الأزمة الجزائرية الفرنسية: هل تمهد زيارة لودريان لطيّها؟

10 ديسمبر 2021
أبدى لودريان أمله في عودة العلاقات مع الجزائر (تييري موناس/Getty)
+ الخط -

سجّل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون نقطة سياسية لصالحه، إذ لم يكن البادئ بالخطوة الأولى لإنهاء الأزمة السياسية مع فرنسا، كما وعد قبل فترة.

غير أنه يُمكن طرح بضعة أسئلة حول نجاح زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى الجزائر، أول من أمس الأربعاء، في طيّ صفحة الخلاف بين البلدين.

وطرحت زيارة لودريان أسئلة عدة ذات صلة بالأزمة بين الجزائر وفرنسا، المتصاعدة منذ شهر إبريل/نيسان الماضي في أعقاب إلغاء زيارة كانت متوقعة لرئيس الحكومة الفرنسية جان كاستيكس، قبل أن تصل الأزمة إلى ذروتها في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي في أعقاب تصريحات مثيرة للجدل للرئيس إيمانويل ماكرون بحق الجزائر.

وتمحورت هذه الأسئلة بالأساس حول الدوافع والسياقات التي فرضت على باريس إيفاد لودريان، وما إذا كانت زيارته كافية لإنهاء الأزمة أو خفض منسوب التوتر على الأقل، وفي المقابل عن حجم استجابة باريس للشروط الجزائرية لإعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي.


لا تفاهم على عودة فورية للعلاقات الطبيعية بين البلدين

وما لفت في تصريحات الوزير الفرنسي عقب استقباله الأربعاء من قبل تبون، قوله إنه "نقل إلى الرئيس تبون رغبة فرنسا في العمل من أجل إذابة الجليد وسوء التفاهم الحاصل بين البلدين"، وأنه "يأمل أن يكون استئناف العلاقات الطبيعية خلال العام المقبل".

وأظهرت العبارة الأخيرة أنه لم يحدث أي تفاهم على عودة فورية للعلاقات الطبيعية، وأن هناك جدولاً زمنياً يمتد لغاية شهر يناير/كانون الثاني المقبل، يمكن فيه للجزائر قياس مدى التزام باريس ببعض الاشتراطات الجزائرية، خصوصاً التي لها علاقة بوقف حملات الإعلام الفرنسي المملوك للدولة ضد الجزائر، ووقف تصريحات المسؤولين الفرنسيين المسيئة للجزائر، ومراجعة ملف المهاجرين المطلوب ترحيلهم من باريس.

حسابات انتخابية لماكرون

ورأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة الجزائر، محمد حسين دواجي، أن زيارة لودريان ليست كافية لحل الأزمة المعقّدة ومتعددة الجوانب، مشيراً إلى أن هناك حسابات انتخابية بالنسبة لماكرون بسبب كثافة الجالية الجزائرية في فرنسا، فرضت عليه البدء بالخطوة الأولى اتجاه الجزائر لحل الأزمة.

وفي حديثٍ مع "العربي الجديد"، قال دواجي "لا أعتقد أن الأزمة انتهت بل ما حصل هو تخفيض الضغط بين البلدين بسبب ظروف كل طرف، ففرنسا مقبلة على انتخابات رئاسية ولديها ملفات مهمة لها علاقة بالجزائر أو مالي وليبيا والساحل، والجزائر مقبلة على مواعيد مهمة، منها ما هو داخلي كالقمة العربية، ومنها ما هو إقليمي كالانتخابات في ليبيا وكذلك تحضيرها لأداء دور مهم في القارة الأفريقية التي لفرنسا نفوذ كبير فيها".

اللافت أن الأزمة الأخيرة التي عقدتها تصريحات ماكرون المثيرة للجدل بحق تاريخ الجزائر وعن طبيعة النظام السياسي القائم في الجزائر، دفعت السلطة السياسية في الجزائر إلى اقتناص الفرصة وتوفير مناخ من التوتر، يصبح معه ممكناً النقاش مع باريس خارج سياق القضايا التاريخية، وحول قضايا محددة بعينها بالغة الحساسية بالنسبة للجزائر.

ومن هذه المواضيع، نشاط حركة "الماك" الانفصالية (تطالب باستقلال منطقة القبائل وتتخذ من باريس مقراً لها) وحركة "رشاد"، اللتين تصنّفهما السلطات الجزائرية بأنهما إرهابيتان، وتطالب بتسليمها عدداً من الناشطين في الحركتين.

ورأى الكاتب والمحلل السياسي اسماعيل خلف الله، أن مناقشة هذه الملفات وغيرها من قضايا الذاكرة العالقة، تفرض عودة العلاقات الجزائرية الفرنسية. وقال في حديثٍ مع "العربي الجديد" إن "الأزمة متجذرة وعميقة، ولا أعتقد أن الزيارة ستنهي الأزمة، لكن هناك أكثر من ضرورة لعودة العلاقات". وافترض أن "لا أحد من الطرفين يستطيع التخلي عن علاقاته مع الآخر لاعتبارات متعددة، حتى حل ومعالجة ملفات الذاكرة تستدعي التعامل مع فرنسا".

فرنسا تتخوف من الخسائر الاقتصادية

في سياق آخر، أبدى مراقبون اعتقادهم أن زيارة وزير الخارجية الفرنسي لها صلة بشعور باريس بتعرّضها لخسائر اقتصادية بالغة في المجال الحيوي للاقتصاد الجزائري، وأن الأزمة مع الجزائر قد تزيد في الكلفة أكثر.

وسُجل في السياق تقلص لافت للمصالح الاقتصادية الفرنسية في الجزائر، مع خسارة العديد من الشركات عقود عملها في الجزائر كـ"توتال" وشركة المياه "سيوز"، والشركة التي كانت تدير المترو وشركة إدارة المطارات.

كما خسرت فرنسا ريادتها في المبادلات التجارية مع الجزائر، لصالح الصين، وريادتها في مجال الاستثمارات الأجنبية في الجزائر لصالح تركيا.


وُضعت زيارة الوزير الفرنسي في سياق تخفيف الضغط عن البلدين

وإضافة إلى ذلك، تستشعر باريس بأن نطاق أزمتها السياسية مع الجزائر، يمتد أيضاً إلى وضع إقليمي متوتر باتت فيه فرنسا أبرز أهداف الحركات الشعبية المناوئة في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، بعد المواقف التي اتخذتها حكومة مالي المقربة من الجزائر ضد باريس، وكذلك الاحتجاجات الشعبية المناوئة لها في النيجر وبوركينا فاسو.

في المقابل، تتمركز روسيا والصين وتركيا في الساحل وأفريقيا، وتشعر باريس بمنافسة من هذه القوى المتحالفة مع الجزائر، والتي باتت تدفعها إلى خارج المنطقة، فيما تحاول باريس أن تربط مصيرها في الساحل بمتطلبات أمن الجزائر.

وهو ما عبّر عنه لودريان بقوله إن "الجزائر وفرنسا تواجهان تحديات كبيرة إقليمياً ودولياً بخصوص الإرهاب في الساحل والهجرة غير الشرعية".

ومن المرتقب حصول خطوات عدة في المستقبل القريب، ستعطي مؤشراً واضحاً على المدى الذي يمكن أن تصل إليه انفراجة العلاقات الجزائرية الفرنسية، أولها عودة السفير الجزائري عنتر داود إلى باريس (استدعي للتشاور منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول الماضي)، ومصير قرار السلطات الجزائرية إغلاق الأجواء الجزائرية في وجه الطائرات العسكرية الفرنسية، والطريقة التي سيتعامل بها الاعلام الفرنسي مع الجزائر، وكيفية تصرف باريس مع ملف الناشطين الجزائريين المطلوبين للقضاء الجزائري.

المساهمون