الأردن: عملية البحر الميت ترسم مستقبلاً مجهولاً للعلاقة مع الحركة الإسلامية

20 أكتوبر 2024
نقطة تفتيش إسرائيلية بعد عملية البحر الميت، 18 أكتوبر 2024 (أحمد غرابلي/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- أثارت عملية البحر الميت جدلاً في الأردن حول العلاقة بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، حيث باركت الجماعة العملية بينما التزمت الحكومة الصمت وأكدت على أهمية الأمن الوطني.
- واجهت جماعة الإخوان المسلمين انتقادات حادة، ونفى حزب جبهة العمل الإسلامي أي صلة بالعملية، فيما أكد رئيس الوزراء دعم الأردن للقضية الفلسطينية مع رفض التجاوزات القانونية.
- تتسم العلاقة بين الحكومة والإخوان بالتوتر، خاصة بعد الربيع العربي، وتحاول الحكومة الحفاظ على توازن ديمقراطي مع استمرار الرقابة الأمنية.

منذ إعلان الحركة الإسلامية في الأردن أن الشهيدين حسام أبو غزالة وعامر قواس، منفذي عملية البحر الميت أمس الجمعة، والتي أسفرت عن جرح عسكريين إسرائيليين، من أعضائها، والجدل محتدم في الأردن عن مستقبل العلاقة بين الحركة والحكومة الأردنية، حيث انبرت أقلام وأصوات تطالب جماعة الإخوان المسلمين بتوضيح موقفها من عملية البحر الميت، وتم اتهام الجماعة بالعسكرة والخروج عن القوانين التي تحكم الدولة الأردنية.

وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً باركت فيه العملية، لكنها أشارت إلى أن العملية الفردية للقواس وأبو غزالة مرتبطة بشبان استفزتهم حرب الإبادة الإسرائيلية، وحتى الآن فإن التحقيقات لا تزال مستمرة في هذه العملية، فيما لا يزال الجانب الرسمي الأردني يلتزم الصمت التام حتى هذه اللحظة حول تفاصيل التحقيقات. وقال الأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي وائل السقاء، في تصريحات اليوم السبت، لقناة المملكة، إنه لا صلة تنظيمياً للحزب بجماعة الإخوان المسلمين، ومنفذا عملية البحر الميت ليسا عضوين في الحزب.

ولم يعلن الجانب الأردني عن تفاصيل أمنية كثيرة بخصوص الحادثة المفاجئة والغامضة، حيث اكتفى الجيش الأردني في بيان، بنفي مزاعم إسرائيلية باجتياز عسكريين أردنيين اثنين الحدود الغربية للمملكة الأردنية. في المقابل، أكد رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان، خلال جلسة مجلس الوزراء اليوم السبت، أن أحداً لم يقف كما وقف الملك عبد الله الثاني شخصياً مع إخواننا في فلسطين، مضيفاً: "نحن دولة متماسكة بشعبها ومؤسساتها، ولن نسمح بأي تجاوز على القانون والمؤسسات الوطنية، أو استغلال الناس وعواطفها من قبل أي جهة كانت داخلية أو خارجية في هذه المرحلة العصيبة والدقيقة لأهداف سياسية، والمتاجرة بحياة الناس بالشعارات دون أدنى مسؤولية".

ورأى أن التعبير عن الدعم والتضامن مع أهلنا وإخواننا في فلسطين موقف كل الأردنيين بدون استثناء، لكن التحريض الذي يعرّض أمن الوطن وسلامة المواطن للخطر موضوع مختلف تماماً، ولن نقبل ذلك بأي شكل من الأشكال ومن أي جهة كانت. وشدد على أن أمن الأردن واستقراره وسلامة شعبه فوق كل اعتبار، وأن مصلحتنا الوطنية هي الأولوية الأولى التي لا يعلو عليها شيء إطلاقاً، وفي قوة هذا البلد ومنعته قوة لصمود أهلنا في فلسطين.

وأضاف: "لم ولن نكون مسرحاً للفوضى والعبث، أو النيل من أمننا واستقرارنا ومنجزنا الوطني، ولن نكون ساحة للفتنة أو نقبل المغامرة بمستقبل هذا البلد، ولن نسمح لأي جهة كانت أن تستنسخ نماذج الفوضى والدمار التي حولنا إلى وطننا، لأننا نثق بشعبنا ونثق بوعيه ووطنيته وتماسكه وتمسّكه بثوابتنا الوطنية، وبسيادة القانون، وهذا أهم شيء بالنسبة لنا".

وشهدت ساحة وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الإخبارية الإلكترونية، شن مجموعة غير قليلة من النشطاء والكتاب هجمة شرسة على الحركة الاسلامية، ووجهوا انتقادات لاذعة واتهامات لحزب جبهة العمل الإسلامي، الذي حقق 31 مقعداً في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، وربما تشهد الفترة المقبلة المزيد من التوتر بين الحكومة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين، بعد الإعلان عن انتماء منفذي العملية للجماعة، وأن يسفر ذلك لاحقاً عن قرارات رسمية ضد الجماعة، باتجاه ضبط إيقاعها في السياسة المحلية، خاصة بعد الاحتفاء بالشهيدين في منطقة ضاحية الأقصى في العاصمة عمّان.

وقالت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، مساء الجمعة، إنّ "عملية البحر الميت البطولية، ونفذها الشهيدان حسام أبو غزالة وعامر قواس، جاءت كرد فعلٍ فردي من شباب أردني لم يتحمل مشاهد الوحشية الصهيونية الغاشمة. وقالت الجماعة في تصريح صحافي، إنّ هذه العملية جاءت في ظل حرب الإبادة الجماعية في غزة، وجرائم الاحتلال ومجازره المروعة التي ذهب ضحيتها ما يزيد عن خمسين ألف شهيد، وما يقع من تجويع وتنكيل نازي بحق المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، وأمام فشل الحكومات وعجز الشرعية الدولية عن وقف هذا العدوان النازي المجرم.

كما أكدت أنّ "هذا الفعل ليس جديداً على الشعب الأردني، فهو يأتي في سياق مسيرة بدأها الشهيد البطل كايد العبيدات، ولم تقف عند الشهيد البطل ماهر الجازي، دون أن ننسى تضحيات جيشنا العربي الذي ما زالت دماء شهدائه شاهدة على أرض القدس وفلسطين". ولفتت إلى أنّ "جماعة الإخوان المسلمين ستبقى كما كانت دوماً في خندق الوطن، تحرص على وحدته وأمنه واستقراره".

وتعليقاً على التطورات وما شهدته الساحة المحلية من جدل، قال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، في حديث مع "العربي الجديد"، إن موقف حزب جبهة العمل الإسلامي عندما أعلن أن الشهيدين ينتميان إلى الحركة الإسلامية، ومباركة العملية، رأى الكثير فيه أنه تبنٍّ للعملية، فيما لم يكن الحزب مدركاً الأبعاد السياسية وإمكانية توظيف هذا التصريح. وأضاف أن الحزب والجماعة باركا سابقاً العملية التي نفذها الشهيد ماهر الجازي، وذهب ممثلون عنهما إلى بيت العزاء، فموقفهما معلن، لكنهما بدأا يدركان أن هذا له أبعاد أخرى قد تفسر أن حزب جبهة العمل والإخوان يؤسسان ذراعاً عسكرية، أو يشجعان الانفلات الأمني، وهذه التفسيرات ذات أبعاد خطرة على وجودهما السياسي، مما جعلهما يتراجعان عن التصريح الأول بتصريح جديد صادر عن الجماعة.

وأشار إلى أن بعض الكتاب والصحافيين المقربين من الحكومات بدأوا بطرح أسئلة تتعلق بحزب جبهة العمل الإسلامي والحركة، مطالبين الحزب بتوضيح موقفه، فيما طلب البعض الآخر حل الحزب. وبيّن شنيكات، أن الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي ينتقدون أغلب القرارات الحكومية، مضيفاً أن هذا يعني أنهم في مجلس النواب سيتبنون خط المعارضة، ولا أعتقد أنه جرى عرض أي كوتا بالحكومة عليهم، وهذا دليل أن الحكومة تعلم موقف الجماعة وأنه لا يتفق مع المواقف الحكومية، وسيكونون كما كانوا في البرلمان السابق، ولن يذهبوا إلى أكثر من ذلك.

وأضاف: "لا اتوقع أن يجري حل الحزب"، مضيفاً أن "الدولة وأجهزتها تعلم من هم الإخوان، ولو كان لديهم تنظيم عسكري لجرى اتخاذ إجراءات باتجاههم، واعتقالات ومحاكمات، فالعسكرة خط أحمر للدولة". وقال: "بالتأكيد يمكن أن تكون هناك تحقيقات أمنية مع المقربين من الشهيدين في الحركة، ومحيطهم، وهذا يأتي ضمن الإجراءات الأمنية الاعتيادية، ولفهم أبعاد العملية".

بدوره، قال الباحث والخبير المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية حسن أبو هنية لـ"العربي الجديد"، إن علاقة الإخوان وحزب جبهة العمل الإسلامي مع الحكومة والدولة غير جيدة، منذ انتهاء الحرب الباردة، والتي كانوا خلالها حلفاء للنظام، وكله تبدل بعد الربيع العربي، فتصنيف الإخوان كحركة إرهابية في الخليج ومصر وغيرها من الدول، جعل الأردن يتبنى مقاربة وسط، بحظر الجماعة قانونياً، مع الإبقاء على الحزب.

وأضاف: "تعامل الحكومات مع الحزب تعامل براغماتي، يحاول الاستفادة منها قدر الإمكان، ويمنع أي توترات ومشاكل مع الجماعة، والعلاقة لم تتحسن حتى في الانتخابات الأخيرة، لكن الأردن يمرّ بمرحلة صعبة بسبب الظروف الإقليمية، مع حرب الإبادة في غزة والضفة، والتهديدات الإسرائيلية، ومحاولات التهجير، فالأردن من مصلحته إظهار نوع من الديمقراطية في الانتخابات، لكن هذا لا يعني أن العلاقة تحسنت، فأمنياً يُنظر الى الإخوان كمهدد للاستقرار، لكن الظروف التي حدثت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، يحاول الاستفادة منها كيمين ديني في مواجهة اليمين الديني الإسرائيلي المتطرف.

وأضاف أن الدولة الأردنية تستفيد من وجود الإخوان أكثر من عدم وجودهم، وحظر الإخوان سيحدث نوعاً من التوتر وينزع صفة الديمقراطية عن الدولة، ويؤثر سلباً على صورة المسار الإصلاحي. وأشار إلى أنه يمكن للدولة تقديم حجج للأوروبيين والعالم أن الأردن لديه يمين كما لدى دولة الاحتلال، مضيفاً أن الحكومة تفكر اليوم في تجاوز هذه المرحلة كما تجاوزت مراحل سابقة، وبالتالي ربما يأتي لاحقاً الحساب، فعلاقة الأنظمة والحكومات مع حركة الإخوان المسلمين غير سوية في المنطقة.

وعن توقعه للعلاقة الأمنية التي بين الإخوان والحكومة مستقبلاً، أشار إلى أن الحركة كانت دائماً تحت المجهر الأمني، وأحيانا تضيق على بعض الكوادر، وهذا الأمر لم ينقطع، لافتاً إلى أن الأردن يحاول العمل على نهج وسطي لا يصل إلى حد الإلغاء.

المساهمون