دخل اعتصام أنصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، داخل المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد، أسبوعه الثاني، وسط أجواء باتت أكثر تنظيماً من حالة الفوضى التي مرّت بها جموع التيار خلال اقتحامهم الأول مبنى البرلمان يوم السبت 30 يوليو/تموز الماضي، لا سيما بعد أن أقدم الصدر على تشكيل لجنة لتنظيم الاحتجاجات.
ويبدو أن هذا الاعتصام سيستمر أكثر مما توقع تحالف "الإطار التنسيقي"، الخصم السياسي للصدر والمدعوم من إيران، والذي تسعى أطراف فيه إلى الحوار مع الصدر، للنظر في مطالبه الخاصة بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.
وجدّد الصدر تمسكه بحل البرلمان العراقي، مؤكداً أن ذلك بات مطلباً شعبياً وسياسياً، داعيا إلى "وقفة جادة لإنقاذ البلاد من الفساد والتبعية بالأفعال لا الأقوال، بعيداً عن "الحوارات الهزيلة".
وقال الصدر في تغريدة له، مساء أمس السبت، إن "الردود إيجابية بما يخص حل البرلمان، وهناك تجاوب شعبي وعشائري ومن الأكاديميين ومؤسسات المجتمع المدني وخطباء المنبر الحسيني، بل ومن بعض علماء الحوزة ومن بعض القيادات السياسية الكردية والسنية والشيعية أيضاً". ودعا إلى "وقفة جادة لإنقاذ العراق من أنياب الفساد والتبعية، وتصحيح مسار العملية السياسية التي أضرت بالبلاد والعباد"، متابعاً "فتعالوا إلى كلمة سواء وإلى أفعال جادة وحقيقية ولنبتعد عن الحوارات الهزيلة، فالعراق بحاجة إلى الأفعال لا الأقوال، والشعب يصبو إلى الإصلاح الحقيقي الذي ينقذه مما هو فيه من معاناة لم يعد الصبر عليها محموداً".
وأضاف "ليعلم الجميع أن الثوار مستمرون بثورتهم حتى تحقيق المطالب، ولن يتنازلوا على الإطلاق، فهي فرصتهم الوحيدة والأخيرة"، مؤكداً أنه "بات حل البرلمان مطلباً شعبياً وسياسياً ونخبوياً ولا بديل عنه، ولتسكت كل أفواه الفاسدين أينما كانوا".
وكان ممثل الصدر، مهند الموسوي، قد قال في خطبة صلاة الجمعة التي أقيمت في ساحة الاحتفالات وسط المنطقة الخضراء، إن المجتمع الساكت على الظلم والفساد يصنع الطغاة، مطالباً باقي الطوائف والمكونات العراقية بدعم حراك الصدريين الحالي من أجل التغيير.
حسين: الصدر لديه مفاجآت فيما يتعلق بطريقة الاحتجاجات
وأضاف أن "العراق أصبح أسيراً للفساد، وأن حكومات التوافق تسببت بخسائر كثيرة للأموال ونقص الخدمات، وأن العراق صار يتصدّر قائمة الفساد في العالم بسبب سياسات الحكومات المتعاقبة، ومنهج المحاصصة المقيت، والتقاسم والتردي في مجالات الخدمات والصحة والتعليم والأمن وغيرها. ووصلت أعداد كبيرة من أبناء الشعب العراقي إلى دون خط الفقر في مقابل الإثراء الفاحش على حساب قوت الشعب وانتشار السلاح والمجاميع المسلحة غير المنضبطة، وتفشي الجريمة والمخدرات هو نتاج الأحزاب المتسلطة"، مؤكداً على مطلب "حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة".
ويأمل "الإطار التنسيقي"، الذي تتراجع حظوظه في تشكيل الحكومة الجديدة، جرّاء خطوات الصدر السريعة، المتمثلة في اللجوء إلى نشر أنصاره بالمنطقة الخضراء والسيطرة على مبنى البرلمان وتعليق عمله، بأن يتحقق الحوار السياسي.
لا تفاعل للصدر مع مبادرات "الإطار"
ولكن على الرغم من استبدال زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي، برئيس تحالف "الفتح" هادي العامري في قيادة "الإطار" لإقناع الصدر بالجلوس للحوار، واعتراف قادة "الإطار" بأن العامري هو "شيخ الإطار التنسيقي"، وفق زعيم جماعة "عصائب أهل الحق"، قيس الخزعلي، إلا أن الصدر لم يتفاعل إيجاباً مع كل مبادرات "الإطار".
ويتمسك الصدر بمطالبه التي قد تبدو أنها حلول للأزمة السياسية في البلاد، لكنها تعكس مدى الاحتقان السياسي وتبدُّل معادلات المشهد، الذي سارت عليه البلاد بعد الغزو الأميركي عام 2003.
وفي السياق، قال العضو البارز في التيار الصدري عصام حسين، لـ"العربي الجديد"، إن "احتجاجات واعتصامات التيار قد تستمر إلى وقت أطول، لأن الإطار التنسيقي حتى الآن لم يقدم على أي تنازلات، بل إنه متمسك بما يُعبّر عنه قادة الإطار بأنه حصة المكوّن الشيعي، فيما يتحدث الإطار عن الدستور وتمسّكه به، وكأن الدستور يدعم المحاصصة الحزبية والطائفية".
واعتبر أن "هناك انحرافاً للديمقراطية بسبب تفسيرات المحكمة الاتحادية، حتى تحوّلت الديمقراطية إلى خيال، جراء التلاعب بالقرارات، وتحويل مصدر القرار من أكبر كتلة برلمانية، وهي الكتلة الصدرية، إلى مجموعة قوى خاسرة بالانتخابات لتقرر مصير الشعب عبر التوافقات والمحاصصة المقيتة".
فرصة الحوار ليست بعيدة
وبشأن الخطوات المقبلة للتيار الصدري، أشار حسين إلى أن "الصدر لديه مفاجآت فيما يتعلق بطريقة الاحتجاجات، مع التأكيد على أن الحراك الصدري الحالي ليس للحصول على مكاسب سياسية، أو لتشكيل حكومة ما، بل لإنقاذ العملية السياسية والديمقراطية".
وأكد أن "فرصة الحوار ليست بعيدة، والصدر لم يغلق أبوابه بوجه أحد، لكن إن حدث الحوار فإنه سيكون وطنياً جامعاً، تُشارك فيه كل أطياف الشعب العراقي من أجل إعادة صياغة وترتيب العملية السياسية عبر الاحتكام إلى صندوق الاقتراع، وألا تتدخّل إيران أو أميركا في هذا الحوار".
من جهته، بيَّن عضو "الإطار التنسيقي"، عائد الهلالي أن "تصعيد أنصار التيار الصدري لا يخدم العملية السياسية، وأن الحوارات لا بد أن تجري سواء في الوقت الحالي أو بعد حين".
وأكد الهلالي، في حديث مقتضب مع "العربي الجديد"، أن "الإطار التنسيقي يأمل بأن يعدل الصدر عن خياراته الاحتجاجية وإعادة الحياة السياسية إلى طبيعتها في المنطقة الخضراء". وأضاف: "مثلما التيار الصدري لديه شروط في المرحلة المقبلة، لدى الإطار التنسيقي أيضاً شروط". وشدد على "أن حل هذه الأزمة لا يتم عبر الشارع والميادين العامة والمؤسسات الحكومية، بل من خلال حوار سياسي هادئ".
إمكانية كبيرة لتنفيذ مطالب الصدر
وحول هذه التطورات، أكد المحلل السياسي العراقي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، أن "هناك إمكانية كبيرة لتنفيذ مطالب الصدر، من ضمنها حل البرلمان، وفق المسار الدستوري، من خلال تقديم ثلث أعضاء البرلمان طلباً بذلك، أو عبر المسار السياسي الذي يتمثل بالحوارات".
الهلالي: "الإطار التنسيقي" يأمل بعدول الصدر عن احتجاجاته
وأضاف أنه "في كل الأحوال لا يريد الإطار التنسيقي أن تستمر أزمة الصدريين بتحويل البرلمان إلى مؤسسة معطَّلة بين كل فترة وأخرى، وهو سيمضي باتجاه حل البرلمان كجزء من القناعة الداخلية لدى بعض أطراف الإطار، ونزولاً عند الرؤية الإيرانية التي طرحها رئيس فيلق القدس إسماعيل قاآني بضرورة الذهاب نحو انتخابات جديدة".
ولفت الشمري إلى أن "هناك صراع قوة بين التيار الصدري والإطار التنسيقي، والأخير لا يريد أن يظهر ضعيفاً أمام جماهيره ومنقاداً لضغط التيار".
واعتبر أن "الصدر قد لا يتخلى عن مطلب حل البرلمان في حال اتّفق على التوجه نحو المرحلة الانتقالية الجديدة، التي سيفرض فيها الصدر شروطه. وهذه الشروط هي التي ستؤدي إلى أزمة وليس تعطل الحياة السياسية حالياً. بالتالي فإن الإطار التنسيقي المقسّم إلى اليمين الذي يمثله نوري المالكي وقيس الخزعلي، واليسار الذي يضم حيدر العبادي وهادي العامري، والوسط متمثلاً بفالح الفياض، قد يجد نفسه منكسراً على المستوى السياسي، ما سيفاقم المشكلة".
أما عضو "الحركة المدنية الوطنية" محمد الساعدي، فلفت إلى أن "الصدر مُصرّ على عدم الحوار مع قوى الإطار التنسيقي، لكنه قد يتفق عبر أطراف تنوب عنه في اجتماعات غير معلنة على قانون الانتخابات الجديد، لأن الصدر يعرف جيداً أن الحوار سيجعله شريكاً مع الأحزاب الأخرى في أي فشل مستقبلي".
وأكد لـ "العربي الجديد"، أن "الصدر قد يتجه خلال الأيام المقبلة إلى توسيع رقعة الاحتجاجات، ومطالبة أعضاء البرلمان بتقديم استقالاتهم، وهو قادر على البقاء بخيار الاعتصام لأطول فترة ممكنة".