الأسئلة عن غزة... الأجوبة في الجزائر

01 نوفمبر 2023
جزائريون يتظاهرون في العاصمة دعماً لغزة، أكتوبر الماضي (الأناضول)
+ الخط -

ليست من قبيل المزايدة، لكنها الحقيقة التي يسندها تاريخ مزدحم بالألم والشرف في الوقت نفسه.

أكثر شعوب الأرض التي تعرف الأجوبة لكل الأسئلة التي طُرحت أو تُطرَح عن المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال، وعن تشكل الفعل المقاوم وسلوكه، ومنطقه في التعامل مع المكسب والخسائر، وفلسفة الفعل الثوري ومصدر القوة أمام ترسانة الطغيان، هو الشعب الجزائري، على الأقل لسببين: تتوحد الحالة الفلسطينية مع الحالة الجزائرية استعماراً وتتطابق.

أولاً من حيث نموذج الاحتلال الاستيطاني الذي يبني مشروعه على استبدال الشعب. فكما عملت فرنسا على استبدال الشعب الجزائري بشعب أوروبي من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا ومالطا وغيرها، عمل المشروع الصهيوني على إحلال شعوب من آفاق مختلفة محل الشعب الفلسطيني.

وثانياً، من حيث توظيف البعد الديني والثقافي للمشروع الاستيطاني الذي يقوم على مسخ الهوية، ومحو كل أثر وحجر يدل على هوية الشعب في الجزائر وفي فلسطين.

تزدحم كثير من الأسئلة عن غزة والمواجهة القائمة بين المقاومة والاحتلال، تطرح في الغالب ممن التبست عليهم المسائل والقضايا، لماذا تبادر المقاومة إلى الهجوم وهي تعلم قسوة الرد الصهيوني، ولماذا تصرّ المقاومة على القتال بما أن موازين القوة مختلة بشكل كبير بينها وبين جيش الاحتلال، ولماذا تورط الشعب الفلسطيني في محنة لا قبل له بها يدفع فيها عشرات الشهداء يومياً، وكيف يمكن اعتبار ما تنجزه المقاومة انتصاراً بما أن عدد الشهداء ومستوى تدمير البنية التحتية يقاس بالآلاف، في مقابل عشرات القتلى من جانب العدو وتضرر بضع بنايات، ولماذا يُستهدَف المستوطنون بصفتهم مدنيين؟

الأجوبة مكتوبة هناك في الجزائر، في التجربة الثورية الجزائرية بكل تفاصيلها، ما يغني كل سائل ومحتار، من لحظة بدايتها بمجموعة 22 شخصاً، التي أطلقت الثورة، وقد كانوا قلة، من منطلق أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، إلى الأسلحة البسيطة التي واجهت بها الثورة ثالث جيوش العالم فرنسا، إلى الكلفة الغالية التي دفعها الشعب الجزائري في سبيل الحرية، بمعدل أكثر من 500 شهيد يومياً خلال سنوات الثورة السبع، التي بلغت مليوناً ونصف مليون، بينما لم يتجاوز عدد قتلى الفرنسيين 25 ألفاً. لكن الاستقلال، تحقق وتلك كلفة الحرية.

الأجوبة في الجزائر حين راود الشك أخوة وأعداءً في إمكانية أن يندحر الاحتلال بعد 132 عاماً من الاستيطان. لكنه اندحر، وقد كانت المقاومة تدرك قسوة رد الاستعمار على أي عمل فدائي، لكنها لم تتردد حيثما كانت الفرصة ممكنة، مهما كان ردّ العدو، وتبنت فكرة أن كل من يقف على الأرض المحتلة باسم المحتل، مدنياً كان أو غير ذلك، هو محتل.

ولذلك، فُجِّرَت مكاتب شركات الطيران والحانات ومقاهي المستعمرين الفرنسيين، وهم الظهير الأساس للاحتلال ومظهر من مظاهره، ونسف كل ما أمكن أن تصل إليه رفيقات المناضلة جميلة بوحيرد، حتى تحقق الاستقلال. والأجوبة عن غزة مكتوبة في الجزائر، حيث العقيدة مصدر إيمان الثوار وهمّتهم، ودافع لاستعادة هوية الشعب الجزائري ودينه. ولذلك، غنى عبد الرحمن عزيز بعد كنس الاحتلال: "يا محمد (النبي) مبروك عليك، الجزائر رجعت ليك".