الابتزاز السياسي يعود للساحة التركية: تسجيلات مسربة لضرب الخصوم

06 مارس 2021
رئيس "الشعب الجمهوري" كمال كلجدار أوغلو وقياديي الحزب (Getty)
+ الخط -

يعود موضوع الابتزاز السياسي الذي يعصف بالطبقة السياسية كل بضع سنوات إلى الساحة التركية، مع كشف عضو البرلمان عن حزب "الشعب الجمهوري" المعارض، تيومان سانجار، عن تعرضه لابتزاز بتسجيل مصور منسوب له، ومطالبته بدفع مليون دولار لعدم عرض التسجيل، فاضطر إلى تقديم استقالته الحزبية، وسط توقعات باستغلال خصوم الحزب، ولا سيما "العدالة والتنمية" الحاكم، هذه الحادثة لمهاجمة "الشعب الجمهوري".

وتقدّم سانجار بشكوى للنيابة العامة أفاد فيها بتعرضه لابتزاز من أطراف لم يحددها، ومع بدء التحقيقات اعتُقل شخص واحد حتى الآن. ونقلت وسائل إعلام تركية عن سانجار قوله إنه "وقع في أنياب عصابة قالت إنها تمتلك تسجيلاً مصوراً ولفّقت تهماً بحقه تتعلق بقضايا فساد وفضائح أخلاقية، واتهامات غير لائقة". ونفى سانجار تورطه في أي فضيحة، معلناً أنه سيوضح للرأي العام حقيقة كل ما حصل عقب انتهاء التحقيقات. وأضاف أنه "طُلب منه دفع المبلغ مرتين، لكنه رفض ذلك لأنه بريء"، لافتاً إلى أن طلب الاستقالة جاء من قيادة الحزب المعارض في أنقرة.

"العدالة والتنمية" سيستفيد من حادثة سانجار في إطار سعيه لاستعادة شعبيته

ومع فتح النيابة العامة تحقيقاً في شكوى سانجار، وحديثه عن تعرضه للابتزاز، عادت إلى الأذهان أحداث مشابهة في تركيا، كان أبرزها في عام 2010 عندما تعرض رئيس "الشعب الجمهوري" دنيز بايكال لموقف محرج عبر بث شريط مسجل له من داخل غرفة نومه. وأثار التسجيل جدلاً واسعاً في الشارع التركي، ما دفع بايكال إلى تقديم استقالته من رئاسة الحزب، ممهّداً الطريق لتولي الزعيم الحالي كمال كلجدار أوغلو رئاسة الحزب. ووُجهت أصابع الاتهام في تلك الحقبة إلى جماعة "الخدمة" بالوقوف وراء ذلك التسريب، للتأثير على المعارضة التي خسرت آنذاك أمام حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، ودفع قيادات جديدة لتسلم "الشعب الجمهوري".

وتُعتبر هذه القضية من أبرز حوادث الابتزاز السياسي على الساحة التركية، لأنها استهدفت الحزب الكمالي الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية، لكن هذا الأمر طاول أيضاً أحزاباً أخرى. ففي فترة ما قبل الانتخابات العامة التي جرت عام 2011، تعرض حزب "الحركة القومية" لابتزاز مماثل، عبر بث مجموعة من التسجيلات المصورة والصوتية لقيادات في الحزب للضغط على رئيسه دولت باهتشلي، الذي تحدى الابتزاز قائلاً "اعرضوا ما عندكم"، ليتم عرض أكثر من 20 تسجيلاً، ما أسفر عن أكثر من 10 استقالات من بينهم نواب ومرشحين ونائب رئيس الحركة. وتبيّن لاحقاً أن التسجيلات جاءت بناء على قرار سري من المحكمة، للاستماع إلى أعضاء الحزب، تم عمل مونتاج لبعضها، وجرت تحقيقات مطولة للكشف عنها ووُجهت أصابع الاتهام أيضاً لجماعة "الخدمة".

كذلك تعرض "العدالة والتنمية" في السنوات اللاحقة لتسريب تسجيلات صوتية لقيادته ومسؤوليه، واعتبر الحزب أن الكثير منها ملفقة وممنتجة. وشملت التسريبات وزراء ومسؤولين، حتى أنه جرى تسريب فحوى اجتماع لوزير الخارجية السابق أحمد داود أوغلو مع مدير المخابرات هاكان فيدان حول سورية والحديث عن كيفية بدء عمل عسكري في الشمال السوري، ولكن جبهة الحزب الحاكم بقيت متماسكة ولم تشهد أي انشقاقات أو استقالات.

وبات من الواضح أن "العدالة والتنمية"، سيستفيد من حادثة سانجار لاستعراض تاريخ الابتزازات التي كانت تحدث سابقاً، في إطار سعيه لاستعادة شعبيته التي انخفضت أخيراً، وبحثه عن حلفاء جدد يعوّضون الأصوات التي خسرها في الانتخابات المحلية الأخيرة قبل عامين.

وتعقيباً على هذه الظاهرة، قال الصحافي التركي إسماعيل جوكتان، المتابع لهذا الملف، لـ"العربي الجديد"، إن "العادة جرت في التاريخ السياسي التركي باللجوء إلى أساليب الابتزاز السياسي لتصفية الخصوم السياسيين منذ عشرات السنين، والشارع التركي معتاد على هذا المشهد". وأضاف أن "السياسة السابقة قبل تولي العدالة والتنمية الحكم كانت تعمل على ضرب السياسيين المحافظين بقضايا التحرش، التي تورط فيها بعض السياسيين في تسعينيات القرن الماضي". ولفت إلى أن "الوضع السابق استمر إلى حين وصول العدالة والتنمية إلى السلطة، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي لوحظ زيادة اللجوء إلى أساليب الابتزاز".

الشعب الجمهوري لا يرغب بقضايا وتوترات جديدة تُطرح عبر وسائل الإعلام

وعن قضية سانجار، رأى جوكتان أنها لا تبتعد عن النزاع السياسي داخل "الشعب الجمهوري" وتصفية الخصوم، مشيراً إلى أن "تحقيقات بدأت مع مشتبه بهم نتيجة الشكوى التي تقدم بها سانجار للنيابة العامة، واستقالته من حزبه التي جاءت بطلب من القيادة، فالشعب الجمهوري لا يرغب بقضايا وتوترات جديدة تُطرح عبر وسائل الإعلام، ولذلك يحاول تجنب فضيحة جديدة". ورأى أنه على الرغم من نفي سانجار التهم الموجهة له، فإن الرئيس رجب طيب أردوغان لن يفوّت هذه الفرصة التي تتيح له المجال لمهاجمة خصمه "الشعب الجمهوري".

من جهته، قال الصحافي التركي رجب يارار، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "ظاهرة الابتزاز السياسي موجودة في كثير من الدول، ولكنها أكثر انتشاراً في المشهد التركي، لأن حوادث الابتزاز يتم استخدامها عبر الإعلام كسلاح قوي ضد الخصوم السياسيين، بما يترك تأثيراً مباشراً على توجهات الناخبين، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي بات اللجوء لهذه الأساليب أسهل". ولفت إلى أن "حزب الشعب الجمهوري شهد عمليات ابتزاز مشابهة قبل سنوات، لا زالت حديث الإعلام حتى الآن"، مشدداً على ضرورة "رفع مستوى النضج السياسي لدى الأحزاب السياسية التركية بلا استثناء سواء في التحالف الحاكم، أو في المعارضة، والأيام المقبلة ستكشف حقيقة قضية النائب سانجار".

 

المساهمون