الأمم المتحدة... كرنفالات القلق

18 فبراير 2022
عجِز مجلس الأمن عن تجاوز الفيتو الروسي (يوهانس إيزيل/فرانس برس)
+ الخط -

في سنوات أمينها العام السابق بان كي مون، استشرف البعض تحوّل الأمم المتحدة إلى منظمة "القلق". في سياقات الأزمة السورية، واضحة الجرائم والأسباب، لم يتغير شيء. مجلس الأمن الدولي، الذي بات على حافة شيخوخة النظام الدولي، أظهر منذ عقد عجزاً عن تجاوز الفيتو الروسي المتوارث. والتلويح بغزو أوكرانيا اليوم يعيد التذكير بتغييب الأمم المتحدة وتحويل دورها إلى فولكلوري كرنفالي، من دون وجود سقف للتعامل مع الأزمات العالمية.

التمعّن بحديث الأوروبيين عن "بلطجة عسكرية" يقود إلى حقيقة سيطرة قوانين الغاب، لتحقيق المصالح بالتهديد وركن القانون الدولي جانباً في قضايا ومصير شعوب وأقاليم بأكملها، بما فيها المنطقة العربية. فمنذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في 2014 والتدخل في سورية في 2015، لم يعد الناطقون باسم الأمم المتحدة قادرين على نحت مفردات تتجاوز المناشدة.

منذ حربها مع جورجيا في 2008، راحت روسيا تسوّق أكثر نظريات "حماية الناطقين بالروسية" و"المؤامرة والاستفزاز" و"سيادة الدول". وغير بعيد عن الأخيرة، برزت على الأرض السورية تحالفاتها مع مليشيات عابرة للحدود، وردفها بمرتزقة "فاغنر" أحد أوضح نماذج الانتهازية الروسية، بالتفاهم مع الاحتلال الإسرائيلي وبقية الاحتلالات، وإن استدعت أخيراً نظرية "مؤامرة أميركية" في سورية، ربطاً بأزمة أوكرانيا.

ببساطة، تساهم سياسات موسكو في إضعاف الأمم المتحدة، وبتأثيرات سلبية على قضايا عالمية مهمة أخرى يجرى تأجيلها. وذلك يدفع إلى مزيد من الاستخفاف بوزن المنظمة، إذ نجد اليوم، على سبيل المثال، سياسات أوروبا أكثر استقلالية عنها في مواجهة تهديدات روسيا، وإن تحت غطاء حلف شمال الأطلسي.

للأسف، وفي سياق إضعاف المنظمة الدولية، تتزايد مراهنة بعض أبناء المنطقة العربية على خلق موسكو تعدديةً قطبيةً أو "نظاماً عالمياً جديداً"، وفي ذلك تكرار لمراهنة سابقة لآخرين على ما طرحه المحافظون الجدد في واشنطن في زمن الرئيس الأسبق جورج بوش الابن.

ينسى هؤلاء أن روسيا اليوم ليست الاتحاد السوفييتي، وهي نفسها تحدثت عن نظرية "فخ غربي" لها، وتعيش قلقاً كبيراً من فرض عقوبات كارثية عليها.

ويكفي التمعن بنموذج التدخل الروسي في سورية، لنكتشف أن الهدف خلف سيارات "الشرطة العسكرية" اللامعة، من الشمال إلى "التوسط" في السويداء أخيراً، هو استباحة آخر حد من السيادة الوطنية، ومقايضة ما تبقى من نظام دمشق المتهالك بقواعد عسكرية، ومرة أخرى تحت سقف التفاهمات مع الآخرين، إذ إنه في نهاية المطاف السوريون هم من يدفعون أثمان أحلام استعادة أمجاد روسيا القيصرية.

المساهمون