مع تصاعد موجة الهجوم مجدداً على شيخ الأزهر أحمد الطيب في مصر، واجتزاء تصريحات تلفزيونية قديمة له حول "ضرب الزوجة" واستخدامها في الهجوم عليه، أكدت مصادر مصرية وعربية، لـ"العربي الجديد"، أن الطيب يتعرض منذ مدة طويلة إلى ضغوط إماراتية من أجل دفعه إلى المشاركة في افتتاح ما يسمى بـ"بيت العائلة الإبراهيمية"، الذي تبنيه العاصمة أبوظبي على جزيرة السعديات، ومن المنتظر افتتاحه هذا العام.
واكتفى الطيب بتوجيه كلمة لمناسبة "اليوم الدولي للأخوة الإنسانية"، أمس الجمعة، قال خلالها إن "احتفاء العالم باليوم الدولي للأخوة الإنسانية هو في الحقيقة احتفال بإنسانية الدين الإلهي، ودعوته للتعارف والتفاهم بين أتباع الرسالات السماوية وغير السماوية، واحترامه لخصوصية الأديان والعقائد، بحثاً عن عالم أفضل تسوده روح التسامح والإخاء والتضامن والتكافل، وأملاً في تقديم حلول ناجعة لأزمات الإنسان المعاصر وتحدياته، خصوصاً أزمات الأيتام والفقراء والمهجرين والمنكوبين ممن قست عليهم الحياة".
وعبّر الطيب، خلال كلمته، عن تقديره البالغ لولي عهد أبوظبي "الذي يواصل مسيرة والده الخيرة على رعايته لهذه الوثيقة، ودعمه بكل صدق وإخلاص لمبادرات ترسيخها وتأصيلها ونشرها في العالم أجمع".
وأكد أن وثيقة الأخوة الإنسانية "قد كُتبت تحت قباب الأزهر، وبين جنبات حاضرة الفاتيكان؛ إيماناً من الجميع بضرورة التفاهم بين المؤمنين بالأديان، بل وغير المؤمنين بها؛ من أجل التخلص من الأحكام الخاطئة، والصراعات التي غالباً ما تفضي إلى إراقة الدماء، وإشعال الحروب بين الناس، حتى بين أبناء الدين الواحد والمؤمنين بعقيدة واحدة".
الإمارات حاولت استخدام وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها الطيب وفرنسيس لأغراض سياسية خاصة بها
وقال مصدر مطلع في مشيخة الأزهر، لـ"العربي الجديد"، إن "الإمام أحمد الطيب حسم مسألة عدم مشاركته في افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية".
وأوضح أن البيت "يضم مسجداً باسمه، بالإضافة إلى كنيسة باسم البابا فرنسيس وكنيس يهودي باسم الفيلسوف العربي موسى بن ميمون، تحت سقف واحد على جزيرة السعديات بالعاصمة أبوظبي، وخصوصاً أنه من المنتظر أن تشارك شخصيات يهودية صهيونية وإسرائيليون" في الافتتاح.
موقف أحمد الطيب من "الديانة الإبراهيمية"
ولفت المصدر إلى أن "تصريحات الإمام الأكبر في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، في إطار الاحتفال بالذكرى العاشرة لتأسيس "بيت العائلة المصرية"، التي تحدث فيها عن "الديانة الإبراهيمية" وهاجمها ووصفها بـ"أضغاث الأحلام"، كانت بمثابة مقدمة لرفض حضور افتتاح بيت العائلة الإبراهيمية".
وكان الطيب قد بدأ حديثه عن الأمر بالقول إنه يريد "التنبيه قطعاً للشكوك التي يثيرها البعض بغرض الخلط بين التآخي بين الدينين، الإسلامي والمسيحي، وبين امتزاج الدينين، وذوبان الفروق والقسمات الخاصة بكل منهما، خاصة في ظل التوجهات والدعوة إلى الإبراهيمية".
وأضاف أن هذه الدعوات تطمح فيما يبدو إلى "مزج المسيحية واليهودية والإسلام في دين واحد، يجتمع عليه الناس ويخلصهم من بوائق الصراعات".
وتساءل في خطابه عما إذا كان المقصود من الدعوة "تعاون المؤمنين بالأديان على ما بينها من مشتركات وقيم إنسانية نبيلة، أو المقصود صناعة دين جديد، لا لون له ولا طعم ولا رائحة" حسب تعبيره.
وقال الطيب إن الدعوة لـ"الإبراهيمية تبدو في ظاهر أمرها دعوة للاجتماع الإنساني والقضاء على أسباب النزاعات والصراعات، وهي في الحقيقة دعوة إلى مصادرة حرية الاعتقاد وحرية الإيمان والاختيار".
ورأى الطيب أن الدعوة إلى توحيد الدين دعوة "أقرب لأضغاث الأحلام منها لإدراك حقائق الأمور وطبائعها"، لأن "اجتماع الخلق على دين واحد أمر مستحيل في العادة التي فطر الله الناس عليها". وقال إن "احترام عقيدة الآخر شيء والإيمان بها شيء آخر".
استخدام الإمارات وثيقة الأخوة الإنسانية
وقال المصدر الأزهري، لـ"العربي الجديد"، إن الإمارات "أخذت وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقعها شيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الفاتيكان فرنسيس في أبوظبي عام 2019، برعاية ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في طريق مختلفة عن توجهات الإمام الأكبر".
وأشار إلى أنها "حاولت استخدامها لأغراض سياسية خاصة بها، وخصوصا في مسألة التقارب مع إسرائيل. حيث أنشأت، فيما بعد، اللجنة العليا للأخوة الإنسانية، وتضم علماء دين وشخصيات في مجالات الثقافة والتعليم من الإمارات ومصر والولايات المتحدة".
وتضم اللجنة "في عضويتها كلاً من الكاردينال ميغيل أنخيل أيوسو جيكسوت، رئيس اجتماعات اللجنة العليا للأخوة الإنسانية ورئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان لدى الكرسي الرسولي، والمستشار محمد عبد السلام، أمين عام اللجنة العليا للأخوة الإنسانية والمستشار السابق للإمام الأكبر شيخ الأزهر، والأستاذ محمد حسين المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، وإيرينا بوكوفا المديرة العامة السابقة ليونسكو، والحاخام بروس لوستج كبير الحاخامات في المجمع العبري في واشنطن الذي يدعم إسرائيل".
وأشار المصدر إلى أنه "على الرغم من استبعاد المستشار محمد عبد السلام من مشيخة الأزهر، ومن منصبه مستشاراً للطيب، تحت ضغوط من أجهزة الدولة في مصر، إلا أنه لا يزال يحظى بثقة الإمام الأكبر، ويعتبر حلقة الوصل بينه وبين الإماراتيين. كما أنه صاحب فكرة "الأخوة الإنسانية" وهو منسق تلك العملية". وأوضح أنه "لا يزال يمارس اختصاصه مستشاراً للطيب".
تداعيات تطبيع الإمارات مع الاحتلال
وأضاف المصدر أنه "مع الضغوط الإماراتية على الأزهر، اضطرت المشيخة للدفع بوكيل الأزهر محمد الضويني للمشاركة في مهرجان الأخوة الإنسانية في إكسبو دبي 2020، والذي انطلق الأربعاء الماضي، إلى جانب مستشار شيخ الأزهر السابق المستشار محمد عبد السلام".
وتوثقت علاقة شيخ الأزهر بحكام الإمارات مع ترأسه مجلس حكماء المسلمين الذي انطلق من أبوظبي في 2014، كمؤسسة إسلامية أنشئت لسحب البساط من مجلس علماء المسلمين الذي يرأسه الشيخ يوسف القرضاوي. وهو العام ذاته الذي استقبلت فيه أبوظبي شيخ الأزهر وفرنسيس، ووقعا معاً وثيقة "الإخوة الإنسانية"، وبعد هذا التوقيع ببضعة أشهر، أعلن ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عن مشروع تشييد "بيت العائلة الإبراهيمية".
الإمارات تحاول باستمرار استغلال مؤسسة الأزهر في دعم توجهاتها السياسية
لكن بعد توقيع الإمارات اتفاقية السلام مع الاحتلال الإسرائيلي، أصبح الإمام الأكبر في موقف حرج، لا سيما مع تأكيده السابق "شرعية المقاومة الفلسطينية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي"، ورفضه، في السابق، استقبال حاخامات يهود، أو استقبال ومصافحة الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، أو حتى الوجود معه في مكان واحد.
ويدعم شيخ الأزهر بشكل قوي الحقوق الفلسطينية، ويحذر بشكل مستمر من المشروعات الاستيطانية ومحاولات تهويد القدس. كما أنه شن هجوماً قوياً على قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وإعلانه في خطاب رسمي رفضه مقابلة نائب الرئيس الأميركي آنذاك مايك بنس، احتجاجاً على قرار نقل السفارة إلى القدس.
وكان الطيب قال في بيانه وقتها: "كيف لي أن أجلس مع من منحوا ما لا يملكون لمن لا يستحقون... يجب على الرئيس الأميركي التراجع فوراً عن هذا القرار الباطل شرعاً وقانوناً".
الإمارات تحاول استغلال مؤسسة الأزهر
وقالت مصادر مصرية إن "الإمارات تحاول باستمرار استغلال مؤسسة الأزهر في دعم توجهاتها السياسية. وبدأ الأمر في هجومها على خصومها السياسيين من الإسلاميين في مصر ودول أخرى، ثم انتهى أخيراً إلى محاولة الزج به في تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي، عبر وضع اسم الأزهر في أية جملة مفيدة مع إسرائيل".
وكشفت المصادر عن أنه "كانت هناك محاولات إماراتية سابقة لإنشاء فرع لمشيخة الأزهر على أراضيها، لكن طلبها قوبل برفض مصري، سواء من مشيخة الأزهر أو على مستوى النظام الرسمي".
وقالت المصادر إن "حكام الإمارات لا يزالون يحاولون الضغط على الإمام الأكبر، بشتى الطرق، من أجل المشاركة في افتتاح ما يسمى ببيت العائلة الإبراهيمية. لكن الأخير يعلم تماماً أن مشاركته في مثل هذا الأمر ستكون بمثابة (عقب أخيل)، أو نقطة الضعف القاتلة، على الرغم من كل القوة التي يتمتع بها شيخ الأزهر، والتي إن أصيبت ستؤدي إلى سقوطه بالكامل".