى الاتفاق من دون ضمانات مستقبلية. فماذا لو أتت بعد بايدن إدارة أخرى لا تريد الاتفاق؟ ما يمكن قوله هو إن الوضع الاستراتيجي تغيّر خلال السنوات الأربع الماضية، ولا أعتقد أنه يمكن العودة وكأن شيئاً لم يكن. أظن أنه أصبح واضحاً للجميع أن مفاوضات جديدة ستجري، لكن مداها غير واضح. وهذا الأمر متعلق بشكل رئيسي بالجانبين الأميركي والإيراني ومدى المرونة المتاحة لكل منهما. وما هو واضحٌ لنا جميعاً أن سياسات الضغط القصوى التي مارستها إدارة ترامب لم تأت بأي ثمار منشودة، بل على العكس".

في سياق آخر، تبرز رغبة أوروبية وصينية وروسية، كأطراف في الاتفاق، بعودة الطرفين الأميركي والإيراني للمفاوضات. لكن إيران أثبتت أنه ليس من السهل التعامل معها، وليس من المجدي الاستخفاف بها. فعلى الرغم من كل الضغوطات التي مورست ضدها، تمكنت من زيادة نفوذها بالمنطقة، بل إن العقوبات الأميركية أعطتها مجالاً لزيادة قدرتها النووية بدلاً من الحدّ منها، وقربتها خطوة من حلمها النووي. ويبدو أن الجانب الأوروبي معني أكثر من أي وقت مضى بنجاح تلك المحادثات، ويشعر بالتفاؤل حيال إقدام إدارة بايدن على رفع جزء من تلك العقوبات، كبادرة حسن نية تحفظ لروحاني ماء الوجه وتمنحه مجالاً أكبر للمناورة داخلياً.