يمثل الاتفاق السعودي الإيراني انتكاسة لمساعي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لعزل طهران، ولكن الزمن وحده سيثبت ما إذا كان ذلك سيعرقل أيضا محاولاته للتواصل مع الرياض أو تخطيطه لتوجيه ضربة عسكرية في نهاية الأمر للمواقع النووية الإيرانية.
ويقول خبراء إن أكثر ما يقلق إسرائيل هو أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه بوساطة صينية، يوم الجمعة، بين السعودية وإيران، يشير إلى أن الولايات المتحدة "تقدم تنازلات" في المنطقة في وقت تشتد فيها حاجة حكومة نتنياهو إليها.
ووصف مسؤول إسرائيلي، طلب عدم ذكر اسمه، الاتفاق السعودي الإيراني بأنه "عملية متوقعة وتمهيدية يجب ألا تعرقل أي تقدم مواز نحو تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية". وعلى أية حال، فقد تقاربت إسرائيل مع الإمارات رغم علاقات أبوظبي مع طهران.
في غضون ذلك، تواصل إسرائيل حملة من التهديدات غير المباشرة بمهاجمة إيران وحدها إذا وصلت الدبلوماسية النووية إلى طريق مسدود.
ولكن كل السيناريوهات لا تزال تتوقف على واشنطن التي ترعى اتفاقات تطبيع بين دول عربية وإسرائيل وتشجع عليها، والتي تمثل أيضا حليفا قويا، والتي إذا أبدت اعتراضها على القيام بعمل عسكري فلن تقدم إسرائيل عليه.
وقال مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن: "هذه خطوة ذكية من الصين وإيران لتقويض التطبيع السعودي الأميركي والسعودي الإسرائيلي. إنها تساعد على عودة طهران إلى الساحة مرة أخرى، وتقوض الجهود الأميركية والإسرائيلية لبناء تحالف إقليمي لمواجهة إيران التي تقترب من تطوير أسلحة نووية".
ولكن التحالف الإسرائيلي الأميركي يشهد توترا ليس له صلة بالاتفاق السعودي الإيراني. وأبدت إدارة الرئيس جو بايدن، التي لم تدع نتنياهو بعد لزيارة البيت الأبيض، قلقها الشديد بشكل غير معتاد من ائتلافه المكون من أحزاب يمينية متطرفة.
ويواجه نتنياهو أيضا تظاهرات حاشدة غير مسبوقة في إسرائيل احتجاجا على خطة الإصلاح القضائي. وشملت الاحتجاجات تعهدات من جانب بعض جنود الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي بعدم حضور يوم تدريبي، وهو ما يشير إلى وجود هزة في الاستعداد القتالي والروح المعنوية.
جرس إنذار
وقال عاموس يادلين، رئيس جهاز المخابرات العسكرية السابق في عهد نتنياهو، إن الاتفاق السعودي الإيراني "يجب أن يمثل جرس إنذار".
وكتب يادلين على "تويتر": "تركيز الحكومة على الإصلاح القضائي، الذي يمزق الأمة ويضعف إسرائيل من جميع النواحي، يعكس انفصالا عميقا بين نتنياهو والتوجهات الجيوسياسية الدولية".
ووجه يادلين اتهامات إلى نتنياهو بـ"التسبب في ضرر غير عادي بأمننا القومي". وطلب منه ضرورة إلغاء الإصلاحات التي يصفها المعارضون بأنها محاولة لبسط الحكومة نفوذها على المحاكم، إلى جانب توثيق العلاقات مع بايدن حول كيفية إقامة علاقات إسرائيلية سعودية، ومعالجة برنامج إيران النووي بصورة مشتركة.
وكان يادلين من بين الطيارين الذين قصفوا مفاعلا نوويا عراقيا في عام 1981، وأحد كبار القادة في أثناء هجوم إسرائيل على مفاعل سوري مشتبه به في 2007. وتشير تصريحات يادلين إلى أنه لا يعول كثيرا على قدرة إسرائيل وحدها على مواجهة إيران، التي تمتلك مواقع نووية نائية ومتشعبة ومحمية.
فيما وصف إيهود باراك، وزير الدفاع السابق في حكومة نتنياهو، والذي تحول إلى منتقد سياسي، إيران بأنها "تسير بثقة نحو أن تصبح بحكم الأمر الواقع دولة على عتبات التحول إلى قوة نووية".
وكتب في صحيفة "يديعوت أحرونوت": "يبدو أن التنسيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل قوي في مجال الدفاع، ولكنه ضعيف في مجال الهجوم، ويحتاج إلى تغيير". وتنفي إيران سعيها لامتلاك أسلحة نووية.
وقال إيتان بن دافيد، النائب السابق لمستشار الأمن القومي لنتنياهو، إن إسرائيل تبني قدرات للقيام بعمل عسكري من جانب واحد بوصفه أمرا ضروريا، مع إعطاء الشراكة الأميركية والتحالفات مع دول عربية محتملة أولوية ثانوية.
وقال إن السعودية لا تزال على دراية بالدور الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة.
وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في مطلع هذا الأسبوع، أن الرياض تريد تطوير برنامج نووي مدني وتقليل القيود المفروضة على مشترياتها من الأسلحة الأميركية، في مقابل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وحذر يادلين نتنياهو، الذي يواجه تحديات سياسية في الداخل، إلى جانب خلافه مع البيت الأبيض، من النظر إلى مثل هذه المطالب "باعتبار التوصل لخطة سلام سعودية إنجازا".
ولم يرد المكتب الإعلامي للحكومة السعودية بعد على طلب "رويترز" للتعليق على تقرير "نيويورك تايمز". وربطت السعودية باستمرار أي تحرك من جانبها لتطبيع العلاقات مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية.
من جانبه، بدا أن البيت الأبيض يقلل من أهمية مشاركة الصين في الاتفاق الذي توصلت إليه طهران والرياض، يوم الجمعة. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي إن البيت الأبيض يرى أن الضغط الداخلي والخارجي، بما في ذلك الردع السعودي الفعال للهجمات القادمة من إيران أو وكلائها، أدى في النهاية إلى جلوس طهران على طاولة المفاوضات.
(رويترز)