الإصلاح الانتخابي في أميركا: محاولة ديمقراطية لحماية نُظم الاقتراع

03 مارس 2021
أدلت بصوتها في لوس أنجليس، 3 نوفمبر 2020 (إرفان خان/Getty)
+ الخط -

انشغلت الولايات المتحدة في الأشهر الماضية بملفات عدة، مثل عنصرية رجال الشرطة في قضية جورج فلويد، وتفشي وباء كورونا وانعكاساته الاقتصادية، والانقسام العميق الذي خلّفته الانتخابات الرئاسية، وصولاً إلى اقتحام أنصار الرئيس السابق دونالد ترامب مقرّ الكونغرس. وعلى الرغم من انشغال الإدارة الأميركية بقيادة جو بايدن لاحقاً، في معالجة ملفات العنصرية وكورونا، إلا أن الحزب الديمقراطي قرر اتخاذ خطوة تهدف لإصلاح النظام الانتخابي، مع بدء الكونغرس مناقشة أكبر إصلاح لقانون الانتخابات الأميركي منذ عقود. ويستند الديمقراطيون إلى الإصلاح الذي أجرته ولاية فلوريدا، عام 2001، بعد الانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2000 بين الجمهوري جورج بوش الابن والديمقراطي آل غور. وكان الإرباك واضحاً في عملية فرز الأصوات، التي أدت لاحقاً إلى إعادة الفرز يدوياً، ثم اللجوء إلى المحكمة العليا لحسم فوز بوش الابن. وينطلق الحزب في مشروعه من الأحداث السلبية التي رافقت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، تحديداً إعلان ترامب الحرب على نظام التصويت المبكر وعبر البريد، في الصيف الماضي، والتي وضعها في سياق "مؤامرة ديمقراطية لإسقاطه"، ثم حديثه عن التزوير وسرقة الفوز منه. وحاول ترامب استغلال ذلك عبر إلقاء الضوء على التنافس الشديد في الولايات المتأرجحة، خصوصاً في ميشيغن وجورجيا وكارولاينا الشمالية وويسكونسن وأوهايو، للإيحاء بسلب الانتصار منه. واعتبر الرئيس السابق أن النتائج غير صحيحة، مؤججاً الغضب بين أنصاره إلى حدّ اقتحام الكونغرس في 6 يناير/كانون الثاني الماضي.


يسعى الجمهوريون إلى الحدّ من التصويت في ولاية جورجيا

 

وبعد الاقتحام بدأت المؤسسات الأميركية هجمة مرتدة، بدءاً من محاسبة المهاجمين، مروراً بتشديد القوانين المرتبطة باليمين الأميركي المتطرف، وصولاً إلى محاكمة ترامب نفسه، ليُصبح أول رئيس في تاريخ البلاد يُحاكم بتهمة العزل مرتين في ولاية واحدة، رغم تبرئته في المرتين، وهو ما شجّع على الدعوة لإجراء إصلاحات انتخابية، تمنع ترامب نفسه وأنصاره من تكرار مقولة "فزنا في انتخابات 2020 لكن الديمقراطيين سرقوها". في السياق، أيدت إدارة بايدن مساعي الديمقراطيين لإصلاح أحكام النظام الانتخابي وتسليم عملية تقسيم دوائر الكونغرس إلى هيئات مستقلة، مدلية بذلك بدلوها في معركة سياسية من المرجح أن تهيمن على واشنطن لسنوات مقبلة. وذكر مكتب الإدارة والموازنة في إدارة بايدن، مساء أول من أمس الاثنين، أن الولايات المتحدة تواجه "اعتداء غير مسبوق على ديمقراطيتنا، ومحاولة لم نشهدها من قبل لتجاهل إرادة الشعب وتقويضها وتبديدها. كما تواجه هجوماً عدوانياً جديداً على حقوق التصويت يحدث الآن في مختلف أنحاء البلاد". ومن المقرر أن يتطرقّ مشروع قانون الديمقراطيين، المكوّن من 791 صفحة، إلى كل جوانب العملية الانتخابية، من أجل "التغلب على العقبات التي تحول دون التصويت، وتحدّ من التلاعب الحزبي في تقسيم الدوائر وتقليص حجم الأموال الضخمة الممنوحة للمرشحين، والكشف عن مصادر الأموال والمتبرعين المجهولين، فضلاً عن إعداد التقارير من أجل الإعلانات السياسية عبر الإنترنت، وتخصيص ملياري دولار تقريباً لتحديث البنية التحتية للانتخابات". ويقترح الديمقراطيون إتاحة التصويت المبكر والتسجيل في اليوم نفسه، فضلاً عن إلزام الرؤساء المستقبليين بالكشف عن إقراراتهم الضريبية، وهو ما رفضه ترامب سابقاً. ويريد الديمقراطيون، وفقاً لطرحهم، تسهيل اقتراع الناخبين قدر الإمكان، بينما يعتبر الجمهوريون أن الأمر مرتبط بارتفاع نسبة الإقبال بين ناخبي الأقليات لصالح الحزب الديمقراطي. مع ذلك، فإن تمرير مشروع القانون بحدّ ذاته سيكون صعباً. ومع أن الديمقراطيين سينجحون في تمريره في مجلس النواب، مساء اليوم الأربعاء، إلا أن الأمور ستكون أصعب في مجلس الشيوخ، المنقسم بين 50 جمهورياً و50 ديمقراطياً. ومع أن بعض التشريعات لا تتطلّب سوى 51 صوتاً لتمريره في المجلس، إلا أن قانون الإصلاح الانتخابي يحتاج إلى 60 صوتاً. وهنا يعتبر مراقبون أن من الصعب إقناع 10 شيوخ جمهوريين بالتصويت للإصلاح الديمقراطي. وسبق أن قال الجمهوريون إن مشروع القانون يجرّد الولايات من سلطاتها، ويزيد المخاوف من حدوث تلاعب ويطالبون بإجراءات لفرض قيود على الانتخابات. في المقابل، يسعى الديمقراطيون لتوسيع إمكانيات المشاركة في الاقتراع من خلال التصويت المبكر والتصويت عن طريق البريد، وتدابير أخرى، بل ازدادت هذه المساعي مع تفشي وباء كورونا. مع العلم أن ترامب اقترح يوم الأحد الماضي، في أول خطبة عامة يلقيها منذ هزيمته الرئاسية، الحدّ من تصويت الغائبين، فضلاً عن تحديد الأيام التي يمكن للأميركيين التصويت فيها. وتلوح في الأفق أيضاً بوادر معركة على إعادة تقسيم خريطة الدوائر الانتخابية. وفي العديد من الولايات تقود المجالس التشريعية المحلية هذه العملية، وأغلبها يسيطر عليه الجمهوريون. وجرت العادة أن تعيد المجالس التشريعية رسم حدود الدوائر بما يسهم في فوز حزبها بعدد أكبر من الأصوات في الانتخابات، وبما يقلص في بعض الأحيان من أثر أصوات الناخبين من أصول أفريقية. ويقضي مشروع القانون المقترح في مجلس النواب بنقل هذه السلطة إلى هيئات، قال الجمهوريون إنها لن تكون مسؤولة أمام المواطنين في ولاياتهم. ومن شأن إعادة رسم مقاطعات الكونغرس في الولايات الأميركية، أن تكبح عودة منتصرة محتملة للجمهوريين في الانتخابات النصفية في أواخر عام 2022. مع العلم أن رسم هذه المقاطعات من صلاحية الهيئات التشريعية في الولايات وهي هيئات يسيطر عليها الجمهوريون، لكن الديمقراطيين يطرحون منح مسألة رسم المقاطعات لهيئات مستقلة. ويعتبر الحزب الديمقراطي أن رسم فريق حزبي للمقاطعات ينتهك بند الناخبين. ويستعينون في ذلك بالمؤتمر الدستوري لعام 1787، المنعقد في فيلادلفيا ـ بنسلفانيا، والذي استقرّ فيه المشاركون على شكل المجمع الانتخابي وعدد مندوبيه، بطريقة محددة من الهيئة التشريعية في كل ولاية. وباشر الديمقراطيون حملة مؤيدة للقانون المقترح في الكونغرس، فاعتبر رئيس منظمة "الحكم الرشيد" فريد فيرتهايمر، أن "التصويت هو في صلب نظامنا الديمقراطي، وهنا يتوجب القتال". أما النائب الديمقراطي من ولاية ماريلاند، جن ساربنز، الذي رعى مشروع القانون، قال: إن "هذه الإصلاحات ليست مثيرة للجدل، والعديد منها مستقاة من توصيات اللجان المكونة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري". لكن النائب الجمهوري من أوكلاهوما توم كول، وصف مشروع القانون بـ"السيئ، لأنه يعتمد معياراً واحداً في كل الولايات، بدلاً من تركها تجري بالطريقة التقليدية. في المقابل، اعتبر المدّعي العام السابق لولاية فيرجينيا كين كوتشينيلي، الذي كان مسؤولاً في وزارة الأمن الداخلي في إدارة ترامب، أن "القيادة الديمقراطية مستعدة للتضحية بأعضائها لتمرير تشريعات جذرية. إنها وقود للمدافع لا تهتم به (رئيسة مجلس النواب) نانسي بيلوسي". وباشر كوتشينيلي حملة بلغت قيمتها 5 ملايين دولار للضغط على الديمقراطيين في مجلس الشيوخ لمعارضة مشروع القانون. بدورها، ذكرت ستايسي أبرامز، التي خسرت بفارق ضئيل محاولتها في جورجيا عام 2018 لتصبح أول امرأة سوداء حاكمة في تاريخ الولايات المتحدة: "ركزت القوى المناهضة للديمقراطية في الحزب الجمهوري طاقتها على الترويج لإجراءات تقييد الناخبين غير المبررة والمكلفة".


يرفض ترامب الإصلاح الديمقراطي ودعا لإسقاطه لأنه "كارثة"

 

ولم يترك ترامب مشروع القانون المطروح من دون تعليق، فاعتبر في ختام الملتقى السنوي للمحافظين الأميركيين "مؤتمر العمل السياسي المحافظ"، في أورلاندو ـ فلوريدا، يوم الأحد الماضي أن "مشروع القانون كارثة ولا يمكن السماح بمروره". واعتبر منظّم الملتقى، مات شلاب أنه "إذا كان بإمكان الحضور خلال العام الحالي فعل شيء ما، فهو وقف الاستيلاء غير الدستوري على السلطة. وما رأيناه في الانتخابات الرئاسية سيتكرر في كل انتخابات". في غضون ذلك، يقوم الجمهوريون بمعركة من نوع آخر، انطلاقاً من ولاية جورجيا، التي خذلت ترامب. فقد وافقت لجنة الأخلاقيات في مجلس شيوخ الولاية على مشروع قانون مدعوم من الجمهوريين، من شأنه أن يحدد من يمكنه التصويت غيابياً في جورجيا لمن يبلغون سن الـ65 وما فوق، بالإضافة إلى الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والناخبين الذين سيكونون بعيدين عن دائرتهم في يوم الانتخابات. ومن شأن هذا القانون أن يلغي التصويت الغيابي من دون عذر. واعتبر الجمهوريون إن هذا الإجراء ضروري لـ"استعادة ثقة الجمهور في الانتخابات"، في تكرار للازمة "التزوير الانتخابي" الذي يدّعيه ترامب وفريقه. أما ديمقراطيو جورجيا، فرأوا أن القانون الجديد سيعزز "أكاذيب ترامب وسيؤثر بشكل غير متناسب على الناخبين من أصول أفريقية". وأشارت النائبة الديمقراطية رينيتا شانون إلى أنه "من الواضح بشكل مثير للشفقة أنه عندما خسر ترامب انتخابات نوفمبر وقلبت جورجيا السيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي للديمقراطيين، تلقى الجمهوريون رسالة مفادها أنهم كانوا في دائرة الموت السياسي". واعتبرت أنهم "الآن يفعلون كل ما في وسعهم لإسكات أصوات الناخبين السود على وجه التحديد، لأنهم دعموا المكاسب الديمقراطية". وتجمّع عشرات المتظاهرين خارج مبنى "كابيتول" ولاية جورجيا مساء الاثنين، للاعتراض على مشروع القانون وهتفوا "لا لقمع الناخبين" و"احموا التصويت".