رصد قادة عسكريون ومعلقون وباحثون في تل أبيب العوامل التي تضفي صدقية على التحذيرات التي أطلقها مؤخراً رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال، غادي أيزنكوت، بشأن إمكانية انفجار الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية.
وأجمع معلقون على أن أهم الأسباب التي قد تفضي إلى وضع نهاية لحالة الهدوء النسبي الذي تشهده الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية تتمثل بتعرض المقدسات الإسلامية للمس، وإمكانية غياب رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن المشهد العام، إلى جانب تأثيرات العقوبات التي فرضتها إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على السلطة الفلسطينية.
وأوضح الجنرال إيلي بن مئير، القائد السابق لـ"لواء الأبحاث" في شعبة الاستخبارات العسكرية، أن تواصل تراجع مكانة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية يمثل وصفة لدفع الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى الانخراط في موجات "عنف" ضد إسرائيل.
وفي مقال نشرته أمس صحيفة "معاريف"، أشار بن مئير إلى أن عمليات الطعن بالسكاكين التي شهدتها الضفة الغربية تمثل أحد مظاهر الإحباط الذي يعيشه الفلسطينيون هناك، مشدداً على أن لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة معطيات ومؤشرات تدل على أن هذا الإحباط يتسع ويتمدّد.
وذكر إلى أن غياب أبو مازن عن الساحة سيمثل أهم عوامل التصعيد ضد إسرائيل، مشيراً إلى أن أسوأ السيناريوهات يتمثل في أن يمهّد غياب عباس الساحة لصعود "المتطرفين وحركة "حماس" لتولي زمام الأمور" في الضفة الغربية.
وحذر المتحدث ذاته من أن تراجع مكانة السلطة الفلسطينية جعل عباس يبدي حساسية كبيرة لأي حديث عن مسار تهدئة بين إسرائيل و"حماس"، على اعتبار أن الإنجازات التي ستحققها الحركة في هذا المسار ستكون دليلاً على أن الفلسطينيين يحققون عبر المقاومة أكبر مما حققته لهم المفاوضات.
وأوضح أن هناك ما يبرر مخاوف عباس من تداعيات التهدئة على مكانة السلطة في الضفة، مشيرا إلى أن نداف أرغمان، رئيس جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، حذّر مؤخرا من أن التوصل إلى مسار تهدئة بين إسرائيل و"حماس" سيدلل للفلسطينيين بأن الرهان على "العنف" أفضل من المفاوضات.
وأضاف أن اعتماد إدارة ترامب استخدام العصا في التعاطي مع السلطة، سواء عبر الضغوط الاقتصادية من خلال قطع المساعدات لـ"أونروا"، أو من خلال الأدوات الدبلوماسية، مثل إغلاق مقر منظمة التحرير في واشنطن، يقلّص هامش المناورة أمام عباس.
وكان عيران نيف، قائد وحدة "شاحام" المسؤولة عن تنفيذ الاعتقالات ضد نشطاء المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، قد أكّد أن جيش الاحتلال يعمل على مدار الساعة لإحباط العمليات، إلى جانب "انشغاله الدؤوب" بمعالجة الأحداث المتلاحقة حتى لا تفضي إلى تفجر موجة جديدة من العمليات.
ونقل موقع "وللا"، يوم الجمعة الماضي، عن نيف قوله إن حركة "حماس" تعد مصدر التهديد الرئيس في الضفة الغربية، مشيراً إلى أن كلّاً من جيش ومخابرات الاحتلال يلاحق الحركة ونشطاءها على مدى "24 ساعة في اليوم، على مدار سبعة أيام في الأسبوع، دقيقة بدقيقة، نحن ننطلق من افتراض مفاده بأن "حماس" معنية بتنفيذ عمليات، حتى لو لم تقل ذلك، فالحركة تواصل محاولاتها لتنفيذ العمليات على الرغم من أننا عملنا على تدمير كل بناها التحتية في الضفة".
واعتبر أن غياب أبو مازن سيمثل "السيناريو الأكثر قسوة"، تحديدا مباشرة بعد وفاته، معربا عن أمله في أن تتمكن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية من احتواء تداعيات هذا التطور.
وأوضح أن الأمور التي ستسهم في إشعال الأوضاع الأمنية بشكل كبير تتمثل أيضا في المس بالمقدسات والرموز الإسلامية، مثل المس بالمسجد الأقصى، أو أن تتم محاولة تمرير حل يتجاوز اللاجئين والقدس.
واستدرك بالقول إن الواقع الأمني حاليا في الضفة الغربية "مثير للقلق"، مشيراً إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أحبط 800 عملية خلال عام 2017، "ويتم تنفيذ 4-8 عمليات أو محاولات لتنفيذ عمليات في الشهر، وفي كل ليلة نعمل على إحباط عمليات لا تخرج إلى حيز التنفيذ بسبب توفر المعلومات الاستخبارية".
وسبق للبرفسور مناحيم كلاين، المحاضر في جامعة "بار إيلان"، أن حذّر من أن طابع النظام السياسي الذي يديره عباس في الضفة يعدّ أهم عوامل الإحباط التي تشجع الفلسطينيين في الضفة الغربية على "العنف".
وفي مقال نشره موقع "محادثة محلية" قبل أيام، كتب كلاين: "لقد دشّن محمود عباس نظاما استبداديا، ونجح في تحطيم المجتمع الفلسطيني ودمر مؤسساته السياسية التي تشكلت أثناء حكم عرفات، هو يعتمد فقط على الأجهزة الأمنية التي تتعاون مع إسرائيل".
وحذّر من أن "هذا الواقع جعل الجيل الفلسطيني الصاعد يكفر بالتسوية وإمكانية التطبيع مع إسرائيل"، مشددا على أن "ما يعزز دافعية الفلسطينيين لسلوك العنف حقيقة أن الجيل الإسرائيلي الصاعد لا يؤمن إلا بمزيد من التسلط على الفلسطينيين وممارسة الأذى ضدهم"، وفق قوله.