الأزمة المغربية الجزائرية تدخل عامها الثاني: لا بوادر انفراج في الأفق

25 اغسطس 2022
خشية من تطبيع وضع القطيعة بين البلدين لسنوات (Getty)
+ الخط -

تدخل الأزمة بين المغرب والجزائر، الأربعاء، عامها الثاني من دون أن تلوح في الأفق بوادر الانفراج والحل القريب لأشد أزمة دبلوماسية في تاريخ العلاقات بين البلدين الجارين، رغم المبادرات الدبلوماسية ودعوات الوساطة من دول خليجية.

وبينما يبدو أن طرفي الأزمة قد تأقلما على مجرياتها، يتعزّز التساؤل بشأن المسار الذي سيتخذه المنحدر غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين البلدين الشقيقين، في وقت يغلب فيه منطق العداوة والتشنج وخطاب الصراع الوجودي والتنافس التاريخي، وتغيب فيه قنوات الحوار والدبلوماسية.

منذ 24 أغسطس/ آب من العام الماضي، تمر العلاقات بين البلدين بواحدة من أسوأ مراحلها، بعد أن قررت الجزائر، من جانب واحد، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط، جراء ما وصفتها بـ"الأعمال العدائية" للمملكة المغربية وبـ"الاستفزاز الذي بلغ ذروته"، في حين اتهم مجلس الأمن القومي في الجزائر، برئاسة عبد المجيد تبون، المغرب بدعم حركة انفصالية تدعو لاستقلال منطقة القبائل. كما حمل وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة "قادة المملكة مسؤولية تعاقب الأزمات التي تزايدت خطورتها"، معتبراً أن "هذا التصرف المغربي يجر إلى الخلاف والمواجهة بدل التكامل في المنطقة" المغاربية.

في المقابل، جاء الرد المغربي على القرار الجزائري عبر بيان لوزارة الخارجية، أوردت فيه أن "المملكة المغربية أُحيطت علماً بالقرار الأحادي الذي اتخذته السلطات الجزائرية بقطع العلاقات الدبلوماسية"، مبدية أسفها على "هذا القرار غير المبرر تماماً". وأعلنت أن المغرب "يرفض رفضاً قاطعاً المبررات الزائفة، بل العبثية التي بني عليها القرار". وفيما اعتبرت الخارجية المغربية أن قرار الجزائر "متوقع في ضوء منطق التصعيد الذي لوحظ في الأسابيع الأخيرة - وكذلك تأثيره على الشعب الجزائري"، تركت الرباط الباب موارباً أمام إمكانية تجنب القطيعة من خلال تشديدها على أن المملكة "ستظل من جهتها شريكاً صادقاً ومخلصاً للشعب الجزائري، وستواصل العمل بحكمة ومسؤولية من أجل تنمية علاقات مغاربية صحية ومثمرة".

وفي تصعيد آخر للتوتر بين البلدين، أعلنت الجزائر في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، إغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، متّهمة المملكة بمواصلة "الاستفزازات والممارسات العدائية" تجاهها.

وفي أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بدا لافتاً أن العلاقات بين البلدين الجارين تمر بأكثر لحظاتها تعقيداً، بعدما أوقفت الجزائر في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني واردات إسبانيا من الغاز الطبيعي الجزائري عبر الخط المار بالمغرب، في خطوة راهنت عليها الجزائر لعقاب المغرب وجعل تكلفة قطع العلاقات مضاعفة، لا سيما على الصعيد الاقتصادي.

وبينما برر الرئيس الجزائري عدم تجديد الاتفاقية، بـ"الممارسات ذات الطابع العدواني للمملكة المغربية" تجاه بلاده، لم يصدر أي رد فعل رسمي من الحكومة المغربية على القرار، واقتصر الأمر على تأكيد "المكتب الوطني المغربي للهيدروكاربورات والمعادن"، و"المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب"، في بيان مشترك، أن ذلك لن يكون له في الوقت الحالي سوى "تأثير ضئيل" على أداء النظام الكهربائي الوطني.

وبالتوازي مع هذه الخطوات، اتخذ التصعيد الجزائري منحى آخر بعد اتهامها للرباط، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في رسالتين للأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، بـ "إرهاب الدولة" وتوعدها بالانتقام، على خلفية مقتل سائقي شاحنات جزائرية في الصحراء، وهي الاتهامات التي قابلتها الرباط بالتجاهل والتزام الصمت.

وعلى مقربة من الذكرى الأولى لقرار القطيعة الدبلوماسية، دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب العرش (31 يوليو/ تموز الماضي)، الرئاسة الجزائرية إلى تجاوز الخلافات والعودة بالعلاقات إلى نمط التعاون المشترك وحسن الأخوة والجوار، مؤكداً رفضه لأي إساءة إلى الجزائر وشعبها، وحرصه على تعزيز التقارب والتفاهم بين الشعبين. غير أن تلك الدعوة لفتح صفحة جديدة في علاقات البلدين لم تجد صدى لدى السلطات الجزائرية الرسمية، في حين رأى فيها مراقبون جزائريون أنها "تكرار لمحاولة سابقة لكسب نقاط لصالح الرباط في أزمتها مع الجزائر والظهور كمبادر إيجابي"، وأن "المغرب لم يتخذ خطوات عملية في ظرف تباعدت فيه المسافة السياسية بين البلدين".

اليوم، وبعد مرور عام على القرار الجزائري بقطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط، لا يبدو أن هناك حلاً يظهر في الأفق، بل الظاهر أن الأزمة تسير نحو المزيد من التعقيد في ظل رفض جزائري لأي مبادرة عربية لرأب الصدع في العلاقات من خلال إعلان الرئيس الجزائري أن بلاده "لا تقبل أي وساطة مع المغرب"، وبأنه "لا يمكن المساواة بين الجلاد والضحية، ونحن قمنا برد فعل على عدوان متواصل منذ استقلالنا عام 1962، ولسنا السبب في ذاك".

وكانت وسائل إعلام دولية قد كشفت، خلال الأشهر الماضية، النقاب عن وساطة سعودية بين الرباط والجزائر من أجل إنهاء الخلاف بينهما، قبل القمة العربية المرتقب أن تستضيفها الجزائر نهاية العام الجاري. غير أن الحكومة الجزائرية نفت، في مايو/ أيار الماضي، وجود أي وساطة سعودية أو غير سعودية، مؤكدة أن فكرة الوساطة "غير واردة" بالنسبة للجزائر.

وفي ظل الرفض القاطع لأي مبادرة عربية للمصالحة وإعادة لم شمل "الأشقاء"، لا يستعبد مراقبون أن تدخل العلاقات بين البلدين مرحلة تطبيع مع القطيعة الدبلوماسية قد تطول لسنوات، تتعدد خلالها أساليب اكتساب القوة بوجه الخصم، ومحاولات إضعافه ومناكفته، دون استبعاد سيناريو نشوب حرب في المنطقة، خاصة في ظل هوس التسلح الذي اتخذه الخلاف بين البلدين.

وبالنسبة لمدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الاستراتيجية، عبد الفتاح الفاتيحي، فإن التوتر سيبقى سيد الموقف بعد عدم تجاوب الرئاسة الجزائرية مع الدعوة الملكية للحوار وتطبيع العلاقة بين البلدين التي تضمنها خطاب ذكرى عيد العرش الأخير.

ويعتقد الفاتيحي، في حديث لـ"العربي الجديد "، أنه أمام "فقدان الموقف التفاوضي للجزائر مع المملكة لقوته على كامل الأصعدة، لا سيما فيما يتعلق بقضية الصحراء بعد الاعتراف الأميركي والتأييد الإسباني والألماني والهولندي لمقاربة الحكم الذاتي في الصحراء، تفضل الجارة الشرقية خيار الهروب إلى الأمام، رافضة مختلف الوساطات الدولية".

ويضيف: "يمكن القول بأن الجزائر تعيش لحظة يأس بسبب استنزاف الكثير من مقدرتها في نزاع الصحراء بلا عوائد جيوسياسية أو اقتصادية على حساب المغرب. ولذلك لن يكون بوسعها الجلوس إلى طاولة الحوار ثنائياً كما اقترح المغرب أو عبر وساطة أممية أو دولية على الأقل في الأمد المنظور".

ويرى أن زيادة حجم الإنفاق العسكري والتصعيد الدبلوماسي الجزائري ضد المغرب يبقي على تصاعد التوتر بين البلدين، وأنه بناء على ذلك من الصعوبة بمكان التكهن بقرب حدوث اختراق في العلاقات المغربية الجزائرية في الوقت الراهن، لا سيما أن الجزائر تعاود محاولة إعادة تقوية موقفها التفاوضي عبر استثمار ورقة الغاز والنفط لاستمالة الموالين للمغرب". ويلفت إلى أن زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر غداً الخميس لن تخلو من مثل هذه المراهنات والمساومات لمواقف الدول مقابل النفط.