تتجه العلاقة بين النظام السوري والإدارة الذاتية ذات الطابع الكردي، في شمال شرقي سورية، إلى تأزيم جديد، بعد رفض النظام استقبال وفد "رفيع" من هذه الإدارة التي يدفعها التهديد التركي من وقت إلى آخر إلى التقرب من دمشق التي تستثمر في المخاوف الكردية للحصول على تنازلات كبيرة.
وفدٌ من الإدارة الذاتية في دمشق
ونقل موقع "باسنيوز" عن "مصدر كردي مطلع" لم يسمّه، قوله إن النظام السوري رفض أول من أمس السبت استقبال وفد رفيع من "الإدارة الذاتية" التي يشرف عليها حزب الاتحاد الديمقراطي والذي يزور دمشق حالياً. وأشار المصدر إلى أن الوفد يرأسه بدران جيا كورد، رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، وقد وصل إلى دمشق لاستئناف اللقاءات مع مسؤولي النظام السوري.
وكشف المصدر لموقع "باسنيوز" أن استقبال الوفد اقتصر "على مدير مكتب أحد قيادات النظام في دمشق"، مشيراً إلى أن "جيا كورد طرح خلال لقائه مدير المكتب الاعتراف بالإدارة الذاتية لكن هذا الشخص أبلغه برفض النظام ذلك". وبيّن المصدر أن "روسيا طالبت الوفد بأن تنضم الإدارة الذاتية للنظام وتسلّمه ملفي النفط والغاز، مقابل بعض الامتيازات كالإدارة المحلية وامتيازات مادية أخرى"، وفق المصدر، موضحاً أن "اللقاءات بين الجانبين لم تثمر عن أي نتيجة حتى اللحظة".
الإدارة الذاتية تريد استغلال الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في مناطق النظام للحصول على تنازلات
وفي السياق، ذكرت مصادر مقربة من الإدارة الذاتية لـ"العربي الجديد"، أن "مدير مكتب اللواء علي مملوك (أرفع مسؤول في أجهزة النظام الأمنية) هو من استقبل الوفد الكردي"، مشيرة إلى أن هذا الوفد لا يزال في العاصمة السورية دمشق، وهو موجود فيها منذ الثلاثاء الماضي.
وهذه ليست المرة الأولى التي تجرى فيها محاولة للتباحث بين "الإدارة الذاتية" في شمال شرقي سورية والنظام السوري، إذ سبق للجانب الروسي أن جمع الطرفين أكثر من مرة على طاولة تباحث، إلا أن النتائج كانت صفرية بسبب الهوّة الواسعة بينهما.
وتريد الإدارة التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) اعترافاً رسمياً من النظام بها، مع دخول هذه القوات في المنظومة العسكرية والأمنية للنظام الذي يرفض ذلك جملة وتفصيلاً. ويصر النظام من جهته على استرجاع الشمال الشرقي من سورية من دون شروط، ما خلا بعض الحقوق الثقافية للأكراد السوريين وامتيازات لقادة هذه القوات التي ترفض حتى اللحظة تقديم تنازلات "مؤلمة" تُخرجها من دائرة التأثير في المشهد السوري.
الأكراد يتوجسون من متغيرات سياسية
ويبدو أن الإدارة الذاتية الكردية تريد استغلال الأوضاع الاقتصادية المتدهورة في مناطق النظام وعجز الأخير عن توفير أدنى الخدمات للسوريين الخاضعين لسيطرته من أجل الحصول على تنازلات، خصوصاً أن هذا النظام بأمسّ الحاجة لثروات الشمال الشرقي من سورية النفطية والزراعية من أجل تجاوز أزماته الاقتصادية. في المقابل، يعتقد النظام أن التهديد التركي المتواصل لـ"قسد"، ربما يجبرها على تسليم المناطق التي تسيطر عليها غرب الفرات وشرقه لتفادي غضب الجيش التركي الذي يهدّد بشن عملية ضد "قسد" في شمال سورية.
رديف مصطفى: من الصعوبة الحديث الآن عن التفاهم بين الإدارة الذاتية والنظام في ظل الوجود الأميركي
ولطالما تعامل النظام السوري مع "قسد" وأذرعها الإدارية والسياسية على أنها أداة في يد الجانب الأميركي الداعم لهذه القوات، وهو ما حال دون التوصل إلى تفاهمات حول مصير الشمال الشرقي من سورية.
ووصل الأمر برئيس النظام بشار الأسد إلى حد اعتبار الوجود الكردي في سورية طارئاً وليس أصيلاً، في تصريحات له عام 2020 وهو ما أثار استياء الأكراد السوريين. وكان الأسد قد اعتبر في عام 2017 كل من يعمل مع القوات الأميركية في سورية "خائناً"، وهو ما يشير إلى أن تفاهماً بين النظام والإدارة الذاتية ذات الطابع الكردي بعيد المنال في ظل الظروف الحالية.
وتشير المعطيات إلى أن كل طرف غير قادر على إعطاء الآخر ما يريد، فاعتراف النظام بالإدارة الذاتية يعتبر خطوة في طريق تقسيم البلاد وهو ما يهدد النظام ذاته. في المقابل، لا يمكن للإدارة الذاتية منح النظام كل ما يريد لأن ذلك يعني سقوطها والعودة بالمشهد السوري الكردي إلى ما قبل عام 2011، ومن ثم نسف كل ما حققته هذه الإدارة التي تتطلع للعب دور في مستقبل سورية.
وأبدى الناشط السياسي المقرب من الإدارة الذاتية إبراهيم مسلم، في حديث مع "العربي الجديد"، اعتراضه على الحوار أو التفاوض مع النظام في هذا التوقيت. وأضاف مسلم أن هناك استياء دولياً من التقارب بين النظامين التركي والسوري. وتابع أن "النظام الذي يصفهم (الأكراد) دائماً بالعملاء، من الخطأ التقارب معه".
وكان النظام قد سهّل في عام 2012 لـ"وحدات حماية الشعب" الكردية والتي يُنظر إليها على أنها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني، السيطرة على المناطق ذات الغالبية الكردية من السكّان في شمال سورية في سياق محاولات لتطويق الحراك الثوري في هذه المناطق.
ولكن العلاقة بين الطرفين تراجعت بعد تأسيس "قسد" بدعم غربي في عام 2015 لمواجهة تنظيم "داعش"، حيث خاضت هذه القوات حرباً مع التنظيم انتهت عام 2019 بالسيطرة على منطقة شرق الفرات التي تعادل ثلث مساحة سورية، أي نحو 60 ألف كيلومتر مربع، وتضمّ أغلب ثروات البلاد المائية والزراعية والنفطية.
ويبدو أن الإدارة الذاتية تخشى اليوم من تفاهم تركي مع النظام على حسابها، خصوصاً أن التغيّرات في السياسة ربما تدفع الولايات الأميركية إلى التخلي عن هذه الإدارة المرفوضة من المعارضة السورية بسبب علاقتها مع حزب العمال الكردستاني.
ورأى نائب رئيس "رابطة الكرد المستقلين في سورية"، رديف مصطفى، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "العلاقة بين النظام وبين الإدارة الذاتية لم تنقطع يوماً"، مضيفاً: "تحوّلت من علاقة تبعية إلى علاقة تخادمية نوعاً ما، خصوصاً بعد التدخل الغربي والأميركي في سورية.
واعتبر مصطفى أنه "من الصعوبة بمكان الحديث الآن عن التفاهم بين الطرفين في ظلّ الوجود الأميركي". ورأى أنه "ربما بات النظام وشركاؤه الروس والإيرانيون يفكرون بشكل مختلف، خصوصاً أن الدور الوظيفي الذي أوكل إلى الإدارة الذاتية قد شارف على الانتهاء بالنسبة إليهم". وتابع: "النظام يفكر بالتخلص من الإدارة الذاتية في شمال شرقي سورية، لكني أعتقد بأن صاحب القرار الفعلي هناك يبقى الأميركيون الذين يرفضون عودة الإدارة إلى حضن النظام".