أفادت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، أن السفارة المصرية في واشنطن طلبت من شركة "براونستين هيات فاربر شريك" للعلاقات العامة والضغط السياسي، التركيز في الفترة المقبلة على ضم بعض السياسيين الأميركيين من ذوي الأصول الأفريقية، لإقناعهم بالمشاركة في الحملة التي تنتهجها مصر لتثبيت الموقف الأميركي الرسمي القائم حالياً من ملف سد النهضة. وتسعى السفارة إلى منع انجراف الإدارة الجديدة للبيت الأبيض للاستجابة للنشاط الدعائي المكثف لإثيوبيا، بالاشتراك مع مجموعات واسعة من النواب ذوي الأصول الأفريقية، المدعوم من شخصيات قريبة من الرئيس الأميركي جو بايدن ونائبته كامالا هاريس.
وأضافت المصادر أن الشخصيات والمجموعات المساندة لإثيوبيا تعمل حالياً على الفصل بين قضية سد النهضة وموقف إدارة بايدن، المعترض على السياسات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد. وانتقد بايدن تعاطي أبي مع إقليم تيغراي، وتصعيده مع السودان ومصر، لكنه في المقابل، لا يرغب في الخروج بتصريحات تُفسر بكونها "داعمة للموقف المصري"، كما كان يحدث بشكل علني في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
بايدن لا يريد دعم مصر بالكامل رغم انتقاده إثيوبيا
وذكرت المصادر أن ما دعا الخارجية المصرية للطلب من شركة العلاقات العامة التركيز على هذا الأمر الآن، هو إظهار الفعاليات المختلفة التي نظمتها السفارة المصرية، وجود مسافة كبيرة بين قدرة المصريين والإثيوبيين على الحشد. ويتعلق الأمر بقواعد الحزب الديمقراطي ومراكز الأبحاث، المتشبّعة بالدعاية الإثيوبية التي تصنف مصر طرفاً معتدياً على الحقوق السيادية ومحتكرة مياه النيل.
وأوضحت المصادر أنه تبين أيضاً من الفعاليات واللقاءات التي شارك في تنظيمها بعض السياسيين الأميركيين لحساب الشركة، التي تتقاضى شهرياً 65 ألف دولار من مصر، مثل السناتور الأسبق عن ألاسكا، الديمقراطي مارك بيغيتش، تركيزهم على قضايا أخرى تهم النظام الحاكم في مصر. وأهم تلك القضايا، أوضاع الحريات العامة والمعتقلين السياسيين، وأهمية العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وواشنطن، وحساسية المساس بها بأي صورة، أو التقليل من أهمية الدور المصري في التقارب العربي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. وهي من أكثر القضايا أهمية لدى الأوساط السياسية التقليدية في واشنطن والحزب الديمقراطي خصوصاً. ويتطلّب ذلك تركيزاً خاصاً ومكثفاً على قضية سد النهضة، التي يعتبرها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حساسة حالياً، أكثر من أي وقت مضى، بعد تعثر المفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وتفكيره مجدداً في اللجوء إلى مجلس الأمن قبل الملء الثاني للسد، المقرر الصيف المقبل. مع العلم أن الملء الثاني يكرّس تحكم إثيوبيا عملياً الكامل في إدارة السد من دون التنسيق في أي مرحلة مع مصر والسودان، في مخالفة واضحة لاتفاق المبادئ الموقع بين الدول الثلاث في مارس/آذار 2015.
وبعيداً عن سد النهضة؛ كشفت المصادر أن النظام المصري تلقى نصائح جديدة من بعض النواب والسياسيين من جماعات الضغط التي تكثف مصر التعاون معها، وكذلك من المتعاملين مع شركة "براونستين هيات فاربر شريك"، بضرورة الاستعداد لاتخاذ إجراءات تعكس رغبة النظام في تحسين أوضاع حقوق الإنسان خلال الفترة المقبلة. ويتعلق ذلك في إمكانية الإفراج عن معتقلين ومحكومين من حاملي الجنسية الأميركية، خصوصاً أن إدارة بايدن ما زالت تلتزم الصمت حتى الآن تجاه الأوضاع في مصر بشكل عام.
وذكرت المصادر أن هناك قلقاً بشكل عام في القاهرة من هذا الصمت الرسمي الأميركي، ومن احتمال أن يكون ممهداً لعاصفة كبيرة من الضغوط. لكن على ضوء التطمينات التي قدمها بعض السياسيين في واشنطن، فإن إدارة بايدن لن تفتح كل الملفات العالقة مع النظام في وقت واحد، وأن الرئيس الأميركي لن يبادر لممارسة ضغوط تمس العلاقة الاستراتيجية بين البلدين جذرياً.
من المتوقع أن يفرح النظام عن مصريين يحملون الجنسية الأميركية
وكانت مصر قد انتهجت خطاباً انفتاحياً لكنه مشكك في الوقت عينه، منذ فوز بايدن بالرئاسة، إذ بادر السيسي إلى تهنئته، وتحدث وزير الخارجية سامح شكري بصورة إيجابية عنه في مؤتمرين صحافيين، عكس حديثه النقدي دائماً لملاحظات العواصم الأوروبية على أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وقال شكري في يناير/كانون الثاني الماضي، خلال لقاء مع وزراء خارجية ألمانيا هايكو ماس، وفرنسا جان إيف لودريان، والأردن أيمن الصفدي، إنه "على الإدارة الأميركية الجديدة تحت رئاسة جو بايدن، أن تعتمد في تجميع معلوماتها عن مصر على عموم الشعب المصري ومختلف فئاته". واعتبر أنه لا يجب عليها الاعتماد على "الفئات التي لا تمثل الشعب وتروج لأكاذيب لتحقيق أهدافها البعيدة عن حقوق الإنسان"، مضيفاً أن "مصر تشارك الإدارة الأميركية الجديدة الحرص على أوضاع حقوق الإنسان".
وكان بايدن قد انتقد سابقاً أوضاع المعتقلين في مصر، مديناً وفاة المواطن الأميركي من أصل مصري مصطفى قاسم في سجنه المصري مطلع العام الماضي، وانتقد تخاذل إدارة ترامب في التعامل مع تلك القضية. وفي يوليو/تموز الماضي، شنّ هجوماً مزدوجاً على ترامب والسيسي، فحمّل الأول مسؤولية اعتقال محمد عماشة لمدة 468 يوماً في السجون المصرية قبل الإفراج عنه بضغط أميركي، ومن جهة ثانية هدد بالتعامل بشكل مختلف مع السيسي، في حال فوزه بالرئاسة بقوله "لا مزيد من الشيكات على بياض لديكتاتور ترامب المفضل".